رغم دورها في الاعتراف بالأعمال المتميـّزة والتـّرويج لها

تحفّظ متزايد على مصداقية المـسابـقات الأدبـيـة

أسامة - إ

تلعب الجوائز الأدبية دورًا مهمًا في الاعتراف بالأعمال الأدبية المتميزة والترويج لها، وتعتبر شكلا من أشكال المفاضلة بين المؤلفين، فضلاً عن كونها وسيلة لزيادة ظهورهم ومكانتهم داخل المجتمع الأدبي. ومع ذلك، مثل أي نظام من الجوائز، فإن جوائز الأدب لها جوانب إيجابية وسلبية، وقد يكون لها عواقب غير مقصودة تقوض قيم الأدب ونزاهته، وهي اعتبارات وجب مراعاتها وأخذها في الحسبان.

 لطالما كانت الجوائز الأدبية تقليدًا مشهورًا في عالم الأدب، حيث تسلط الضوء على الأعمال الأدبية الاستثنائية والمؤلفين الموهوبين. ومن الإيجابيات الأكثر وضوحًا للجوائز الأدبية مسألة الاعتراف الذي توفره للمؤلفين، إذ يمكن أن يؤدي الفوز بجائزة مرموقة إلى تعزيز سمعة المؤلف ومصداقيته بشكل كبير، وبالتالي زيادة مبيعات الكتب وفرص تحقيق المزيد من النجاح. كما تعمل هذه الجوائز كوسيلة لتعزيز التميز والإبداع في العالم الأدبي، فتكريم الأعمال التي تظهر جودة وأصالة استثنائية، من شأنه أن يلهم المؤلفين للسعي إلى التميز ودفع حدود الإبداع التقليدية. ومن المعروف أيضا أن الفوز بجائزة مرموقة يؤدي إلى زيادة التغطية الإعلامية والاهتمام النقدي.
فيما تحاول بعض الجوائز التفرد والخروج عن المألوف. مثلا، تستهدف جائزة ماك آرثر الأمريكية فئات معينة من المثقفين بطريقة فريدة، حيث يُمنح الفائز، الذي يشترط ألا يكون غنيا، مبلغاً كبيرًا بهدف تحقيق تغيير جذري في حياته. أما جائزة معرض فانكوفر للكتاب في كندا فتطلب من الروائيين الناشئين كتابة رواية خلال ثلاثة أيام، وعلى مرأى من الجمهور، بهدف جذب عدد أكبر من الزوار وتحفيز الإبداع.

