يحتضن رواق “عايدة” بدار الضياف (الشراقة) معرضًا جديدًا بعنوان “الرقاع...أو اضطراب الزمن” للفنان التشكيلي سعيد دبلاجي، حيث يكشف عن مجموعة مميّزة من أعماله الفنية التي تنتمي إلى الأسلوب شبه التجريدي. يعتمد دبلاجي في معظم لوحاته على تقنية “التحويل”، التي ترتكز على نقل صورة مقلوبة باستخدام الحرارة، لتتحوّل هذه الصور إلى جزء أساسي من اللوحة.
يضمّ المعرض 40 لوحة متنوّعة في موضوعاتها، تتناول قضايا مختلفة تعكس رؤية الفنان وأسلوبه المميّز. تقول السيدة سعاد طيار، مديرة رواق “عايدة”، إنّ الفنان دبلاجي كان ينوي عرض هذه الأعمال منذ عام 2020، إلا أنّ جائحة كورونا حالت دون ذلك. وبعد تأجيل دام سنوات، قرّر الفنان تنظيم المعرض في نهاية عام 2024 مع إضافة لوحات جديدة. وأوضحت طيار أنّ الفنان استوحى الكثير من أعماله من نصوص أدبية وشعرية، خاصّة كتابات الروائي محمد ديب وأشعار الشاعر محمود درويش، حيث تظهر أعمالهما بشكل واضح في لوحات عدّة، كإدراج نصوص محمد ديب وأشعار درويش على اللوحات باستخدام تقنية التحويل.
وتشير لوحات دبلاجي إلى أنّ الحرية تمثل محورًا أساسيًا في إبداعاته، فلوحة شجرة الزيتون، على سبيل المثال، تستحضر رمزية الحرية التي عبر عنها محمد ديب في مؤلّفاته. أما اللوحات أخرى، فتناولت موضوعات إنسانية، مثل الهجرة غير الشرعية، إضافة إلى أعمال تصوّر البواخر والصيادين، تعبيرًا عن ارتباط الفنان بمحيطه كونه ابن مدينة مستغانم الساحلية.
أما الألوان، فقد استُخدمت بذكاء لتعكس هذه المواضيع؛ فاللون الأخضر يمثل الأرض والحرية، والأزرق يرمز إلى البحر، بينما يعكس اللون الأصفر شمس الجزائر، واستخدم الأحمر والأسود بشكل محدود للتعبير عن الظلامية التي تغشى العالم.
بين التجريد والواقعية تقول طيار، إنّ انتقال الفنان من الواقعية إلى شبه التجريد سمح له بابتكار أعمال تجمع بين الإحساس العميق والجاذبية البصرية، إذ تتيح لوحاته للمشاهد فهمًا مباشرًا وإحساسًا قويًا، ما يجعله يشعر وكأنّه يعيش تفاصيل العمل الفني.
إرث تقنية الرقاع يحمل عنوان المعرض “الرقاع” دلالة رمزية مستوحاة من تقنية قديمة استُخدمت لكتابة النصوص على البرشمان، حيث تُزال الكتابة السابقة مع بقاء آثارها. يرى دبلاجي في هذه التقنية انعكاسًا للحياة البشرية، إذ نحاول تجاوز الصدمات، لكن آثارها تبقى محفورة في أعماقنا، تشكّل جزءًا من ذاكرتنا.
ومن بين اللوحات البارزة في المعرض، بورتريهان للمجاهدتين جميلة بوحيرد ومنى، يركّزان على نظراتهما المصمّمة والثاقبة أثناء مواجهتهما للمصوّر الأجنبي الذي التقط لهما صورًا لإعداد بطاقات الهوية. يُظهر الفنان تأثره الكبير بالأدب والشعر، فاستلهم من أعمال محمد ديب ومحمود درويش، ووظفها بذكاء في لوحاته، ليعكس الانسجام بين الإبداع الأدبي والفني.
إلى جانب عمله كأستاذ بمدرسة الفنون والآداب بمستغانم منذ عام 2016، يتمتّع سعيد دبلاجي بخبرة طويلة في المجال الفني. سبق له التدريس بالمدرسة الوطنية للفنون الجميلة بمستغانم بين عامي 2001 و2015، ويشغل منصب مسؤول على رواق جامعة مستغانم. كما شارك في تنظيم العديد من الطبعات الدولية للفن المعاصر “موست آرت”، وأقام معارض فردية داخل الجزائر وخارجها في دول مثل فرنسا وإسبانيا.
معرض “الرقاع...أو اضطراب الزمن”، الذي يضمّ 40 لوحة، ليس مجرد معرض فني، بل هو رحلة عميقة تجمع بين الفنو