كثر الحديث عن الخطر القادم من الجنوب.. تهديد لم نكن متعودين عليه سابقا، ولكنه بات حديث الساعة، وباتت تعتبر من أفقر الدول في القارة السمراء والعالم تتصدر العناوين في أحيان متعددة.. لقد صارت أهمية منطقة الساحل، خاصة من الجانب الأمني، بارزة للعيان، ولمّا كان الاستراتيجيون والمختصون يرون ما لا يراه المواطن العادي، فإنهم ركزوا على هذه المنطقة وخططوا لذلك من قبل، وهكذا ولدت «أفريكوم»..
قراءة: أسامة إفراح
«قيادة أفريكوم الأمريكية.. حرب باردة أم سباق للتسلح؟» هو عنوان الكتاب الذي أصدره ديوان المطبوعات الجامعية، وألفه عبد القادر رزيق المخادمي.. الكتاب جاء في 200 صفحة من القطع المتوسط، ولعل ما يلفت الانتباه هو الفهرس المقسم على طريقة خطة عمل أكاديمية، إذ نجده يحتوي 5 فصول، وكل فصل ينقسم إلى مباحث، والمبحث إلى مطالب، ما يجعله قريبا إلى استعمال الطلاب الجامعيين ذوي التخصص، ولكنه يبقى في متناول أي قارئ مهتم.
من القرن الإفريقي.. إلى دول الساحل
ومن أجل فهم أحسن للكتاب، نلقي نظرة على تقسيمه في عجالة: إذ ارتاى المؤلف أن يخصص الفصل الأول للتنافس الدولي على إفريقيا، حيث قدم لنا خلفية تاريخية عن هذا التنافس الدولي، وصولا إلى التدخل في القارة من خلال استعمال الدوافع الإنسانية كمبرر، ثم انتقل في فصل ثان إلى ما عرف بـ»مشروع القرن الإفريقي الكبير»، حيث فصّل أهمية منطقة القرن الإفريقي، ثم خصائص المشروع المذكور، والتركيز على السودان كقاعدة انطلاق أمريكية، من خلال مظاهر الاهتمام التي أظهرتها السياسة الأمريكية، ثم من خلال التخطيط الاستراتيجي الأمريكي، ولم يكتف الكاتب بدور بلاد العم سام بل عرّج أيضا على الدور الأوروبي في هذه المنطقة، ليعود ويتحدث عن المواجهة الأمريكية الصومالية التي يعرف الجميع ما انتهت إليه.
وفي فصل ثالث يعطينا المؤلف خلفية تاريخية عن مشروع أفريكوم، من خلال مختلف القيادات العسكرية الأمريكية ثم أبعاد قيام الأفريكوم وأهدافها وردود الفعل على استضافتها. ثم يأتي الفصل الرابع الذي خصصه الكاتب للسودان، أين تحدث عن التحرشات بهذا البلد، وأزمة دارفور وتداعيات انفصال محتمل لهذا الإقليم. وأخيرا يتطرق الكتاب في فصله الخامس إلى تجمع دول الساحل والصحراء، من حيث نشأته وأهدافه وعلاقاته بالتجمعات الدولية، الإقليمية وشبه الإقليمية، ثم تنظيمه وهياكله.
ماذا وراء التحول؟
ركز المؤلف في كتابه على أهمية القارة الإفريقية، وإذا درج الناس على تفسير هذه الأهمية بالموارد الطبيعية التي تزخر بها القارة، من معادن ومواد طاقوية، إلى المحاصيل المختلفة، فإن التفسير الذي يركز عليه صاحب الكتاب هو الجانب الاستراتيجي، وبالأخص دخول قوى جديدة الخارطة الإفريقية بعدما كانت حكرا على القوى الاستعمارية ذات الحضور التاريخي في المنطقة، ونجده يذكر الصين في أكثر من مرة على أنها الوافد الجديد للساحة الاقتصادية الإفريقية الذي يزعج الأمريكان.
ثم يعود الكاتب ويركز مجهوده على الولايات المتحدة الأمريكية، ويلاحظ أن مناطق متفرقة من القارة الإفريقية كانت تابعة لقيادات إقليمية عسكرية مختلفة، إلا أن الأوضاع والمستجدات دفعت الولايات المتحدة إلى إنشاء قيادة عسكرية خاصة بإفريقيا وهي ما بات يعرف بالـ»أفريكوم».
ولكن يبقى هنالك نقاط لم نجد لها مبررا في هذه الدراسة، إذ أن التوجه العام في بداية المؤلف يذهب إلى القرن الإفريقي، ولكنه يتحول في النهاية إلى الجهة المقابلة من القارة وهي دول الساحل، وفي وسط الطرحين نجد منشأ قيادة أفريكوم (التي ما تزال خارج القارة إذ تتخذ من ألمانيا قاعدة لها)، ولكننا لا نجد تفسيرا صريحا لهذا التحول، أم أنه تواصل وليس تحولا؟ وإذا كان التحول نتيجة لفشل المشروع الأمريكي في القرن الإفريقي بعد هزيمة الأمريكان في مستنقع الصومال، فكيف نفسر إذن الوصول إلى تقسيم السودان إلى دولتين؟ أما عن الخطر الإرهابي في منطقة الساحل، فهل هو ذريعة مختلقة من أجل تبرير تواجد أمريكي عسكري في المنطقة، أم أنه حقيقة وواقع ذات علاقة قوية بالمصالح والمطامع الأجنبية؟
ولعل من النقاط الأخرى التي لم نقدر على تفسيرها تركيبة الفصل الخامس الذي جاء شارحا للهيكل التنظيمي لتجمع دول الصحراء، متخذا بذلك مقاربة تحليلية مختلفة تمام الاختلاف عمّا جاء في الفصول السابقة، دون أن نجد ربطا مباشرا وصريحا بين هذا الفصل وقيادة أفريكوم الأمريكية، وفي دراسة مثل هذه لا يمكن الاكتفاء بالربط الضمني.
كلمات لابد منها
إن الكتابة في ميدان العلوم السياسية قسمان: قسم يعنى بالنظريات والمناهج، وهو ما لا يتأثر مباشرة بالظروف الطارئة في المنتظم الدولي، وقسم آخر يدرس الواقع ويحلله ويقدم قراءة شارحة تكون في كثير من الأحيان استشرافية، وهو أمر من الصعوبة بحيث يمكن أن يطرأ على الساحة الدولية من الأحداث ما يجعل هذا النوع من الدراسات مجرد كتابات تأريخية لمرحلة معينة لا أكثر.
ولعل ما نأخذه على هذه الدراسة توجسها من أزمة دارفور وإمكانية انفصال هذا الإقليم وتجزئة السودان، في وقت تم تقسيم السودان فعلا إلى دولتين.
كما أن اعتبار التدخل في إفريقيا إنما كان يتم باتخاذ الذريعة الإنسانية، أمر فيه نوع من المبالغة، فالمبررات الإنسانية لطالما كانت موجودة فعلا، وإذا اختفى وراءها أغراض أخرى فإن هذا لا يعني غياب الأزمة الإنسانية والأمثلة عديدة.
ومن الجانب المنهجي لا نفهم احتواء الدراسة على مقدمة في وقت تغيب فيه الخلاصة أو الخاتمة، كما أن تخصيص ما يقارب نصف الكتاب للملاحق قلل من رونقه وتوازنه.
وتبقى هذه الدراسة مقدمة لمؤلفات عديدة يمكن كتابتها في موضوع يهم المنطقة كافة، والجزائر بصفة خاصة، وينتظر أن يكون مفتوحا على العديد من التطورات والتقلبات والمستجدات.