كتاب “الإعلام الثقافي زمن الوسائط الرقمية”

عن الثقافة ورهاناتها الإعلامية في عصر الثورة التكنولوجية

أسامة إفراح

 

 مادة علمية تتشكّل من 13 مقالا لأكاديميين من مختلف الجامعات

يجمع كتاب “الإعلام الثقافي..زمن الوسائط الرقمية”، من تنسيق وتحرير أ.د. العربي بوعمامة، مقالات أكاديمية تدرس علاقة الإعلام الثقافي ببيئته الجديدة التي تشكّل الوسائط الرقمية سمتها الغالبة. كما يفتح الكتاب باب النقاش بخصوص رهانات الإعلام الثقافي وأسئلته الجديدة في ظلّ الوسائط الرقمية، وليُغني الإشكاليات المتعلّقة بالثقافة بكلّ مكوّناتها الإبداعية، وأشكالها التعبيرية، وتجلّياتها الجمالية، وأنماط العلاقات والمعاني التي تربطها بوسائط إنتاجاها وتداولها الإلكترونية.


من الإصدارات التي تسلّط الضوء على الإعلام الثقافي، وتأثير الثورة التكنولوجية عليه، نذكر كتاب “الإعلام الثقافي، زمن الوسائط الرقمية”، من تنسيق وتحرير أ.د. العربي بوعمامة، رئيس مخبر الدراسات الاتصالية والإعلامية بجامعة مستغانم.
يجمع هذا الكتاب، الصادر عن دار “ألفا للوثائق” في 280 صفحة، مادة علمية تتشكّل من 13 مقالا لأكاديميين من مختلف الجامعات، ليحاول معالجة علاقة الإعلام الثقافي ببيئته الجديدة التي تشكّل الوسائط الرقمية سمتها الغالبة.
يقول البروفيسور بوعمامة في مقدّمة الكتاب، إنّ الإعلام الثقافي يتمثل في نسق الإعلام المتخصّص الذي يتناول المسائل والفعّاليات والظواهر المتصلة بالشأن الثقافي وترتيباته، ويتوجّه هذا النمط من الإعلام إلى مختلف أنواع الجمهور العام أو الجمهور الخاصّ والمهتمّ بالمسائل الثقافية، حيث يضطلع الإعلام الثقافي برصد، وعرض، وتحليل، ونقد، والتفاعل مع مختلف الإنتاجات والنشاطات الثقافية وإيصالها لجميع فئات المجتمع.
ويسعى الإعلام الثقافي، في مجمل مفاصله، إلى مواكبة التحوّلات التي تمسّ بنيات النشاط الثقافي والسياسات الثقافية في سيرورتها المختلفة، وتفاعلاتها مع باقي القطاعات المجتمعية، والإسهام في تعضيد الذائقة الثقافية الجمعية.
ويضيف بوعمامة: “وبذلك نلمس أنّ آفاق التدخل التي يُحدّدها الإعلام الثقافي لنفسه اليوم واسعة وتشمل عدّة مجالات وتخصّصات، حيث يحدّد الإعلام الثقافي لنفسه مهمّة متابعة مستجدّات الحياة الثقافية وأجنداتها ورهاناتها وتحدّياتها على المستويات المحلية بدون إغفال التظاهرات والفعّاليات الإقليمية والدولية، ولا يتردّد هذا النوع من الإعلام في تحديد مهمّة إضافية لنفسه، وهي دعم الفاعلين الثقافيين عن طريق تغطية نشاطاتهم والتعريف بمجالات اشتغالهم والعمل على تسليط الضوء على إسهاماتهم.”
نجد في الكتاب ورقة قدّمتها الباحثة روفية زارزي حول العلاقة بين الثقافة والإعلام في ظلّ التغيّرات الاجتماعية الجديدة، وكيف تلعب وسائل الإعلام دورا كبيرا في نشر الثقافة والقيم الثقافية في المجتمع. أما الأستاذة عائشة لصلج، فتطرقت إلى الإعلام الثقافي، وجدل العلاقة بين الإعلام والثقافة. كما عالجت د.ليلى زادي، ود.نوال سهيلي، البرامج الثقافية في الإذاعة المحلية ودورها في المحافظة على الموروث الثقافي الجزائري. من جانبها، تطرّقت الأستاذة سهام طايبي إلى دور الإعلام التلفزي والمكتوب في نشر الثقافة في المجتمع، وفي نفس السياق تحدّثت د.هناء فارس عن البرامج الثقافية في الفضائيات الجزائرية، وقدّمت قراءة نقدية تحليلية لبرنامج “الثقافة والناس” على قناة الشروق. فيما تطرّقت د.نوال بومشطة إلى الموروث الثقافي الجزائري في برامج الإذاعة الثقافية، باعتباره جسرا للتواصل بين الأجيال، واقترحت دراسة تحليلية لبرنامج “تراثنا هويتنا”، وعالج د.أحمد بوعون وأ.رانية زتيلي إنتاج البرامج الثقافية في الإذاعات المحلية بين متطلبات الرقمنة وصناعة الجودة، مع دراسة ميدانية في إذاعة سطيف الجهوية.
