في الذكرى الـ25 لتوليه العرش، فضّل العاهل المغربي محمد السادس أن يضفي بعض التلميع على نظام حكمه الذي تجاوزت انتهاكاته الحقوقية كل التصوّرات وحشرته التقارير الدولية ضمن الأنظمة الأكثر ظلما وقمعا في العالم.
بعد الضغوط الداخلية لسياسة المغرب الاجتماعية والاقتصادية الفاشلة، وبعد الانتقادات الخارجية لممارساته التسلّطية وفضائحه المتلاحقة التي صنعتها عمليات الجوسسة التي نفذها بأنظمة صهيونية على سياسيين ورؤساء وابتزازه لبرلمانيين أوروبيين قصد شراء ذممهم وكسب دعمهم لضرب القضية الصحراوية، قرّر العاهل المغربي الإفراج عن بعض معتقلي الرأي والصحافيين في خطوة وصفها البعض بأنها مجرد محاولة من المخزن للانحناء لعاصفة الاتهامات الحقوقية التي تحاصره، ونعتها آخرون بأنها بمثابة المسكّن الذي لا يعالج سقما. ورغم أن العفو، في شكله ومضمونه، هو قرار إيجابي يضفي الانفراج على التوترات الداخلية ويزيل المشاحنات ويعزز التسامح ويدعم الاستقرار، فإنه في المغرب لن يستطيع تحقيق هذه الغاية لسبب أساسي أنه أقصى مجموعة كبيرة من معتقلي الرأي الذين زجّ بهم في السجن بسبب مواقفهم السياسية وآرائهم التي لم تأت على هوى النظام، فلائحة العفو الملكي الصادر مساء الاثنين، بمناسبة عيد العرش، لم تشمل نشطاء حراك الريف السبعة المتبقين رهن الاعتقال، كما لم تشمل النقيب محمد زيان البالغ من العمر واحد وثمانون عاما، والمحكوم بعقوبتين حبسيتين بخمس سنوات نافذة.
وسارع كثيرون في المملكة للمطالبة بإطلاق سراح من تبقى من معتقلي الرأي والمعتقلين السياسيين، وفي مقدّمتهم معتقلو حراك الريف ودعوا لطّي هذه الصفحة السوداء التي جعلت سمعة المغرب تتراجع كثيرا، كما حثوا المخزن على وقف اكالة التهم الباطلة للمواطنين وسجنهم على أساس آرائهم ومواقفهم.
تجنـي علــى المقاومـة
من ناحية ثانية، وقع العاهل المغربي في خطيئة كبيرة بنعته المقاومة الفلسطينية بالتطرف وبمساواته بين الضحية والجلاد. فقد وصف الملك محمد السادس، المقاومين الفلسطينيين بــ«المتطرفين»، وهو وصف لم يكن مفاجئا بالنظر لحجم التطبيع والتماهي المغربي مع المشروع الصهيوني.
كما ذهب العاهل المغربي بعيدا بافتخاره بما لم يقم به، مدعيا قيامه بمساعي لوقف الحرب وبأنه قدم مساعدات كثيرة للفلسطينيين انطلاقا من كونه رئيسا للجنة القدس.
وعـــود لم تتحقّـق ونظام يتآكـل
في السياق، توقفت صحيفة «ال إندبندينتي» الإسبانية عند حصيلة 25 سنة من حكم العاهل المغربي، محمد السادس، مبرزة أن الآمال التي انتعشت لدى الشعب المغربي عند توليه السلطة في جويلية 1999، سرعان ما تلاشت بعد الاستخدام المفرط للقمع ضد الحقوق والحرّيات.
واستعادت الصحيفة الاسبانية مع الصحفي هشام المنصوري، في مقال بعنوان: «محمد السادس: 25 سنة من الحكم يرويها صحفي استقصائي مغربي»، ذكريات اعتلاء العاهل المغربي العرش والتي انطلقت بوعود قدمها لإحداث القطيعة مع العهد السابق، أو ما كان يعرف بسنوات الرصاص، لكن الوعود ذهبت أدراج الرياح في ظل تصاعد انتهاك الحقوق والحرّيات وتزايد عدد المحاكمات لا سيما ضد الصحفيين والنشطاء لتكميم أفواه وأصوات المعارضة، إلى درجة خنق أي سلطة مضادة.
الصحفي المغربي هشام المنصوري الذي عانى شهورا من الاعتقال داخل سجون المغرب بسبب مهنته ودفاعه عن الحقوق والحرّيات في بلده وظل يدفع الثمن بعد خروجه من السجن الى المنفى، صرح للاندبندينتي « أن الفترة مابين 2014 و2024 وضعت حدا لكل أمل في المغرب».
وأكدت الصحيفة أن «السيرة الذاتية للصحفي المنصوري، المليئة بكل أنواع الاضطهاد والتعذيب والمقاومة، تبقى شاهدا على انعدام الحريات العامة التي تخنق هذا البلد».
واستغل الصحافي المناسبة ليستنكر «سجن الصحفيين والنشطاء وجميع الأصوات المعارضة بتهم ملفقة (الجنس، تبييض الأموال، الاغتصاب أو الاتجار بالبشر)، وتشويه سمعة وسائل الإعلام، أو «سجن الأبرياء مثل ناصر الزفزافي (زعيم حراك الريف الذي اعتقل في ماي 2017 وحكم عليه بأحكام جائرة بلغت 20 سنة سجنا) أو الناشطين من أجل القضية الفلسطينية».
كما أدان استخدام وسائل التجسّس والتي كان أحد ضحاياها، من ضمن العشرات من المغاربة، وقال إن «التجسس حصل بواسطة برنامج «بيغاسوس» الصهيوني الصنع الذي يستخدم لاضطهاد وابتزاز المعارضين ومراقبة الزعماء الأجانب».
وتأسف الصحفي للوضع الذي بلغه الشعب المغربي الذي يعاني الفقر والتجويع في الوقت الذي يزداد فيه النظام المخزني وأعوانه ثراء، قائلا في السياق «لقد أضحى المغاربة يتفرجون بلا حول ولا قوة منهم. فالمشاريع الكبرى التي دشنها الملك استفاد منها الأغنياء في البلد»، مستشهدا بالقطار فائق السرعة ومخطط آزور ومصادرة المساكن والمخطط الأخضر الذي «قضى على صغار الفلاحين».
واختتمت الإندبندينتي معلّقة «كل يوم، تتآكل إحدى أهم ركائز النظام الملكي، الخوف يفسّر الصمت، لكن النار مشتعلة منذ سنوات عديدة».