«فيلسوف النقد والتنوير”..عبد الرحمن بوقاف:

من حقّ الفلسفة أن تحتفل لأنّها قدّمت للإنسان الكثير

أسامة إفراح

 




منذ عام 2002، تحتفل الأمم المتحدة باليوم العالمي للفلسفة كلّ عام في الخميس الثالث من شهر نوفمبر. وبهذه المناسبة، نشرت الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية كلمة “فيلسوف النقد والتنوير”، الدكتور عبد الرحمن بوقاف. وممّا جاء في الكلمة، التي حملت عنوان “الفلسفة تحتفل”، أنّ الفلسفة باتت محاصرة، رغم أنّها كانت دائما الظلّ الأبدي للإنسان، ولكنّها الظلّ الذي يتقدّمه بوصفه المرشد والدليل والقائد.


نشرت الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية كلمة للدكتور عبد الرحمن بوقاف، الذي وصفه فارح مسرحي بـ«فيلسوف النقد والتنوير”، وهي كلمة تضمّنها العدد 21 من مجلة “دراسات فلسفية” الصادرة عن الجمعية.
في مستهل كلمته، التي حملت عنوان “الفلسفة تحتفل”، يذكّر الدكتور بوقاف ببدايات اليوم العالمي للفلسفة، الذي دشّنته اليونيسكو يوم 21 نوفمبر سنة 2002، وصار الاحتفاء به مذ ذاك كلّ ثالث خميس من شهر نوفمبر من كلّ عام.
ويسلّط بوقاف الضوء على ملازمة الفلسفة الإنسان ما دام فعل التساؤل حاضرا..يقول: “حيث يوجد إنسان يوجد سؤال، وحيث يوجد سؤال يوجد تفلسف ممّا يبين أنّ الفلسفة كانت دائما الظلّ الأبدي للإنسان، ولكنّها الظلّ الذي يتقدّمه بوصفه المرشد والدليل والقائد. الخط الذي يتبعه القائد ليس بالضرورة إقليديا، أيّ مستقيما لا يعرف انكسارات وتموّجات وقفزات لأنّ حياة الإنسان هكذا. وإذا كان المشتغل بها يعرف هذا فلا يعني أنّ غير المتفلسف لا يملك شعورا بهذا الوعي وإن كان لا يستطيع بلورته مفهوميا لأنّ القيام بذلك يعدّ من صميم العمل الفلسفي...”
ويضيف: “عندما نستعرض مشهد النشاط الفلسفي نجده معقّدا ومكثّفا بحكم تعقّد الحياة وتكثّفها، وإذا أردنا تعداد مزاياها فهي لا تحصى، ولعلّ أهمّها هي محاولتها الارتقاء بالإنسان من حيوانيته وبدائيته إلى وضع أنطولوجي أرقى، ولكن ليس إلى مستوى الانفصال التام لأنّ هذا يتعارض مع طبيعة الأشياء.”
«ولكن ما هي طبيعتها؟ ما هذا الذي نسميه “فلسفة”؟” يتساءل بوقاف، مجيبا: “قد يكون هذا أكثر الأسئلة إحراجا للمشتغل بالفلسفة. وتبدأ الصعوبة من كون الإجابة عنه تقتضي مسبقا موقفا فلسفيا مادام المفهوم نفسه ذا طبيعة انزلاقية، ممّا يعني أنّ الإجابة توقعنا في دور لا فكاك منه. ولكن مادامت هي تلحّ على كلّ مشتغل بحقل من حقول المعرفة بتعريف مفاهيمه فهل يحقّ لها أن تعفي نفسها ممّا تلزم به غيرها؟ لو حاولت التجرّؤ على الإجابة عن ذلك لوقعت ضحية الدور، لكن هل من عيب في ذلك؟ لا أرى ذلك مادام واقع الحال هو هكذا، ومادام عنصر المسبق صنعه ملازم للتعريف في موضوعنا هذا. يضاف إلى ذلك طبيعتها الانزلاقية التي تجعلها تستعصي على تحديدها.”
ويواصل بوقاف محاولة الإجابة على تساؤله: “لو نلقي نظرة على المشهد الفلسفي، وهو يتموّج بين آناته المختلفة، نجد فكرة الإمكان تحايث كلّ تجلّياته، ويعود ذلك إلى طبيعة إنجازاته التي تحقّقت، لأنّها كانت ممكنة حتى ولو كانت متعارضة ومتناقضة كالأطاريح التي تتقدّم بها الفلسفات المختلفة. وإذا ثبتت صحّة الطرح هذا لقلت “إنّ الفلسفة هي فنّ الفكر الممكن”. نعم، من حقّ الفلسفة أن تحتفل لأنّها قدّمت للإنسان الكثير: من بناء الإنسان إلى بناء المجتمع والدولة، ولكن ماذا كان جزاؤها؟”
ويخلص بوقاف، في ختام كلمته، إلى أنّ الفلسفة اليوم، رغم كلّ ما قدّمته للبشرية، باتت محاصرة، وفي ذلك يقول: “لنعد إلى واقع الحال لنرى المآلات التي انتهت إليها على يد هذا الكائن الذي كانت دائما تعيده إلى ذاته محذّرة إيّاه من قراصنة الروح، وممّن يريدون جعله دائما كائنا مستهلكا لا يعير اهتماما للقيم الإنسانية والجمالية، لتجد نفسها محاصرة بين أطواق ثلاثة: الطوق الديني، الطوق السياسي، والطوق العلمي، بعد هذا انحصرت في الأكاديميات، وحتى هذه في طريقها إلى المزيد من الانحصار حتى تواجه أخيرا مصير سنمار. ومع هذا كلّه أشكر من كان وراء تخصيص يوم عالمي للفلسفة.”
للتذكير، ترى اليونسكو أنّ الفلسفة توفر أساسا مفاهيميا للأعراف والقيم التي يقوم عليها السلام العالمي، وهي الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة والمساواة. وتأمل اليونسكو، من خلال هذا اليوم، أن تتقاسم شعوب العالم فلسفتها مع بعضها البعض من أجل توليد أفكار جديدة. وتريد المنظمة الأممية أيضًا دعوة الجهات الفاعلة المدنية والفكرية للمشاركة في نقاش عام حول التحدّيات المقبلة، والتفكير في حالة العالم والتساؤل عمّا إذا كان مجتمعنا الحالي يتوافق مع نموذجنا المثالي للعدالة والإنصاف.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19635

العدد 19635

الجمعة 29 نوفمبر 2024
العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024