لميس سـعيدي تقدّم ترجمتها لرواية يمينة مشاكرة

”أريّــس”.. رحلـة معانـاة بــأبعـاد فـلــسفـيـة

فاطمة الوحش

في عالم الأدب، لا تقتصر الترجمة على نقل الكلمات من لغة إلى أخرى فحسب، فهي جسر ثقافي يربط بين عوالم فكرية وعاطفية مختلفة. وفي هذا السياق، تأتي تجربة المترجمة والشاعرة لميس سعيدي في ترجمة رواية “أريّس” للكاتبة الراحلة يمينة مشاكرة، لتسجّل واحدًا من أهم المحطات الأدبية في مسار الترجمة الجزائرية. تلك التجربة التي تجاوزت حدود الترجمة التقليدية، لتصبح بمثابة استكشاف عميق لأبعاد العمل الأدبي الفلسفية والرمزية.

في ندوة نظّمتها مؤسّسة “إيمير سينارجي” بساحة “الأمير عبد القادر”، قالت لميس سعيدي إنّها واجهت تحدّيات كبيرة أثناء ترجمة رواية “أريّس”، مشيرة إلى أنّ العمل يمثل تجربة إبداعية استثنائية على عدّة أصعدة. وأكّدت أنّ “أريّس” تظلّ واحدة من أهم الأعمال الأدبية التي تتناول قضايا الهوية والذاكرة والجذور بطريقة شاعرية وعميقة. وأوضحت أنّ الرواية تحتوي على العديد من الرموز والأحاسيس العميقة، حيث تتداخل الأبعاد الإنسانية مع الفلسفية لتخلق نصًا لا يسهل نقله إلى لغة أخرى. وأشارت إلى أنّ الترجمة كانت عملية معقّدة، ليس فقط بسبب اللغة، بل لأنّ النص يحتوي على إيقاع خاصّ وأسلوب سردي يحمل الكثير من الطبقات الرمزية.

مـــن المعانـاة إلى الـبـحث عن الـهويـة

تدور أحداث رواية “أريّس” حول امرأة جزائرية أمية من منطقة نائية، تجد نفسها في مواجهة مأساة مرض ابنها الصغير “أريّس” الذي يصاب بالسرطان. وفي هذا السياق، قالت سعيدي إنّ الرواية تكشف عن معاناة إنسانية معقّدة تعكس واقعًا اجتماعيًا قاسيًا. وأضافت أنّ هذه القصة البسيطة على السطح تحمل في طيّاتها العديد من الأسئلة الوجودية العميقة، وتظهر الصراع الداخلي الذي يعانيه الشخصيات في سعيهم لإيجاد هويتهم. وأشارت إلى أنّ الرواية تطرح أيضًا مسألة فقدان الجذور وكيف يمكن لهذا الشعور بالفراغ أن يؤثر على الإنسان بشكل عميق.
وذكرت المترجمة لميس، أنّ “أريّس” لا يكتفي بكونه نصًا يتناول أحداثًا درامية فحسب، بل يحمل بُعدًا فلسفيًا يعكس تساؤلات عن الحياة والوجود. قالت إنّه من خلال البحث عن هويته، يسعى “أريّس” إلى فهم علاقته بعالمه وأصوله، ممّا يعكس الصراع الأزلي بين الجذور والإنسان المعاصر.
كما أشارت إلى أنّ الرواية تتناول العديد من القضايا الاجتماعية والثقافية من خلال الرمزية. قالت إنّ أحد الأبعاد المهمّة في “أريّس” هو معالجة مسألة الطب والسلطة الاجتماعية، حيث يظهر الطبيب في الرواية بمثابة رمز للطبقة المثقفة المتعالية على الطبقات الشعبية. وأضافت أنّ الرواية تبرز التفاوت الطبقي في المجتمع الجزائري، كما تطرح تساؤلات حول النظرة المتعالية للمثقفين تجاه الناس البسطاء.
وتطرّقت المتحدّثة، إلى تناول الرواية لقضية الاغتصاب من خلال شخصية “أريّس”، التي تتعرّض للاعتداء في طفولته. قالت إنّ هذا الحادث يمثل رمزية لاغتصاب الهوية، حيث أنّ “أريّس” يعاني من ضياع داخلي لا يستطيع تفسيره. وأوضحت أنّ مشاكرة قدّمت هذا الموضوع بحساسية عالية، حيث أظهرت التأثير النفسي العميق لهذا الحدث على الطفل، وكيف أنّه كان يعتقد في البداية أنّ ما تعرّض له هو نوع من التعاطف وليس اعتداء.
أما البحر، فقد أكّدت سعيدي أنّه يمثل عنصرًا هامًا في تشكيل هوية الشخصيات. وقالت إنّ البحر في الرواية ليس مجرد خلفية جغرافية، بل هو رمز للاتصال بالعالم الأوسع، ويعكس تفاعل الشخصيات مع الثقافات الأخرى. وأضافت أنّ البحر في هذا السياق يمثل رابطًا بين الهوية الجزائرية ومحيطها الثقافي والتاريخي.

