نظّم مخبر الترجمة والمصطلح التابع لكلية اللغة العربية وآدابها واللغات الشرقية، بالتعاون مع رئاسة الجامعة وقسم اللغة العربية وآدابها، ملتقى وطنيا احتفاء وتكريما للكاتب الروائي واسيني الأعرج، شارك فيه أساتذة من جامعة الجزائر 2 ومن جامعات وطنية مختلفة، حيث تناول المتدخلون بالدراسة تجربة الكاتب واسيني الأعرج الأدبية من خلال نماذج من أعماله الروائية.
أكّد رئيس الملتقى رشيد كوراد أنّ هذه الفعّالية جاءت لتكون احتفالية علمية وتكريمية؛ “احتفالية علمية من خلال تناول الكتابة الوسينية، وتكريمية لنابغة العرب الذي شرف جامعتنا ووطننا الحبيب في المنابر العلمية والثقافية الوطنية العربية والدولية.”
واعتبر كوراد، أنّ هذا اللقاء الحميمي بمثابة رسالة عميقة الدلالات تبرز بأنّ الإبداع والتفوّق يقدّران..مشيرا إلى أنّ الروائي واسيني الأعرج أصبح سفيرا للإبداع الأدبي الجزائري بامتياز وسفيرا للجامعة التي كرّس فيها كلّ طاقاته العلمية والمعرفية طيلة عقود مضت وسفيرا لوطننا الجزائر المفدّى رافعا راية العلم والمعرفة عاليا في المحافل الدولية، مثبتا أنّ التحدّيات ليست سوى فرصة تنتظر من يواجهها بالعزيمة والإصرار، “وليس ذلك بغريب عن ابن شهيد يعرف ويقدّر البطولة”، يقول كوراد.
وأضاف “نجاح الدكتور واسيني الأعرج وتفوّقه وتميّزه مصدر فخر للجامعة وللشعب الجزائري، ودليل حيّ على أنّ العقول الجزائرية قادرة على الإبداع والابتكار.
كما لفتت رئيسة قسم اللغة العربية وآدابها نعيمة طهراوي، إلى أنّ أعمال الروائي كانت ولا تزال تحتلّ الصدارة جزائريا وعربيا، وقد أثبت استحقاقها لأهمّ الجوائز.
واعتبرت طهراوي، هذه المناسبة فرصة للطلبة للاقتراب أكثر من تجربة واسيني الروائية والنقدية والأدبية.
التراث في روايات واسيني
من جهته، عبّر الدكتور عبد الحميد بورايو، عن اعتزازه وافتخاره بهذا المثقف، قائلا: “اعتبره ممثلا لجيلي وممثلا لهذه النخبة التي ظهرت منذ السبعينيات وفرضت نفسها”.
وأضاف: “عندما كنت صحفيا في جريدة “الشعب” سنة1976 وتركني رئيس الصفحة الثقافية أقوم بعمله لمدّة شهر من عطلته السنوية، بحثت في الأوراق التي بين يدي ووجدت قصّة قصيرة للكاتب واسيني، فنشرتها في شهر مارس أو أفريل، وبذلك كان أول أثر أخرجته الصحافة الجزائرية لواسيني”.
تناول المتدخل في مداخلته “رواية حيزية التي تستمدّ موضوعها من التراث” وهي - بحسب بورايو- عبارة عن ملحمة بالمفهوم المجازي لكلمة الملحمة، أعطاها واسيني أبعادا جديدة.
وتطرّق بورايو إلى ما سماه بحكاية الحكاية، والتي يقصد بها ما قدّمته الرواية كتبرير للاعتناء بموضوع سرد قصة حيزية، موضّحا أنّ الكاتب بنى حكاية أخرى إلى جانب حكاية حيزية، وقبل أن يلج حكاية حيزية قدّم قصة علاقة السارد خالد وكيف ذهب إلى بسكرة وسيدي خالد وزار قبر حيزية، ثم نسج مجموعة من القصص أو الجزئيات القصصية السردية المتعلقة بتقديم هذه القصة، وقال بورايو “يمكن أن نعتبر حكاية الحكاية هي الحكاية الذريعة الوسيط التي توصلنا إلى الحكاية الأصلية.”
