بدأت مظاهر الاحتفال برأس السنة الامازيغية “ثابورث أوسقاس” أو “يناير”، الاسم المشهور لهذه التظاهرة “الثقافية، التاريخية، الاجتماعية والفنية”، التي تختزل الهوية والرمزية الوطنية التي تعتبر القاسم المشترك بين كل الجزائريين، تبدو للعيان أياما قليلة فقط قبل حلول تاريخ الاحتفال بـ “يناير” المصادف لـ 12 جانفي من كل سنة.
يعتبر الاحتفال برأس السنة الامازيغية مرجعا للهوية وعنصرا للتراث الشعبي الذي تناقلته الأجيال على مر الأزمنة، والذي تعود مظاهره الى الواجهة من خلال الطقوس الاحتفالية في القرى والمداشر المختلفة بمنطقة القبائل، ومختلف ولايات الوطن رغم اختلاف الألسنة والعادات والتقاليد، إلا أن أصل الاحتفالية واحد ويجمع الجزائريون في وطن واحد بحجم قارة، ورأس السنة الامازيغية “يناير” يعزّز ويصنع اللحمة الوطنية.
منطقة القبائل تستعد لإحياء “يناير”
منطقة القبائل التي ارتبط اسمها لعقود من الزّمن باحتفالية “ثابورث أوسقاس” أو “يناير” تشهد هذه الأيام الاستعدادات والتحضيرات لإحياء مراسيم هذه الاحتفالية، التي تزخر بعدة طقوس وعادات وتقاليد ارتبطت بها، وتتفنّن النسوة في تجسيدها على أرض الواقع في أجواء تملؤها الفرحة والبهجة، وتفسح المجال لإبراز الموروث الثقافي والفني الداخلي، والذي حول القرى والمداشر الى فسيفساء للجمال ووجهات سياحية بامتياز، ناهيك عن استقبال وفود من الزوار والسياح من مختلف ولايات الوطن، وهذا ما يخلق التبادل الثقافي بين الولايات ويعزز من البعد التاريخي والثقافي، الهوية والذاكرة الشعبية المشتركة بين الجزائريين، مع ضرورة المحافظة على التقاليد وتعليمها للأجيال الصاعدة، وما يعزّز تناقل الموروث وحمايته من الاندثار ودخوله في خانة النسيان.
الاحتفال بيناير هو ارتباط وثيق بالماضي، الذي يسافر اليه سكان قرى منطقة القبائل عن طريق الحنين الى كل ما يرتبط بعادات وتقاليد الأجداد والجدات التي توارثوها، ويعتبر إحياء طقوس يناير تأكيد على التمسك بكل ما هو موروث ثقافي وفني، وحمايته من الاندثار.
” إيحسناون” قريـة التّـراث والثّقافة تحتفـي بـ “ينايــــر”
في جولة بقرية “إيحسناون” التابعة لبلدية مسطراش، والتي توّجت بجائزة أنظف وأفضل قرية بولاية تيزي وزو، برزت استعدادات مميزة لإحياء احتفالات رأس السنة الأمازيغية “يناير”. تميزت هذه السنة بإضفاء طابع فني وثقافي على الاحتفالية، حيث تجاوزت التقاليد المقتصرة على تحضير “عشاء يناير” في المنازل.
قرّرت نساء القرية إحياء العادات والتقاليد الثقافية والفنية التي غابت لسنوات، خاصة بعد أن أصبحت القرية وجهة سياحية يقصدها الزوار من داخل وخارج الوطن. وأكّدت نبيلة جباري، إحدى المشاركات في إعداد برنامج الاحتفال، أن الهدف هو تقديم “يناير” بطعم عادات وتقاليد منطقة القبائل الأصيلة، ليكون الحدث بمثابة نافذة تُبرز التراث والهوية الوطنية.
وعلى مدار يومي 11 و12 يناير، ستُحوّل قرية “إيحسناون” إلى متحف على الهواء الطلق، حيث تزيّنت أزقتها الضيقة بروح الماضي، معروضة بأجمل التحف والإبداعات التقليدية التي أبدعت النسوة في صناعتها. وستشهد المعارض التقليدية عرض اللباس القبائلي، الحُلي، الفخار، والأطباق التقليدية المتنوعة، مستعيدةً تفاصيل الحياة الثقافية التي توارثتها الأجيال. كما تمّ استخراج موروث ثقافي دفين بين جدران البيوت القديمة، ليعرض كشاهدة حية على الجذور الثقافية العميقة والهوية الوطنية.