استـكشاف ثــقـافي

وفي حديثها عن الترجمة الأدبية ذكرت لميس، أنّه ليس كلّ نصّ قادر على أن يُترجم بنجاح، خاصّة إذا كان النص يحمل خصوصية ثقافية محلية عالية. وأشارت إلى أنّ الترجمة ليست مجرد نقل كلمات من لغة إلى أخرى، بل هي عملية تفاعل مع النص على مستوى أعمق. وأضافت أنّ الترجمة تمنح المترجم فرصة لاكتشاف النص بشكل جديد، والتساؤل حول مدى قدرة العمل الأدبي على العيش في لغة مختلفة. وأكّدت أنّ الترجمة تتطلّب من المترجم أن يغوص في عمق النص ويحاول نقل روح العمل إلى اللغة الجديدة، وهو ما جعل ترجمة “أريّس” بالنسبة لها تجربة غنية رغم الصعوبات.
وقالت سعيدي، أنّ ترجمة “أريّس” لم تكن مجرّد إعادة صياغة كلمات، بل كانت جسرًا ثقافيًا يربط بين الأدب الجزائري والعربي. قالت إنّ الترجمة تمنح الأدب الجزائري فرصة للظهور في العالم العربي بشكل أكثر وضوحًا، مؤكّدة أنّ الترجمة هي عملية من “الاستكشاف الثقافي” و«التفاعل مع النص”. وأضافت أنّ ترجمتها لهذا العمل هي خطوة نحو تقديم الأدب الجزائري للقراء العرب بطريقة أعمق وأكثر تفهّمًا.
للتذكير فإنّ لميس سعيدي هي مهندسة كمبيوتر وتعمل في مجال تخصّصها، وبالإضافة إلى اللغة العربية تُجيد الفرنسية والإنجليزية والإسبانية. تُرجمت نصوصها إلى الفرنسية، والإنجليزية، والإيطالية، والهولندية، والكرواتية، والإسبانية، واليونانية، والسلوفينية، والمقدونية والكتالونية.
نشّطت خلال سنة 2012 و2013 فضاء “صدى الأقلام” الثقافي، بالمسرح الوطني الجزائري. أشرفت ونشّطت خلال سنة 2016 فضاء “موعد مع الشِّعر” الثقافي، بالمكتبة الوطنية الجزائرية، ترجمتْ نصوصا للشعراء والكُتاب: آنّا غريكي، جان سيناك، رابح بلعمري، محمد بوديا، يمينة مشاكرة، يوسف سبتي، إيمانويل روبلس، هنري ميشو، إيميلي ديكنسون، بيير باولو بازوليني، ماريو بينيديتي، إيديا بيلارينيو، خوليو كورتاثار، روبرتو خواروث، خوسيه إيميليو پاتشيكو، ونيكانور پارا، ولها مجموعة من الإصدارات المهمّة في الشعر والترجمة والسيّر عن دور نشر مهمّة في الجزائر وخارجها.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19678

العدد 19678

الإثنين 20 جانفي 2025
العدد 19677

العدد 19677

الأحد 19 جانفي 2025
العدد 19676

العدد 19676

السبت 18 جانفي 2025
العدد 19675

العدد 19675

الخميس 16 جانفي 2025