د. حمود صالحي مـن جامعـة كاليفورنيـا لــ «الشعب»:

لا نتوقّــع تغيّـرا في السياسـة الخارجيــة الأمريكيـة

حوار: عزيز.ب

 هناك تجانس بين ترامب وبايدن تجاه المنطقة العربية

أكد الدكتور حمود صالحي، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية المقارنة بجامعة كاليفورنيا، أن واشنطن لن تغيّر سياستها الخارجية تجاه المنطقة العربية في السنوات الأربع القادمة تحت إدارة كلا المرشحين لرئاسة البيت الأبيض، وهذا بالنظر لخصائص هذه السياسة التي تمتاز بالاستمرارية. وأوضح بأن هنالك تجانس بين ترامب وبايدن تجاه الأوليات الإستراتيجية بالمنطقة العربية. لكن كما أضاف، فإنّ صداقة ترامب ستبقى العمود الرئيس لمواصلة ما أنجزه أثناء عهدته الأولى لصالح الاحتلال الإسرائيلي في حال فوزه بالرئاسة الأميركية مرة أخرى، خاصة فيما يخصّ دفع عجلة التطبيع بين العرب وإسرائيل.

- «الشعب»: الولايات المتحدة الأمريكية على موعد، اليوم، مع الانتخابات الرئاسية، هل تتوقعون حدوث تغيرات على سياستها الخارجية تجاه المنطقة العربية في الأربعة أعوام القادمة؟
 د. حمود صالحي: لا نترقب أن يحدث تغير جذري في السياسة الخارجية الأميركية تجاه المنطقة العربية في السنوات الأربعة القادمة تحت إدارة كلا المرشحين لرئاسة البيت الأبيض، سواء كان ذلك مع الرئيس الحالي دونالد ترامب أو المرشح الديمقراطي جو بايدن.
ويعود ذلك إلى خصائص السياسة الخارجية الاميريكية التي تمتاز بالاستمرارية. خذ غزو العراق الذي قاده الرئيس السابق دبليو بوش في مارس 2003، فكما نعلم بدأت التحضيرات لذلك الغزو (ومنه من يذهب الى أبعد من ذلك) تحت ادارة الرئيس السابق بيل كلينتون ضمن إستراتيجية الردع الثنائي ثم استراتيجية الردع الوقائي التى أدت الى تدمير القاعدة الاقتصادية والحربية العراقية، وهذا ما مهد لاحتلال العراق بقيادة الرئيس بوش. بالمقابل، قام هذا الأخير برسم خطة الانسحاب في السنتين الأخيرتين من عهدته ليأتي الرئيس أوباما ليطبق ذلك الانسحاب.
-  ماذا عن سياسة ترامب -إذا فاز طبعا- هل ستستمر على نفس المسار؟
 إذا فاز الرئيس الحالي، فإنّ سياسته ستستمر في نفس المسار مع اختلافات في التنفيذ وآليات التطبيق. فمثلا نلاحظ في منطقة المغرب العربى ودول الساحل، سيطرة البنتاغون في خلق الإطار العام لسياسة الولايات المتحدة الخارجية، حيث أصبح اهتمام أميركا منصبا على التصدي للاٍرهاب والنفوذ الصيني والروسي الذي ازداد بهذه المنطقة كما تراه أمريكا، من المحتمل جدا أن وزارة الخارجية ستكون من الآليات التي يستعملها المرشح الديمقراطي بايدن، في حال فوزه،لتنفيذ أهداف الأفريكوم، وذلك بالتركيز على العمل الدبلوماسي لتطوير العلاقات الاقتصادية والثقافية والتكنولوجيا كمحاولة لإنقاص النفوذ الصينى والروسي في هذا المجال.
بالتحديد، فإن الإطار العام الاستراتيجي لسياسة أميريكا الخارجية لا يبنى على الأشخاص وإنما على المؤسسات التي تطبقها. فلو عدنا الى خطاب الرئيس ترامب الذي ألقاه بالمملكة العربية السعودية في أول زيارته الى المنطقة العربية، فإنه لا يختلف في مضمونه عن خطاب الرئيس أوباما الذي وجّهه للعالم الإسلامى من القاهرة في أول زيارة له للمنطقة العربية. لقد قال ترامب متوجها الى العالم الاسلامي، إنه لم يأت اليهم بشروط يفرضها عليهم، بل جاء الى المملكة ليسمع آراءهم، و»لا ليحاضرهم». (باقتباس). هذه النغمة تتجانس كليا مع ما كان يقوله الرئيس أوباما وأيضا تتماشى مع تصريحات بايدن الذي يؤمن بالتعددية في المعاملات التجارية والعلاقات الدولية.

