في أمسية غنائية مميّزة بدار الثقافة محمد بوضياف ببرج بوعريريج، عاش الجمهور لحظات استثنائية مع الفنان الكبير عبد القادر شاعو، الذي أمتع الحاضرين بباقة مختارة من أجمل أعماله، التي تُعدّ جزءًا من التراث الشعبي الجزائري العريق. وجاءت هذه الأمسية في إطار اختتام فعّاليات برنامج دار الثقافة للاحتفال بالسنة الأمازيغية، في أجواء احتفالية جمعت بين الفن والثقافة والتاريخ.
استطاع الفنان عبد القادر شاعو أن ينقل الجمهور البرايجي إلى عالم مليء بالقصائد والمقامات الشعبية الأصيلة، التي تنبض بروح الجزائر وتاريخها العريق. برع الفنان في تقديم أشهر أغانيه، مثل “قهوة ولا تاي”، وغيرها من الأغاني التي ردّدها الجمهور بحماس، ممّا أضفى على الأمسية طابعًا حميميًا يعكس عمق العلاقة بين الفنان وجمهوره.
تناغمت أنغام الكمان مع صوته العذب لتخلق أجواءً موسيقية آسرة، حيث أثبت عبد القادر شاعو مرة أخرى قدرته على المزج بين الأصالة والإبداع. كانت الأمسية بمثابة رحلة موسيقية استعرض خلالها الفنان محطات من مسيرته الفنية الممتدّة لعقود، مقدّماً أغاني تحمل في طيّاتها عبق الماضي وألق الحاضر.
تميّزت الأمسية بحضور جمهور متنوّع يضمّ عشّاق الفن الشعبي وأهل المسرح والأدب والثقافة، الذين جاؤوا للاستمتاع بهذا الحدث الفني الاستثنائي. لم تقتصر الأجواء على الاستماع فحسب، بل تعدّتها إلى تفاعل حيّ، حيث ردّد الجمهور كلمات الأغاني وصفّق بحرارة مع كلّ مقطع موسيقي.
هذا التفاعل المميّز يعكس عمق ارتباط الجمهور البرايجي بفن الأغنية الشعبية، وهو ما أكّده عبد القادر شاعو خلال كلمته في ختام الأمسية، حيث عبّر عن إعجابه الكبير بالجمهور الذي وصفه بـ«الذوّاق للفن الأصيل”. كما أشاد بالقاعة التي احتضنت الحفل، واعتبر المناسبة فرصة ثمينة للتواصل مع محبّيه بعد غياب طويل.
تكريم مسيرة فنية ممتدّة
الفنان المسرحي ومقدّم الأمسية، عقبة بوعافية، أثنى على الأداء المبهر للفنان عبد القادر شاعو، واعتبره رمزًا من رموز التراث الفني الجزائري. وقال في تصريح لـ«الشعب”: “عبد القادر شاعو ليس مجرّد فنان، بل هو أيقونة تعكس روح الجزائر وتراثها العريق. لقد استطاع أن يأخذنا في رحلة استمرّت أكثر من ساعتين عبر أغانيه التي تحمل عبق الماضي وتجدّد في قلوبنا الحب للفن الشعبي”.
وأضاف بوعافية أنّ هذه الأمسية كانت بمثابة تكريم لمسيرة فنية استثنائية امتدّت لأكثر من نصف قرن، كان خلالها عبد القادر شاعو سفيرًا للأغنية الشعبية وفن القصيد، سواء داخل الجزائر أو خارجها.
الأغنية الشعبية في قلب الهوية الجزائرية
عبد القادر شاعو ليس مجرّد فنان يغني الأغنية الشعبية، بل هو أحد أعمدتها، حيث تمكّن من الحفاظ على أصالتها ونقلها إلى الأجيال الجديدة. منذ انطلاقته الفنية قبل الاستقلال، ظلّ شاعو مخلصًا لهذا النمط الغنائي، محافظًا على جوهره رغم كلّ التغيّرات التي شهدها الفن والموسيقى عبر العقود.
بأدائه المتقن وكلماته العميقة وألحانه العذبة، يُعتبر عبد القادر شاعو نموذجًا للفنان الذي يدمج بين الحفاظ على التراث والابتكار، ممّا ساهم في تعزيز مكانة الأغنية الشعبية كجزء لا يتجزّأ من الهوية الثقافية الجزائرية.
اختيار عبد القادر شاعو لإحياء هذه الأمسية لم يكن محض صدفة، بل جاء كجزء من الجهود الرامية إلى تسليط الضوء على رموز الفن الشعبي ضمن احتفالات السنة الأمازيغية. وقد أضفى الحفل بعدًا ثقافيًا وفنيًا خاصًا على هذه الاحتفالات، مؤكّدًا على أنّ الأغنية الشعبية ليست مجرّد فن، بل هي جسر يربط الماضي بالحاضر، ويعبّر عن هوية الجزائريين وارتباطهم بجذورهم.
اختُتمت الأمسية وسط تصفيق حارّ من الجمهور الذي وقف احترامًا للفنان الكبير. لم تكن مجرّد أمسية غنائية، بل كانت احتفالية بالتراث الشعبي، وفرصة لتأكيد أنّ الفن الأصيل لا يزال قادرًا على جمع الناس بمختلف أعمارهم وخلفياتهم حول قيم الجمال والتاريخ والثقافة.