وتشمل الاحتفالات أيضا عروضًا تقارن بين اللباس التقليدي القبائلي عبر الزمن، مع إعادة إحياء طقوس الأعراس القديمة التي كانت تتم وفق عادات أصيلة مثل زفاف العروس على ظهر الحصان أو مشيًا على الأقدام وهي تحمل جهازها إلى منزل زوجها. وسيتم تقديم هذه الطقوس بعروض واقعية تحاكي الحياة القديمة، ما يمنح الزوار فرصة استثنائية لمعايشة تلك اللحظات التي كانت في السابق تُروى فقط عبر قصص الجدات. كما ستقام مسابقة بين نساء القرية لتحضير أفضل طبق تقليدي وفق وصفات الجدات، ما يُعيد إحياء تقاليد الطهي القبائلي ويعكس الهوية المميزة للمنطقة.
وتتميز احتفالات رأس السنة الأمازيغية “يناير” بالطابع الفني الذي يضفي على المناسبة أجواءً مميزة، خاصة مع عودة الفرق النسوية التي تقدم أجمل الوصلات الغنائية الشعبية المميزة لمنطقة القبائل. هذه الفرق تُبدع في أداء أغانيها الشعبية باستخدام الدف، ممّا يضفي نكهة أصيلة على الاحتفالات.
كانت هذه الأغاني في الماضي وسيلة للتعبير عن المعاناة اليومية، الانشغالات، والأحلام، وهو ما يجعلها حاضرة بقوة في الذاكرة الثقافية للمنطقة. عودة هذه الفرق إلى الساحة ساهمت في إعادة إحياء التراث الفني النسوي الذي يُعدّ جزءًا من الهوية الثقافية للقبائل، ما زاد من جاذبية الاحتفالات المختلفة، وعلى رأسها احتفالية “يناير”.
برنامج متنوّع تحت شعار “يناير يجمعنا”
سطّرت مديرية الثقافة والفنون لولاية تيزي وزو، والمسرح الجهوي “كاتب ياسين”، الى جانب مختلف المديريات ودور الشباب برنامجا ثريا ومتنوّعا، احتفالا برأس السنة الأمازيغية يناير 2975 تحت شعار “ يناير يجمعنا في الجزائر المنتصرة”، ينطلق بتاريخ 7 والى غاية 12 من شهر جانفي الجاري، حيث سيفتح المجال للحرفيين والحركة الجمعوية من مختلف ولايات الوطن لإبراز الأهمية التاريخية، الاجتماعية والثقافية لهذا العيد الوطني من خلال النشاطات والمعارض المتنوعة التي ستشكل فسيفساء تبرز الزخم الثقافي والتراث العريق لمنطقة القبائل خاصة، وتجسد الهوية والذاكرة الشعبية للجزائريين عامة، الى جانب ورشات وندوات حول الأبعاد التاريخية والثقافية والاجتماعية ليناير.
من جهة أخرى، برمجت مديرية الثقافة والفنون بدار الثقافة “مولود معمري” عدة نشاطات، أين سيعرض الحرفيون والحرفيات أروع الابداعات والتحف اليدوية التي جادت بها أناملهم “اللباس التقليدي، الحلي الفضية، الأطباق التقليدية إلى جانب الزرابي والفخار”، وكذا معارض علمية حول يناير وتاريخ الموروث الثقافي الجزائري، وهذا بمشاركة عدة ولايات من الوطن “وهران، الجزائر العاصمة وقسنطينة”، وهذا ما أعطى البعد الوطني لرأس السنة الامازيغية الذي يشترك فيه كل الجزائريين.
مسابقة الغناء الشّعبي النّسوي
تشهد هذه الاحتفالات تنظيم الطبعة الثالثة لمسابقة الغناء الشعبي النسوي “أورار نلخلاث”، التي تقام بدار الثقافة “مولود معمري” من 8 إلى 11 يناير. وستشارك فيها عدة فرق نسوية من قرى ومداشر تيزي وزو، بهدف إعادة إحياء الغناء الشعبي النسوي وحمايته من الاندثار.
المسـرح في قلب الاحتفـال
إضافة إلى الفعاليات الثقافية، سيكون جمهور الفن الرابع “المسرح” على موعد جديد مع فعاليات الطبعة السادسة للمسابقة الوطنية لأحسن عمل مسرحي باللغة الامازيغية، المنظمة من طرف الجمعية الثقافية والتعاونية المسرحية على مستوى المسرح الجهوي كاتب ياسين بتيزي وزو، حيث سيضم عدة فرقة مسرحية من مختلف ولايات الوطن، وهذا لترقية اللغة الامازيغية وإثراء برنامج الاحتفاليات بيناير. نشاطات وتظاهرات ثقافية ستثري برنامج الاحتفاليات بالعيد الوطني “يناير” أو رأس السنة الامازيغية بتيزي وزو، وهذا للحفاظ على البعد الحضاري، التاريخي والثقافي الذي تزخر به بلادنا رغم اختلاف الالسنة والعادات والتقاليد.