وأشار المتحدّث في السياق ذاته، إلى أنّ “حكاية الحكاية” تقوم على مجموعة من الفصول، لافتا إلى أنّها تمثل خطابا أو حجّة تتيح للسارد أن يلج عالم قصة حيزية.
كما أنّ الكاتب - بحسب بورايو- يقطع الحدث إلى مشاهد ولقطات كثيرة كأنّه عين كاميرا، تجعل القارئ من خلال “حكاية الحكاية” يحسّ بهذه الرؤية السينمائية، ليقدّم مجموعة من اللقطات التي توحي إلى ما يريد قوله من خلال حكاية الحكاية.
وخلال حديثه عن البعد الرمزي لحكاية الحكاية، ذكر عبد الحميد بورايو أنّ الكاتب استعمل النخلة التي لها رمزية كبيرة في التراث العربي القديم، فهي في الشعر الجاهلي تمثل الأم الكبرى التي أتى الجميع منها ويقدّسها الجميع، وتظلّ بالنسبة للرواية هي الأداة التي يستطيع خالد أن ينقذ نفسه عن طريق إحدى فروع النخل.
وختم بورايو مداخلته بالقول “إنّ هذه الحكاية قدّمت ايديولوجيا أحدثت قطيعة مع تقليد الماضي، وأعادت إنتاجه كما هو، بل تجاوزته لتقدّم رؤى فنية تقنية وموضوعاتية تثمّن استقلالية السلوك البشري، وتخلّصه من هيمنة الجماعة والقناعات المطلقة والأحكام المجتمعية الجاهزة، وتعلي من شأن نسبية الأحكام وتشكّك في اليقينيات، وهو ما يفسّر جزءا من مجموع الانتقادات وردود الفعل المناوئة التي جُوبه بها هذا العمل الروائي عند صدوره أو قبل صدوره بقليل.”
وفي سياق متصل، ذكرت الباحثة سارة فرزولي، أنّ رواية “حيزية زفرة الغزالة الذبيحة كما روتها لالة ميرا”، تميّزت بقدرتها على بعث الحياة في أسطورة حيزية، لتكشف أبعاداً إنسانية وأدبية عميقة تعيد للأدب دوره في مساءلة القيم والموروثات التي تحكم مصائرنا.
وأوضحت، أنّ الرواية تناولت الأبعاد السوسيولوجية والاجتماعية والدينية والجندرية، حيث سلّطت الضوء على تأثير التقاليد الاجتماعية في تشكيل مصائر الأفراد، خاصّة من خلال شخصية حيزية التي تعكس التوتر بين حرية الاختيار وقيود المجتمع.
الأنساق المضمرة في أعمال الروائي
بدورها، أشارت الدكتورة نورة بعيو في مداخلتها “استنطاق المسكوت عنه وتعرية الأنساق المضمرة في روايتي الغجر يحبون أيضا وليالي ايزيس كوبيا” إلى أنّ القارئ لرواية ايزيس يلاحظ أنّ هناك مجموعة من المظاهر تكثفت في هذه الرواية من بينها الهيمنة الذكورية، قائلة “إنّ ذلك يظهر بداية من العنوان الذي اقترن بسردية ألف ليلة وليلة، حيث ترك الكاتب مي زيادة بكلّ حرية تروي مأساتها، بعد أن صارت غير قادرة على الحياة بعد أن فقدت أحبابها”.
وذكرت بعيو، أنّ واسيني الأعرج قام بتعرية نسق الذكورة المضمر في المجتمع الشرقي، بخاصّة الذي رفض رقي المرأة العربية وتحريرها من أسيجة أفكار الجاهلية الأولى والقرون الوسطى، مستندا على الدين والأعراف.
