يرى أستاذ الدراسات المتوسطية بجامعة الجزائر 3، نوارة عادل، أن الجزائر ليست بمنأى على المستوى البعيد عن الصراع الدائر في حوض شرق المتوسط بالنظر لعدة عوامل جيو-سياسية.
اعتبر في حوار مع «الشعب ويكاند» أن الأزمة ستحدد مستقبل سوق الغاز في المنطقة من خلال المنافسة، وهو ما قد يؤثر على اقتصاد البلاد مستقبلا، محذّرا في نفس الوقت من خسارة الزبائن في المنطقة، لان الأزمة بمنظور سياسي ستعمل على إعادة تشكيل أولويات الدول في العلاقات الدولية.
- الشعب ويكاند: يبدو أنّ الصّراع الدائر في شرق المتوسط بسبب الغاز يزداد، مع دخول أهداف أخرى، هل لك أن تضعنا في الصورة لفهم الأزمة؟
الأستاذ عادل نوارة: يتجاوز النزاع التركي - اليوناني المشكلات والأزمات الطارئة بين البلدين الى أسباب تاريخية حضارية وأخرى سياسية وجغرافية، يكاد يكون من المستحيل حصرها وتسويتها. فهو نزاع مقترن بتاريخ طويل من الصراعات المريرة والحروب بين شعبين مختلفين في القيم والمعتقدات الحضارية، وكان بالنسبة لليونان يتمحور حول التخلص من الحكم الأجنبي واستعادة أرضه التاريخية، وبالنسبة للأتراك قضية هزائم وانتكاسات وتراجع نفوذ لإمبراطورية حكمت نصف أوروبا لخمسة قرون متتالية.
ويتلخّص جوهر الصراع والنزاع بين الجارين حول مناطق حدودية تشكّل مزيجا من العرقية التركية واليونانية، تحاول كل دولة فرض رؤيتها ومنطقها في ادعاء السيادة عليها مستخدمة شتى الوسائل وصولا الى التهديد باستخدام القوة ما يهدد الأمن الاقليمي للمنطقة، وينعكس بشكل سلبي على الاستقرار في شرق المتوسط برمته ومنطقة البلقان بحكم وجود الأقليات ذات الأصل التركي فيها.
- قلتم إنّ الصراع له جذور تاريخية وسياسية، ماذا يعني هذا؟
يتمحور النزاع تحديدا حول جزيرة قبرص وبحر ايجه، حيث يستمر النزاع حولهما دون حلحلة واضحة قد تنهي أمد الخلافات التي عمّرت لأكثر من قرن من الزمن، ما تسبّب في تقسيم الجزيرة الى دولتين شمالية لا تعترف بها إلا تركيا وجنوبية يعترف بها المجتمع الدولي، ولطالما اشتد النزاع حولها ليصل في مرات عديدة إلى حافة الحرب المباشرة بين الدولتين، ولعل أبرز سماته التدخل التركي العسكري المباشر في قبرص سنة 1975، وينطبق نفس التوتر حول النزاع حول بحر ايجه خاصة ما تعلق بمسألة المياه الاقليمية والمجال الجوي، واستغلال الجرف القاري بثرواته التي تغري كلا الدولتين، ما يجعل من الصعوبة بمكان تطبيق المسائل التقنية المتعلقة بتحديد المياه الاقليمية لان كل دولة تربط ذلك بأمنها القومي.
- ما تأثيرات هذا الصّراع على الجزائر؟
الصّراع التركي اليوناني صراع مزمن، وأعتقد في هذه المرحلة قد لا يكون له تأثير كبير على الجزائر لاستبعاد الوصول الى اتفاق بين الأطراف المتنازعة.
وفي حال تمّ الاتفاق، قد يؤثر ذلك في أسواق الطاقة وظهور منافس جديد للجزائر، خاصة في السوق الأوروبية التي تعتبر من أهم المتعاملين مع الجزائر في هذا المجال.
- هل هناك أسباب جيو-سياسية لهذا الصّراع أم أنّه لأسباب اقتصادية محضة؟
لهذا الصراع اعتبارات جيو-سياسية حيث أن الموارد الطاقوية بحد ذاتها تعتبر عاملا من عوامل قوة الدولة، وقد تكون أداة بحد ذاتها لتحقيق أهداف السياسة الخارجية.
كما أنّ الصراع التركي اليوناني له اتجاهات وأسباب أخرى كون تركيا لم يتم قبول طلب عضويتها للاتحاد الأوروبي، في حين أن اليونان دولة عضو فيه.
كما أنّ تركيا تسعى لأن تكون أقوى دولة إقليمية في المنطقة، والتوسع في منطقة الشرق الاوسط بالتأكيد سيخدم أهدافها السياسية والإستراتيجية.
- هل يؤثّر هذا الصّراع بشكل مباشر على الجزائر، وما تداعياته؟
الجزائر تعتبر أن الصراع التركي اليوناني ليس ضمن أولوياتها الإستراتيجية خصوصا مع تنامي تحديات منطقة الجوار، وسيكون لها تعليق رسمي في حال التصعيد وتفاقم الصراع.
- ما دلالات هذه الأزمة المتزامنة مع وباء كورونا؟ وهل يمكن لتركيا تحقيق توازن في المنطقة دون خوض حرب مع حلفائها لاسيما أنّ حدّة الأزمة تراجعت؟
تسعى تركيا إلى استغلال كل الفرص الممكنة لحل هذا الصراع لصالحها، يعيش العالم اليوم في ظل انتشار جائحة الكورونا توترا كبيرا، وتوجه المجتمع الدولي إلى البحث في سبل مواجهتها والحد منها، هذا يجعل من الصراع التركي اليوناني لا يحظى بالاهتمام الذي عرفه سابقا ممّا قد يتيح لتركيا فرصة المضي قدما نحو تحقيق مجموعة من التوازنات سواء مع دول المنطقة أو حتى الأطراف التي تسعى إلى حل هذا النزاع.
كما كان لجائحة كورونا أثر واضح في دول الاتحاد الأوروبي، والذي ظهر جليا في تصريحات بعض ممثلي حكوماتها، والتي اتسمت بالاتهامات وانعدام الثقة، وقد تصل إلى التفكير في الانسحاب من الاتحاد، مما قد يجعل دعمه لليونان ضعيفا لعدم استقرار هذا التكتل داخليا.
- ما مستقبل الصّراع في ظل تدخل قوى غربية لتهدئة الأوضاع على غرار الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية؟
صراع في جذوره تاريخي حضاري قد لا يتم الوصول إلى حل نهائي له، ولكن مع تدخل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية قد يتم الوصول إلى حل توافقي بناءً على مجموعة من التنازلات من أجل الظفر بمكاسب أكبر، تعظيم الأرباح عن الخسائر، لأن استمرار الصراع حول الطاقة في المنطقة لا يخدم الطرفين.