أعلن الكاتب محمد جعفر عن صدور مجموعته القصصية الجديدة بعنوان «يحدث لأسباب عاطفية» عن دار ديوان المصرية للنشر، في عمل يواصل به مشروعه السردي الذي دأب على بنائه منذ سنوات طويلة. ويأتي هذا الإصدار ليمنح القصة القصيرة مساحة جديدة للتجدد، مؤكدا أنها لا تزال قادرة على فرض حضورها في المشهد الأدبي رغم كل ما يُقال عن انحسارها.
المجموعة التي جاءت في نحو 120 صفحة وضمت سبع عشرة قصة توزعت بين النصوص القصيرة والقصص الأطول نسبيًا، تقدّم للقارئ تجربة متشعبة وغنية بالثيمات. فهي تنطلق من الذات في تقلباتها وتحولاتها، لتستدرج القارئ إلى مساءلة وجوده والتأمل في مصيره داخل مجتمع مأزوم. اشتغل جعفر على موضوعات إنسانية شائكة مثل العسف والقهر، الحرقة الداخلية، هشاشة العلاقات الاجتماعية، عزلة الفرد وسط الجماعة، والصراع الدائم بين الرغبات والواقع. ومن بين العناوين التي حملتها المجموعة نذكر: هديل، الزين، ميثاق إقرار المبادئ، سيرة تعاطف، دوار.. بالإضافة إلى القصة التي حملت اسم المجموعة ذاتها.
ويُحسب للكاتب في هذه المجموعة أنه لم يكتفِ بتكرار تجربته السابقة، بل حاول أن يذهب أبعد في التجريب. فالقارئ هنا لا يواجه قصصًا تُروى بطريقة تقليدية، وإنما نصوصًا تستفزه بأسئلة غير متوقعة، وتفاجئه بمفارقات ذكية تُبقيه في حالة يقظة دائمة. إن البناء الفني في هذه المجموعة يخضع في كل مرة لضرورات الفكرة والتيمة، فلا شكل ثابتًا يطغى على النصوص، بل لكل قصة معمارها الخاص الذي تفرضه المخيلة.
ويأتي هذا الإصدار ليضيف بعدا جديدا إلى مشروع محمد جعفر الإبداعي، بعدما سبق أن أصدر ثلاث مجموعات قصصية هي «طقوس امرأة لا تنام»، «ابتكار الألم» و»بطعم الفانيليا». ومن خلالها رسخ حضوره كأحد الأسماء المراهنة على القصة القصيرة في الجزائر، في وقت انصرف فيه كثير من الكتّاب إلى أجناس أخرى. إن وفاءه لهذا الجنس الأدبي يعكس إيمانه العميق بقدرة القصة على استيعاب التجربة الإنسانية في أقصى تعقيداتها، وبكونها فضاء مفتوحا للتجديد والابتكار.ولا يلجأ جعفر في هذه المجموعة إلى العوالم العجائبية أو إلى ديستوبيا متخيلة، بل يظل قريبًا من الواقع، متكئا على تخييل واقعي يسعى إلى ملامسة ما هو معيش لكن من زوايا غير مألوفة. لغته جاءت متقشفة وشفافة في آن، بعيدة عن التزويق المتكلف أو المبالغة في البلاغة، منسجمة مع طبيعة القصة القصيرة التي تراهن على الكثافة والاختزال. فالنصوص لا تحاول إبهار القارئ بزخرف الكلام بقدر ما تحاول جذبه إلى عمق الفكرة والمعنى.
ويقرّ الكاتب بأن هذه التجربة تستهدف قارئا مختلفا، قارئا قلقا متطلّعا إلى نصوص تخرج عن النمط الجاهز والقوالب المستهلكة. وهو القارئ الذي لم تعد تستهويه الأعمال المسلوقة أو النمطية، بل يبحث عن دهشة فكرية وجمالية، وعن نصوص تُخاطب وعيه وذائقته في آن واحد.