وفي سياق آخر، لفتت بعيو إلى أنّ النسق الثاني الذي كشفت عنه الرواية هو إشكالية الحداثة، وقالت إنّ “واسيني الأعرج مسّ عقدة الحداثة التي انبهر بها الإنسان العربي ظاهريا، لأنّها في مفهومه هي نمط للذات وطريقة الأكل والكلام هي حداثة شكلية”..
وفي السياق نفسه، أشادت الباحثة سهام برواقن، بمجمل أعماله الروائية والسير الذاتية التي طرحت موضوعات مواكبة لتطوّر المشهد الثقافي الراهن، مركّزة على استجلاء سردية آلام ومآسي المرأة المثقفة المكتوم صوتها في ظلّ سيادة الهيمنة الذكورية، عبر مداخلة بعنوان: “الصوت المقموع بين التغييب والحضور في رواية ليالي إزييس كوبيا - ثلاثمئة ليلة وليلة في جحيم العصفورية”.
وقد بيّنت قيمة هذا العمل الإبداعي الجامع بين الواقعي والمتخيّل والمشحون بمباغتات ومراوغات تاريخية، صبّت في مجرى تلبية نداء الضحية المهمّشة وإعادة إحياء قضيتها المنسية، من زوايا ثقافية واجتماعية ودينية وسياسية.. كما أوضحت أنّه توسّل لغة شاعرية مبنية على الوصف الدقيق المداعب لعواطف المتلقين، على اختلاف فئاتهم العمرية ومستوياتهم العلمية.
دلالات تمركز المرأة
وحاولت الباحثة ليندة بن سايح في مداخلتها الموسومة بـ«مركزية المرأة والأبعاد الدلالية لحضور الصوت الأنثوي في روايات واسيني الأعرج - دراسة في نماذج مختارة”، الكشف عن دلالة تمركز المرأة، بكلّ صورها الحيوية ذات الأبعاد المتعلقة بالخطابات السردية، في بعض روايات الأديب الجزائري واسيني الأعرج، من خلال تحليل الحالات المتضاربة التي تأتي عليها صورة المرأة/ الأنثى، وعلاقتها بمعارضة صوت الذكورة والقمع الاجتماعية والمعاناة النفسية والجسدية، مشيرة إلى أنّ المرأة في رؤية واسيني تتجلّى بحمولة ثقافية مميّزة تُثري جانب التلقّي والبحث والنقد، لأنّها تتداخل مع صوت الشخصيات وصوت المكان ومع كلّ الأفكار والمحاور الواردة في النصّ الروائي.
وذكرت ليندة بن سايح، أنّ واسيني يستعين بصورة المرأة الجزائرية القوية والتي عاشت فترات تاريخية صعبة من أجل توصيل رؤية سياسية واجتماعية ودينية معيّنة، من الاستعمار إلى الثورة إلى الإرهاب وغيرها من سنوات قاسية، رسم الأديب من خلالها أحداث مؤثرة ومرة ستبقى تُخلّد المرأة دائما.
كما أشارت، إلى أنّ اللغة الواسينية تشتغل بكلّ جمالها وشاعريتها في تفريغ مخزون كبير من الرقيّ والجمال في رسم صورة المرأة مهما كانت صفتها وجنسها ودينها، وهذا ينمّ على تقدير كبير للمرأة ولكلّ تضحياتها.
ولفتت الباحثة إلى أنّ الأديب في رواياته لا ينتصر للمرأة فقط ويدافع عنها، من خلال سرد معاناتها من جهة وتحليل هذه المعاناة بدقّة، بل هو ينتصر للإنسانية التي تكفل المساواة بين الرجل والمرأة وتقدّسها ككائن حرّ من حقّه أن يختار مسار حياته..