استحضر الشاعر الفلسطيني منير الصعبي أثناء نزوله ضيفًا على فضاء النشاطات الثقافية بشير منتوري، محطات حميمية وثّقت حبه للشعب الجزائري، حيث كانت تلك الأخيرة بمثابة وقفات يستريح فيها عقب قراءته لنصوص من ديوانه “نقوش على رقائق الشوق”. كانت هذه اللّحظات بمثابة استراحة فكرية استوعبها الحضور بكل شغف، خصوصًا حينما تحدّث عن قضايا الوطن، الألم، والحنين التي صبغت أغلب نصوصه.
استهلّ الشّاعر الصعبي اللقاء بالحديث عن الوضع في فلسطين، خاصة غزة، التي ناداها ونادى شعبها الجبار بكل حرقة من خلال نصه المعنون “انشر أشرعتك”. عرج بعدها على أرض فلسطين كلها، ذاكرًا المنازل التي لم يتبقَّ منها إلا أحجار صامدة عصية على الحرب، ولا سيما الأزقة الضيقة المسترسل بين جدرانها الياسمين، إلى جانب مواكب الشهداء الذين ستظل أرواحهم حراسًا للوطن. كما أكّد الصعبي: “إنّ الأرض هي لمن يعشقها ولا تحمها سوى المقاومة”.
ثم انتقل الشاعر إلى الحديث عن ديوانه “نقوش على رقائق الشوق”، مؤكّدًا أن الكتاب يتناول مواضيع متعدّدة، من أبرزها قضايا الوطن والحنين إليه. وقال إنه ليس من المستغرب أن يعشق الفلسطيني وطنه حتى لو لم يره، نظرًا لواقع الشتات الذي يعيشه الشعب الفلسطيني. كما تحدّث عن المخطّطات الخبيثة التي دفعت بعض الشباب العربي للتفكير في الهجرة وترك أوطانهم، في حين أن الفلسطيني لا يزال يحلم بالعودة إلى وطنه، ويشتاق إلى لمس تراب أرضه، حتى في زمن الخراب والدّمار.
أشار الشاعر الصعبي إلى ارتباط فلسطين بكوكبة من المثقّفين والفنانين الذين خلّدوا اسمها في الأدب والفن، مثل محمود درويش، سميح القاسم، فدوى طوقان، إبراهيم طوقان، ناجي العلي، وغسان كنفاني. هؤلاء الكتاب والفنانون كانوا رموزًا للثقافة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال، وسجّلوا بفنهم تاريخ الشعب الفلسطيني بكل ما فيه من آلام وآمال.
في سياق متصل، تحدّث الصعبي عن بغداد، مسقط رأسه التي نشأ فيها، واصفًا إياها بأنها “أمّ الشعراء”. كما تدخّلت الشاعرة فوزية لارادي خلال اللقاء، وقدمت تمثالًا للمتنبي يشبه التمثال المنتصب في العاصمة العراقية بغداد.
وأشار الصعبي إلى أنّ البلدان ذات التاريخ والحضارة تتعرّض دائمًا لمخططات هدم بغية إطفاء نورها، مثلما حدث مع بغداد بعد الغزو، وكذلك مع مهرجان الشعر العربي في بغداد، الذي كان من أبرز الملتقيات الثقافية في العالم العربي قبل توقّفه بعد الغزو.
كما تطرّق الشاعر الصعبي إلى بداياته الشعرية، موضّحًا أنه بدأ كتابة الشعر عام 1982، إبان الاجتياح الصهيوني للبنان، حين كانت المنطقة تعيش لحظات من العنف والدمار. وقد ساهمت تلك الظّروف في نضوج موهبته الشعرية، حيث أخذت قصائده تتبلور وتصبح أكثر عمقًا وصدقًا. وأشار إلى تأثّره الكبير بشعر مفدي زكريا، الشاعر الجزائري الذي خلّد في أشعاره نضال الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي، لافتًا إلى أنّ الإبداع لا يكون حقيقيًا إلا إذا كان مرتبطًا بالنضال من أجل الحرية.
كما تحدّث الصعبي عن مشاعره تجاه الشعب الجزائري، الذي وجد فيه مثالًا يحتذى به في الصّمود والإصرار على تحقيق الحرية، مشيرا إلى أنّ الجزائر كانت دائمًا مصدر إلهام للشّعراء الفلسطينيّين، وأنّ مواقف الشعب الجزائري لا تُنسى، خصوصًا في دعم نضال الشّعب الفلسطيني.
قــصائـد تمـس الـوجـدان
أثناء اللّقاء، قرأ الشّاعر الصعبي عدة مقاطع من ديوانه “نقوش على رقائق الشوق”، حيث كانت أبرز القصائد التي قرأها هي “هو القدر” و«لحظة”. في قصيدته “هو القدر”، يتحدّث عن الإرث الفلسطيني الذي يظل حيًّا في ذاكرة الأجيال. يخاطب الطّفل والده في هذه القصيدة، ليسأله: “ماذا تركت لي؟”، ليجيب الأب بأنّ أغلى ما تركه له هو فلسطين، بشواطئها، وهويّتها، وأغانيها الشّعبية التي تروي تاريخ الشعب الفلسطيني.
ثم قرأ أيضًا قصيدته “لحظة” التي تلتقط لحظات صغيرة لكنها مليئة بالعاطفة، حيث تحدّث فيها عن لقاءات الفلسطينيّين مع وطنهم، وعن مشاعر الشوق والحنين التي لا تفارقهم. أكد في هذه القصيدة أن فلسطين، رغم كل ما مرت به من محن، لا تزال حيّة في قلوب أبنائها.
الشّاعر الفلسطيني منير الصعبي، وُلد في بغداد بعد نكبة 1948، حيث هاجرت عائلته إليها إثر تهجير الفلسطينيين من وطنهم. تخصّص في علم البيولوجيا، إلاّ أنّه وجد نفسه في عالم الكتابة والشعر، ليجمع ما كتبه في ديوانه الأول “نقوش على رقائق الشوق”، الذي يعد بمثابة شهادة شعرية على معاناة الشعب الفلسطيني وتعلّقهم بوطنهم، الذي لا يزال يحمل في طيّاته أمل العودة رغم كل الصعاب.