من خلال عروضها المليئـة بالحركـة والخيـال

سيمـــا..حكايـة فـنّانـة تنشــر الـفـرح

فاطمة الوحش

أسماء مروشي، الشهيرة بلقب “سيما”، أصبحت واحدة من الأسماء اللامعة في عالم الفن الموجّه للأطفال في الجزائر، وذلك بفضل موهبتها الفذّة وحبها الكبير لهذا الفن المميّز. منذ أن خطت أولى خطواتها في هذا المجال، أثبتت “سيما” أنّها ليست مجرّد مهرجة عادية، بل فنانة تحمل في قلبها رسالة فنية نبيلة تهدف إلى غرس القيم الإنسانية الجميلة في نفوس الأطفال، وجعل عالمهم أكثر بهجة وسحرًا. من خلال عروضها المليئة بالحركة والخيال، استطاعت أن تخلق عالماً مميّزاً يقترب من الأطفال ويجذب انتباههم بكلّ ما تحمله عروضها من إبداع وحيوية.

أسلوب “سيما” في تقديم عروضها لا يشبه أسلوب أيّ مهرج آخر. فهي لا تلتزم بنمط معين أو قالب تقليدي، بل تتنقل بحريّة ومرونة عبر خشبة المسرح كما لو كانت طائرًا صغيرًا يحلّق بلا قيود. كلّ حركة تقوم بها، وكلّ كلمة تنطقها، تنبع من داخلها بكلّ عفوية، ممّا يعكس روح الطفل التي لا تعرف الحدود. هذه العفوية في الأداء هي ما جعلتها تكتسب مكانتها الخاصّة في قلوب الأطفال، حيث يتفاعلون معها بشكل طبيعي، يصفّقون ويغنّون ويردّدون كلّ ما تقدّمه، لتصبح جزءًا لا يتجزأ من عالمهم الطفولي الذي يتسع دائمًا للمرح والبهجة.
نشأت “سيما” في شعبة العامر بولاية بومرداس، حيث بدأت قصتها مع الفن منذ سنوات طفولتها. كانت شغوفة بكلّ ما يتعلّق بالفن، وكان الفن المسرحي والفكاهة يجذبانها بشكل خاصّ. ومع مرور الوقت، اكتشفت حبها العميق للأطفال، فقررت أن تتخصّص في هذا المجال الذي يجمع بين المرح والتربية. بدأت تجربتها الفنية الأولى من خلال التنشيط في المخيّمات الصيفية، ثم بدأت تنمّي موهبتها بشكل أكبر بعدما قررت دراسة اللغة الأمازيغية في جامعة “مولود معمري” بتيزي وزو. وقد أسهمت دراستها في تنمية شخصيتها الفنية، حيث أصبح بإمكانها دمج الثقافة المحلية مع الفن الطفولي بطريقة مبتكرة.
لم يقتصر إبداع “سيما” على المسرح فقط، بل استطاعت أن تتوسّع في عملها الفني ليشمل مختلف الأنشطة التي تخاطب الأطفال في المدارس والاحتفالات الخاصّة مثل أعياد الميلاد والمناسبات الترفيهية. وعلاوة على عملها كمهرّجة، تعمل “سيما” أيضًا كمعلمة للّغة الأمازيغية في متوسّطة “سي رشيد” بولاية بومرداس، ممّا يسمح لها بالتواصل المباشر مع الأطفال والتعرّف على اهتماماتهم ومشاكلهم. هذه الخبرات الحياتية تساهم في إثراء عروضها الفنية، حيث يمكنها أن تستوحي أفكارا جديدة من واقع حياة الأطفال، ممّا يجعل عروضها أكثر تأثيرًا وأقرب إلى قلوبهم.
رغم النجاح الكبير الذي حقّقته “سيما” في مجال فن المهرّج، إلا أنّ هذا المجال لم يخلُ من بعض التحدّيات التي لم تغفل عنها. فهي تعبّر دائمًا عن أسفها لما تشهده الساحة الفنية من تدهور نتيجة دخول أشخاص لا علاقة لهم بالفن أو بالأطفال إلى هذا المجال، حيث يقدّمون عروضًا فارغة من أيّ محتوى تربوي أو هادف. تقول “سيما” إنّ هناك العديد من المهرّجين الذين يقتصرون على تقديم الأغاني غير اللائقة والكلمات الساقطة والموسيقى الصاخبة، ممّا يؤثر سلبًا على ذوق الأطفال وقدراتهم العقلية. وتؤكّد أنّ هذا النوع من العروض لا يحمل أيّ قيمة تربوية بل يسهم في تشويش عقول الأطفال.
وتدعو “سيما” إلى ضرورة وجود معاهد أو أقسام متخصّصة لتأطير هذا الفن الطفولي بشكل علمي وفني، بحيث يتمّ الحفاظ على قيمه التربوية والفنية بعيدًا عن محاولات التسليع التي تضرّ به. كما تأمل أن يتمّ تطوير هذا الفن ليصبح أكثر احترافية، بحيث يتمكّن كلّ فنان من تقديم عروض هادفة ومتوازنة، تتماشى مع تطلّعات الأطفال وتلبي احتياجاتهم النفسية والفكرية.
اليوم، تظلّ “سيما” واحدة من أبرز الوجوه التي تضيء عالم الأطفال، ليس فقط من خلال عروضها الترفيهية، بل من خلال رسالتها الفنية التي تهدف إلى تحسين جودة الفنون المقدّمة للأطفال. تميّزت “سيما” عن غيرها في العديد من الجوانب، سواء في أدائها الفني أو في اختيارها للأزياء التي تزيد من جاذبية عروضها، أو حتى في طريقة تفاعلها مع جمهورها الذي أصبح متعطّشًا لرؤية عروضها في كلّ مناسبة. إنّها فنانة تسعى إلى ترك أثر إيجابي في حياة الأطفال من خلال فنها، كما أنّها تظلّ دائمًا مصدر إلهام للكثير من الفنانين الشباب الذين يسعون لتقديم فن طفولي حقيقي بعيد عن الزيف والتكرار.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19673

العدد 19673

الثلاثاء 14 جانفي 2025
العدد 19672

العدد 19672

الإثنين 13 جانفي 2025
العدد 19671

العدد 19671

الأحد 12 جانفي 2025
العدد 19670

العدد 19670

السبت 11 جانفي 2025