سلبيـات..وعيـوب

 لطالما اعتبرت الجوائز الأدبية بمثابة اعتراف مرموق بموهبة الكاتب ومساهمته في عالم الأدب. بالمقابل، فإن الجوائز الأدبية ليست خالية من العيوب، فهناك أيضًا جوانب سلبية مرتبطة بها، غالبًا ما يتم تجاهلها.
أحد هذه الجوانب الذاتية المتأصلة في الحكم على الأدب، حيث يتم التحكيم من قبل لجنة من الأفراد، الذين قد لا تتوافق أذواقهم وتفضيلاتهم مع أذواق وتفضيلات عامة الناس. نتيجة لذلك، قد يتم تجاهل الأعمال المستحقة أو رفضها لمجرد أنها لا تتوافق مع الأذواق الشخصية للجنة التحكيم.
ومن الانتقادات الأكثر شيوعًا قدرتها على تعزيز هياكل السيطرة والتحيزات الموجودة داخل صناعة الكتاب. وقد تعمل هيئات تحكيم الجوائز، التي تتكون غالبًا من مجموعة مختارة من الحكام بأذواقهم وتفضيلاتهم الخاصة، على إعادة إنتاج أنماط الإقصاء والمحسوبية بشكل غير مقصود، والتي تديم عدم المساواة في النشر. كما أن عملية منح هذه الجوائز ليست شفافة أو موضوعية دائمًا، وقد أثيرت مخاوف بشأن إمكانية انعكاس التحيز والمحسوبية والتأثير السياسي على نتائج المسابقات الأدبية. وهذا الافتقار إلى المساءلة من شأنه أن يقوض مصداقية ونزاهة الجوائز، ويثير تساؤلات حول عدالة وشرعية عملية الاختيار.
ويمكن أن تخلق الهيبة المرتبطة بجوائز أدبية معينة شعورًا بالنخبوية والحصرية داخل المجتمع الأدبي، فالفوز بجائزة كبرى قد يُنظَر إليه في بعض الأحيان باعتباره علامة على الشرعية والجدارة، ممّا يؤدي إلى التركيز على المنافسة والتسلسل الهرمي بدلاً من التعاون والتنوع. وقد يكون لهذا تأثير مخيف على الإبداع والتجريب، حيث قد يشعر المؤلفون بالضغط للامتثال للمعايير المعمول بها من أجل الحصول على التقدير.
وتعزّز حصرية الجوائز الأدبية ديناميكيات القوة والتفاوتات القائمة داخل صناعة النشر، فالجوائز تميل إلى أن يهيمن عليها المؤلفون والناشرون الراسخون الذين لديهم الموارد والاتصالات اللازمة لكسب التقدير، في حين قد يكافح الكتاب الناشئون والأصوات المهمشة من أجل اكتساب الرؤية والوصول إلى الجوائز المرموقة، وهذا من شأنه أن يديم دورة الامتيازات والاستبعاد التي تعيق التنوع والشمول في الأدب.
ومن بين الجوانب السلبية المحتملة الأخرى، تأثير الجوائز على قابلية تسويق الكتب ونجاحها التجاري، ففي حين أن الفوز بجائزة مرموقة يمكن أن يعزز من مكانة المؤلف ومبيعاته، فإن التركيز على التقدير والثناء قد يطغى أحيانًا على القيمة الجوهرية للعمل. وقد يتم تحفيز المؤلفين على ملاحقة الجوائز بدلاً من التركيز على كتابة النصوص التي يتردد صداها مع القراء على مستوى أعمق، مما يؤدي إلى انتشار الأعمال النمطية والمشتقة. كما أن تسويق الجوائز الأدبية من شأنه أن يؤدي إلى التركيز على الربح والقدرة على التسويق على حساب الجدارة الأدبية.
علاوة على ذلك، يمكن للجوائز الأدبية أن تقدّم تعريفًا ضيقًا وإقصائيًا لما يشكل أدبًا “جيدًا”. غالبًا ما يتم الاحتفاء بالأعمال الحائزة على جوائز لابتكارها وتجريبها وتعقيدها الفكري، في حين قد يتم تجاهل الأعمال الأكثر سهولة في الوصول إليها والناجحة تجاريًا أو رفضها لأنها تفتقر إلى الجدارة الأدبية. يمكن ملاحظة ذلك في حالة المؤلف الأمريكي ستيفن كينغ، الذي امتدت أعماله الغزيرة إلى عدة أنواع وبيعت أكثر من 350 مليون نسخة في جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من نجاحه التجاري، نادرًا ما تم الاعتراف بكينغ من قبل الأدباء.