جمهوريون... ديمقراطيون... الكلّ وراء التطبيع

 وماذا عن التطبيع؟
 هذا الأمر مفروغ منه، ونفس الشيء ينطبق على القدس وما يسمى بـ»صقفة القرن»، خذ مسألة التطبيع بين الاحتلال الاسرائيلي والعرب. فلقد وضعت ادارة الرئيس ترامب آليات جديدة تضمن استمرارها، فعلى سبيل المثال، أصبح متعارفا ان الاتفاقيات التي تبرمها الولايات المتحدة والبيانات المشتركة التي تعلنها قيادات دولية عند زياراتها للبيت الأبيض بواشنطن أن تحتوي إعلانا تشير الى تضامن تلك الدول مع الاحتلال الإسرائيلي، واعتناقها لسياسة التطبيع العربي مع الاحتلال الاسرائيلى كأساس لحل قضايا المنطقة العربية، وتستعمل واشنطن هذه الآلية لإعطاء صورة إيجابية عن الكيان الصهيوني في نظر الرأي العام الأميريكي والعالمي.
لهذا، لا نتصور أن يعاد النظر في قضية التطبيع. بل أكثر من هذا، فإن الرئيس المنتخب، وهنا في حال فوز المرشح الديمقراطي بايدن، سيكون مجبرا أن يظهر نتائج أفضل من التي حققها ترامب وذلك رغبة في كسب الولاء للاحتلال الإسرائيلي. فلا نستبعد ان تمارس إدارته، ضغوطات كبيرة على دول عربية أساسية ذات وزن أقليمي ودولي، لضمها في صف أصدقاء الاحتلال الإسرائيلي الجدد. وسيكون ذلك بيانها لتفوقها على إدارة الرئيس ترامب في خدمتها لإسرائيل.