وطرحت كلّ من الدكتورة سمية بورقعة والأستاذة أسماء البكري موضوع مسؤولية الإعلام الرقمي في التنمية الثقافية بالجزائر، وقدّمت الباحثتان دراسة تحليلية لعيّنة من الصحف الإلكترونية. واقترحت د.إيمان بلعاتي ود.فريدة بوعكاز تحليلا نقديا للشخصيات الموجّهة للطفل في الإشهار التلفزيوني (شخصية فلة أنموذجا). أما د.وفاء مطروح فسلّطت الضوء على تجليات التفاعل الثقافي في الفضاء الرقمي بين المحافظة على الخصوصية وتبنّي العالمية.
وفي موضوع آخر، اقترح أ.مصطفى البحري (جامعة صفاقس، تونس) دراسة سوسيوثقافية عن راهنية خطابات الإعلام الثقافي في زمن النهايات، وتطرّقت د. هدى الحاج قاسم (معهد الصحافة وعلوم الإخبار، تونس) إلى النموذج السوسيو-اقتصادي للإعلام الإذاعي الثقافي في تونس زمن المنصّات الرقمية، فيما تطرّق د.ماجد عبد العزيز عيسى الخواجا إلى دور الإعلام الرقمي في الحالة الثقافية في العالم العربي.
الإعـــــــلام الـــــــثـــــــقـــــافي والـــصـــــنـــــاعــــات الإبـــداعـــيـــــة
نشير هنا إلى أنّه سبق للبروفيسور العربي بوعمامة تنسيق وتحرير كتاب في سياق مشابه، حيث صدر له، سنة 2019، وعن نفس دار النشر، كتاب “الإعلام الثقافي والصناعات الإبداعية”. وتطرّق هذا الكتاب، في 298 صفحة، إلى تأثير كلّ من وسائل الإعلام والثقافة الاجتماعية العامة على بعضها البعض، حيث يمكن لوسائل الإعلام أن تؤثر على المجتمع وثقافته السائدة، باعتبار أنّها أصبحت جُزءاً من الحياة اليومية للأفراد، كما أنّ للثقافة تأثيرا كبيرا على وسائل الإعلام، بالنظر إلى تطوّرها المتسارع والمتزايد، وظهور وسائل إعلام جديدة، وهو ما يُعدّ نتيجة الاحتياجات الثقافية المختلفة، ونتيجة تنوّع الثقافات التي أسهمت في نشر الأفكار، فثقافة العلوم والتكنولوجيا تُعدّ عاملاً مهماً في تطوير وسائل الإعلام المستخدمة.
في المقابل، تضيف مقدّمة الكتاب، يمتلك التطوّر السريع لهذه الوسائل تأثيراً كبيراً على طرق التواصل وتبادل الثقافات بين البشر، ففي البداية، كانت وسائل الإعلام مكتوبة، كالجرائد والمجلات، وكان لها تأثير كبير على المجتمعات، ثم بدأ ظهور وسائل الإعلام الحديثة والرقمية، والتي كان لها الأثر الأكبر على عملية التواصل الثقافي، حيث أدّى ظهور الإنترنت إلى تسهيل إمكانية الوصول لأيّ نوع من المعلومات في أيّ مكان وزمان، وتوفير الوقت، والجهد، والتكلفة في الوصول إليها، كما أدّى التطوّر السريع لوسائل الإعلام إلى تراجع الثقافات التقليدية، فتوفُر الكتب والمعلومات بشكل إلكتروني أدّى إلى تقليل عدد الأشخاص الذي يستخدمون القواميس، والمجلات، ويرتادون المكتبات، ومن الناحية الاقتصادية، لعبت وسائل الإعلام دوراً مهمّاً في تنمية الاقتصاد، وتسهيل الوصول إلى الجماهير المستهدفة، وتوفير الخدمات المتعلّقة بالشركات إلكترونيا.
وانطلاقا ممّا سبق، يعدّ الاستثمار في الصناعات الثقافية والإبداعية خيارا استراتيجيا وتنمويا يمكن أن يسهم في الناتج الداخلي الخام بنسب دالة، حيث يمكن لمختلف أشكال التعبير الثقافي أن تتحوّل إلى اقتصاد حقيقي تفوق حركتيه وديناميكيته سائر القطاعات الإنتاجية الكلاسيكية، خصوصا في ظلّ الظرفية الحالية التي يعرفها الاقتصاد العالمي.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19639

العدد 19639

الثلاثاء 03 ديسمبر 2024
العدد 19638

العدد 19638

الإثنين 02 ديسمبر 2024
العدد 19637

العدد 19637

الأحد 01 ديسمبر 2024
العدد 19636

العدد 19636

السبت 30 نوفمبر 2024