التــّطلّع إلى الأفضل

 في مؤلّفه “جوائز الأدب العالمية”، قام عباس محمود العقاد بمقارنة بين قائمة من عشرة أدباء عالميين حصلوا على جائزة نوبل، وقائمة مشابهة بأدباء عالميين لم ينالوا الجائزة. وقد طرح تساؤلاً حول الأسباب التي تجعل أحدهما يفضل على الآخر رغم تقارب المستوى بينهما، مشيراً إلى أن “المتروكين” كما يسميهم “لا يقلون عن الفائزين في أي من معايير الشهرة والاستحقاق”، بل قد تكون أفضليتهم أكثر وضوحاً.
كما أنّ العقاد قام بتوسيع النقاش بإضافة قائمة ثالثة من الكتاب الذين حصلوا على الجائزة، على الرغم من أنهم “لم يصلوا إلى مرتبة المتروكين، لا من حيث الشهرة الواسعة ولا من حيث الإبداع المتفق عليه”.
واستنتج العقاد أن جوائز الأدب العالمية تعاني من تفاوت في معاييرها لعدة أسباب، منها أنها تخضع لشروط معينة تأخذ بعين الاعتبار الإبداع الفني والقدرة الأدبية، أو بسبب امتداد زمن أعمالها الذي يحدث فيه تغير في الأذواق والمعايير عبر الزمن، بالإضافة إلى تغير أعضاء لجنة التحكيم من جيل إلى آخر. وأشار العقاد أيضاً إلى أسماء أدباء لم يفوزوا بجائزة نوبل واعتبرهم “أكبر من الجائزة”. ومع ذلك، ذكر العقاد أيضاً أن هناك أسباب سياسية تؤثر في اختيارات لجان نوبل.
وبالحديث عن “نوبل”، استعرضت د - هاجر بكاكرية، في كتابها “جوائز نوبل الروائية بين الفن والإيديولوجيا”، أعمال الروائيين الحائزين على هذه الجائزة، وركّزت الباحثة الجزائرية على استعراض النقاشات النقدية والتساؤلات التي نشأت عقب فوز هؤلاء الكتّاب بها، مقدمة تحليلها الشامل لأسباب الاختيارات المتباينة. كما قدمت بكاكرية نماذج زمنية، جغرافية، وثقافية متنوعة تبرز أن الجوائز تمنح إما لأسباب فنية ترتبط بعناصر جمالية خالصة، أو لأسباب إيديولوجية تحمل طابعاً سياسياً، أو لدمج الجوانب الفنية والإيديولوجية معًا.
من جهته، يقارن حسين بافقيه، في كتابه “الجوائز الأدبية، الحدود والأقنعة”، بين الجوائز العربية و«نوبل”، ويقول إنّ الجوائز العربية، بشكل عام، تقترب أكثر من المسابقات الأدبية بدلاً من مفهوم الجائزة المبني على التكريم أو التقدير، حيث يُعلن عن الموضوع المُكرم في الدورة القادمة ويُطلب من الكاتب تقديم نفسه أو ترشيحه عن طريق مؤسسة، وهذه الآلية توحي بأن المؤسسات المانحة ليست لديها مستشارون متخصصون في المجال. على الجانب الآخر، تقوم آليات الجوائز الغربية بتصفية الأعمال لنفس العام واختيار الأفضل.
ويرى بافقيه أنّ الجوائز الأدبية العربية لم تستطع تحقيق ما حققته مثيلاتها في الغرب، فهذه الأخيرة استطاعت أن تجذر الإبداع الأدبي والثقافي والفكري في الواقع، وأن تخلق قاعدة جماهيرية عريضة، وأن تصبح صناعة اقتصادية كبرى ترفد الاقتصاد الوطني، حينما أصبحت إحدى الصناعات الاقتصادية الرائجة والمربحة، وتحول الكتاب بسببها إلى سلعة استهلاكية عبر هذه الوسيلة الإعلانية الذكية وهي الجائزة، التي ابتدعتها العديد من دور النشر الغربية، لترويج سلعها، من خلال وسائل الإعلام المختلفة..بل إن بعضاً من تلك الروايات سرعان ما تجد نفسها قد تحولت إلى أعمال سينمائية ضخمة ذات مردود اقتصادي وفنّي عال، فالفيلم يقود إلى الرواية، والرواية تقود إلى الفيلم. ودعا بافقيه إلى إخراج الجائزة من نخبويتها المؤسسية، وجعلها موسماً يستهدف القارئ قبل الكاتب، وتحويلها من مراسم احتفالية إلى جزء من هموم المواطن العادي.
وفي الختام، فإن الجوانب الإيجابية والسلبية لجوائز الأدب معقدة ومتعددة الأوجه. وفي حين يمكن للجوائز أن توفر تقديرًا ودعمًا قيمين للمؤلفين، فإنها تثير أيضًا أسئلة مهمة حول العدالة والتمثيل والأصالة داخل المجتمع الأدبي. وعلى الرغم من هذه الانتقادات، تستمر جوائز الأدب في لعب دور حيوي في الاحتفاء بالتميز الإبداعي وتعزيزه. وعندما يتم التعامل معها بذكاء وأخلاق، يمكن للجوائز أن تساعد في رفع الأصوات ووجهات النظر المتنوعة، وتعزيز مشهد أدبي أكثر شمولاً وديناميكية. ومن خلال الاعتراف بالأعمال الأدبية الاستثنائية ومكافأتها، تتمتع الجوائز بالقدرة على إلهام وتأثير المؤلفين والقراء، وإثراء تراثنا الأدبي الجماعي.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19706

العدد 19706

السبت 22 فيفري 2025
العدد 19705

العدد 19705

الخميس 20 فيفري 2025
العدد 19704

العدد 19704

الأربعاء 19 فيفري 2025
العدد 19703

العدد 19703

الثلاثاء 18 فيفري 2025