الفائز سيحظى بتأييد اللوبي الصهيوني

-  بالنظر إلى ما قدّمه ترامب لإسرائيل، يتجلّى بوضوح أن هذه الأخيرة تخشى فوز بايدن. ما تعليقكم؟
 يبقى أكبر تحدي سيواجهه بايدن إذا فاز بالرئاسة، هو كسب صداقة الاحتلال الإسرائيلي في هذا المجال. ضمن هذا السياق، يجب ان نذكر بأن المرشح الديمقراطي بايدن له تجربة واسعة مع ملفات المنطقة عندما كان نائب الرئيس الأسبق باراك أوباما. هذا، ورغم الآمال التي وضعها العالم في ادارة أوباما بأن يغير مسير المفاوضات السلمية في المنطقة، إلا أنه فشل في تحقيقها بسبب تعنت رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الشيء الذي أدى إلى تجميد المفاوضات، ولم نر أي مبادرة من أوباما لإحيائها، وهذا عكس ما نراه اليوم من مودة وصداقة بين الرئيس ترامب ونتنياهو. فالمتوقع أن صداقة ترامب ستبقى العمود الرئيس لمواصلة ما أنجزه أثناء عهدته الأولى لصالح الاحتلال الإسرائيلي في حالة فوزه بالرئاسة الأميركية مرة أخرى.
أما بايدن فأمامه نتياهو الذي لا يملك معه علاقات خاصة، على غرار ترامب، ولا مع الطبقة السياسية لإسرائيل واللوبي الصهيوني الأمريكي. كما أن الاحتلال الإسرائيلي لا يثق في الحزب الديمقراطي كحليف، لذلك يصعب أن نرى مخرجا من أزمة المفاوضات التي نراها اليوم. ولكن هذا لا يعني ان العلاقات بين الاحتلال الإسرائيلي وأمريكا ستتأثر بذلك، فالعكس هو الصحيح. وتاريخ الرئيس أوباما مع الكيان الصهيوني شاهد على ذلك.
والسبب في كل هذا، يعود إلى الانتخابات الاميريكية والتبرعات التي يمنحها اللوبي الاسرائلي الامريكي لأعضاء الكونغرس والمرشحين للمناصب الانتخابية بغرض كسب ولائهم بالكونغرس. وهنا يجب أن نشير إلى أن أمريكا مقبلة على انتخابات تشريعية فصلية في سنتين من الآن. لذلك، يكون اهتمام الرئيس المنتخب منصبا على كسب مودة لوب الاحتلال الاسرائلي الاميريكى لفوز حزبه في تلك الانتخابات وحتى يضمن صداقة الكونغرس ليتمكن من تطبيق برنامجه.
- من خلال كلامك يظهر أن هناك تجانس واضح بين رؤيتي الرئيس ترامب ونائب الرئيس السابق بايدن فيما يخص أوليات الاستراتيجية الاميريكية الخارجية؟
 يتضمن فريق بايدن للشؤون الخارجية أكثر من ألفي مستشار ذي اختصاصات متعددة ويمثلون كل المناطق الجغرافية بالعالم، ويعد دورهم الأساسي مساعدة بايدن في بلورة أفكار سياسته الخارجية. وفي هذا المجال، فإن برنامج بايدن لا يختلف كثيرا مع سياسة ترامب الخارجية. فهناك تجانس واضح بين رؤيتي الرئيس ترامب ونائب الرئيس السابق بايدن فيما يخص الأوليات الاستراتيجية الأميريكية بالمنطقة العربية، حيث يستهدف إلى مكافحة الارهاب والتصدي لما تعتبره أميريكا بالعدوان الإيراني واحترام حقوق الأنسان.
أما فيما يخص المنطقة العربية فيمثلها مستشار واحد، دانييل بنيم، صديق بايدن والذى اشتغل في إدارة الرئيس أوباما، سابقا ومع وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، وكان الكاتب الدائم في لجنة الكونغرس للشؤون الدولية وله كتابات عديدة حول قضايا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نشرت في وسائل الاعلام الكبرى بأميركا.
ويميل بنيم في أفكاره ورؤيته الى المنطقة العربية، الى نهج التعددية السياسية وخلق ديناميكية جديدة للتأثير على القادة العرب لاحترامهم، بحسبه، حقوق الانسان من منظار أميريكى. إلا انه ورغم انتقاداته لسياسة ترامب، إلا ان أفكاره تتجانس كليا مع أفكار الإدارة الحالية تحت رئاسة ترامب، وهذا يتماشى مع ما قلناه سابقا بأن السياسة الخارجية الأمريكية تمتاز بالاستمرارية وأن التغيير قد يحدث من إدارة الى أخرى، إلا أنه لا يمس المبادئ والأطر التي سطرتها الادارة السابقة.
- أخيرا هل أنت متفائل بمستقبل المنطقة العربية؟
  أنا بطبعي متفائل، لكن أعتقد أن الكرة الآن بالمنطقة العربية وحان الوقت لإعادة إنعاش الموقف العربي ووحدة صفه، خاصة في الجامعة العربية وللدفاع على القضية الفلسطينية والصحراوية، وحتى نخرج من أزمات الحروب ووباء الكورونا ونخدم بالفعل شعوبنا حتى نزدهر، مستفيدين من طاقاتنا لنعيش في أمان وسعادة كغيرنا من الشعوب المتقدمة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024