تتميّز الثّقافة الأمازيغية الجزائرية بالعراقة، والتنوّع الفسيفسائي، والثّراء التّراثي الأصيل الذي تمتد جذوره إلى آلاف السنين من البذل الحضاري في مجالات العمران، والفنون الأدبية والفولكلورية، والحُلي التقليدية، والأثاث اليدوي المنزلي والفلاحي المصنّعين بمواد طبيعية وصحية بحتة، فضلاً عن العادات الاجتماعية والمحلية الضاربة عمقها في أطناب التاريخ، المتوارثة من جيل إلى جيل، ولم تنغص استدامتها دخائل الحداثة والعولمة الرقمية.
الهويّة الأمازيغية الجزائرية غنية جداً بالتراث المادي واللامادي المرتبط بحياة الإنسان وأرضه ومحيطه الاجتماعي، وتفاعلاته الحضارية من خلال اللغة والتواصل، والمواقع الجبلية والسهلية والصحراوية، التي ميّزت خصوصية هذه الثقافة العريقة بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والفنية الزاخرة بالألوان والرموز والرسومات والزخارف الأخّاذة للعواطف والعقول البشرية.
وبما أنّه تُراث ثمين تزخر به الجزائر، أقرّت السّلطات العمومية، قبل سنوات، رأس السنة الأمازيغية “يناير”، الذي يحتفل به يوم 12 جانفي من كل عام، كعيد رسمي وعطلة مدفوعة الأجر، تيمّناً بما يمثله من خير وبذر وعطاء وتنوع وتضامن ولحمة وتكافل ووحدة ولمّ شمل، في خطوة عكست مدى الاهتمام بالثقافة الأمازيغية.
ويحتفل الجزائريون هذا العام، كعادتهم، بحلول السنة الأمازيغية الجديدة 2975/2025، كما جرى عليه الحال في سنوات مضت، وذلك بإحياء فعالياتها الثقافية والتراثية العتيقة مثلما كانت سحنتها ومشاهدها الأولى في قرون خلت، بنفس الأشكال والألوان والأزياء والأهازيج الغنائية الملحمية، ممّا يترجم حُظوة “يناير” في الوجدان الجزائري، والحفاظ على المكسب الموروث بنفس الصورة النمطية الإنسانية رغم طغيان تكنولوجيا وسائط التواصل الاجتماعي في حاضرنا.
وقد تراءت لنا خلال إحياء هذه المناسبة في عامها الجديد كثافة في أنشطة الفرق النسوية الفنية المختصّة في الغناء الأمازيغي الشعبي في عدد من ولايات الوطن، على غرار تيزي وزو وبجاية والبويرة وبومرداس وتميميون، حيث صدحت حناجر العجائز والفتيات الموشّحات بأبهى الألوان والأزياء الزهرية الزاهية بألحان وكلمات ترطب الآذان وتستريح لها الأسماع وتهفو نحوها القلوب والأفئدة، معبّرة عن حياة المجتمع والخير والوحدة وكل ما هو جميل تطوق له الأنفس.
وللحفاظ على هذا الموروث الثقافي الأصيل، يتعيّن دعمه عن طريق تشجيع وتمويل أنشطة الجمعيات الفنية الأمازيغية النسوية، لكي نضمن حماية قدر كبير من إرثه المحلي بنوعيه المادي والمعنوي، ومواصلة تداوله بين الأجيال المتعاقبة، وصون أغانيه بطابعها الأصلي من دون متغيرات حداثية موسيقية، حتى يبقى تراثاً تليداً على مدار الأزمنة، وجاذباً ومستقطباً لكل فئات المجتمع الجزائري والسياح الأجانب.
علاوة على ذلك، فإن تعزيز العناية بالموروث الحضاري من خلال تكثيف تنظيم التظاهرات والنشاطات الثقافية بشكل مستدام وهادف في كل ولايات الوطن الثماني والخمسين، وتعريف الشباب والأطفال بمختلف كنوزه وألوانه البديعة، وفتح مسارات سياحية ظرفية خاصة به في مناسبة حلول رأس السنة الأمازيغية ببعض المدن والقرى المنتقاة رسمياً لذات الغرض، من شأنه أن يمنحه زخماً اجتماعياً متعاظماً، ويُعطيه بُعداً احتفائياً سياحياً جديداً أكثر استقطاباً بسياقين وطني وعالمي.