فـــــخـــــورة بـــــالـــــتّـــــشـــــريـــــف الـــــذي مـــــنـــــحـــــتـــــه لي “تــــــواجــــــات د وبــــــاجــــــــــــو”
استطاعت الكاتبة آمال بن عبد الله أن تشق خطواتها بنجاح في مجال الرواية الجزائرية بالمتغير المزابي، وذلك من خلال راوية “تواجات د وباجو” التي أهّلتها لافتكاك جائزة “كتابي الأول” بصالون الجزائر الدولي للكتاب في طبعته 27، حيث تعتبر أول تجربة روائية تحاكي الثقافة والأصالة الميزابية، والتي نالت إقبالا كبيرا للقراء باللغة الأمازيغية خلال حضورها في “سيلا 2024”.
الشعب: بداية نهنّئك على فوزك بجائزة “كتابي الأوّل” الخاصة بكتابات الشباب، كيف تلقّيت خبر هذا التتويج؟
الكاتبة آمال بن عبد الله: تكريمي بالمرتبة الأولى في جائزة “كتابي الأول” في طبعتها الأولى، ضمن فعاليات معرض الجزائر الدولي للكتاب في طبعته 27، سعادة لا توصف بكلمات، فهو شعور بالفخر، وأيضا شعور بثقل المسؤولية كوني المؤسسة لأدب الرواية في لغتي الأم.
كيف تقدّم آمال بن عبد الله نفسها لقرّاء “الشعب”؟
آمال بن عبد الله كاتبة جزائرية أمازيغية من منطقة ميزاب، تحديدا قصر بريان، من مواليد 7 فيفري 1980 بالجزائر، أحمل شهادة ليسانس في الاعلام جامعة ورقلة، دخلت مجال الأدب حبا وعشقا لازمني منذ سن مبكرة، إلاّ أن أول إصدار لي كان سنة 2018 بمجموعة قصصية تحمل عنوان “على أعتاب تشرين / منة وحمو”، ورواية تحت عنوان “أحيقار” والتي توّجت وطنيا بجائزة “الفكر والابداع”، وكانت بداية التتويجات ومسيرة مشوار أدبي باللغة العربية، حيث نشرت بعدها روايات “باية الماتريوشكا” و«ظلال العتمة” التي صدرت سنة 2021 عن دار “خيال للترجمة والنشر”، وآخر إصدار كان هذه السنة براوية تحت عنوان “تواجات د وباجو” التي شاركت بها مؤخرا في سيلا 2024 في نسختها 27، حيث جاءت هذه الأخيرة بواجب وحاجة ملحة للتعبير عن هويتي وثقافتي الأمازيغية، إذ سبق وأصدرت عملا روائيا يتحدث عن المجتمع المزابي في رواية “باية / الماتريوشكا”، وقرّرت حينها كتابة رواية باللغة الأمازيغية بالمتغير المزابي، رواية تسفر عن ميلاد الأدب المزابي في مجال الرواية تحديدا، فانبثق عن هذا ولادة “تواجات د وباجو”، وقد جاءت هذه الرواية لتضع حجر أساس وتؤسس لميلاد عمل أدبي جديد وتفتح آفاقا عالية لي ككاتبة ولغيري في نقل تجارب ومشاعر المجتمع الأصلي بصدق وعمق أكبر، باللغة الأم، حفاظا على الموروث الثقافي الذي تركه الأجداد.
وكيف جاءت تجربة “تواجات د وباجو”؟
“تواجات د وباجو” أنجبتني قبل أن أنجبها! بحكم انتمائي واعتزازي بهويتي كان لزاما علي ككاتبة حمل هذا الواجب على عاتقي، واجب الحفاظ على لساني ولغتي الأم (الأمازيغية بالمتغير الميزابي)، وتأليف رواية بلغتي الأم لم يكن بالأمر الهين، لكنه لم يكن مستحيلا أيضا، صحيح جاء تأليفي لأول رواية بالمتغير الميزابي بعد أربع تجارب خضتها في التأليف باللغة العربية، لكن تلك الرغبة كانت تكبر وتنمو شيئا فشيئا بداخلي، إلى أن انبجست في وقتها، كانت بمثابة حلم يراودني.
أيضا لا يمكن أن أقول إنها جاءت متأخرة، دعيني أقول إن اللغة اختبرتني أولا عبر تجاربي السابقة، وحين شعرت باستعدادي طاوعتني لتولد “تواجات د وباجو”، ليتحقق الحلم أخيرا وتتجسّد هذه الرغبة على أرض الواقع، كل ما احتجته لخوض هذه المغامرة هو الإيمان القوي بموهبتي وقدراتي.
هل لك أن تحدّثينا قليلا عن “تواجات د وباجو”؟
تواجات اسم فتاة (بطلة الرواية) والذي يحمل في طياته عدة دلالات مستقاة من التراث الأمازيغي، كل معنى من معانيه له قصة انبثقت من عمق الأصالة وعبق التاريخ، أما “باجو” فمن المعروف أنه مكان لحفظ التمر.
عموما هي رواية تسلّط الضوء على شخصيتين محوريتين (تواجات) و(باجو)، تواجات تنتمي إلى المجتمع المحلي تواجه تحديات اجتماعية وثقافية وفكرية أيضا في ظل تغيرات سريعة تحيط بها. كما تعكس الرواية الصراع بين الحفاظ على القيم والتقاليد الموروثة والتكيف مع الحداثة والمتغيرات الجديدة، مما يجعلها مرآة لتناقضات وتحديات الحياة في منطقة ميزاب.
بنظرك لماذا تأخّر صدور رواية بالمتغير الميزابي إلى يومنا هذا؟
رغم وجود إنتاج كتابي بالمتغير المزابي منذ مطلع التسعينيات، والذي عموما يمكن أن نقول إنه كان متوسطا مقارنة بالإنتاج الكتابي باللغة العربية، إلا أن تأخر صدور أول رواية بالمتغير يعزى إلى قلة اهتمام الكاتب المخلي بمجال الرواية بشكل خاص، إذ أن جل تركيز كتاباته كان تقليدا للأجداد والذي كان ينصب في النصوص الدينية والتعليمية والتوثيقية والقوانين والنظم العرفية للمجتمع، أما فنيا فقد كان مجال الشعر له الأفضلية عند الأدباء، إلا أنه مع التطور الحاصل لا شيء يظل على حاله، فقد مس هذا التطور وهذه الصحوة المجتمع كسائر المجتمعات، وحصلت نهضة أدّت إلى تدارك ما فاتنا.
وما هو الانطباع الذي تركته “تواجات د وباجو”، لا سيما لدى المجتمع المحلي؟
لاقت “تواجات د وباجو” إقبالا كبيرا من المجتمع المحلي، فقد كانت فرحة القراء لا توصف بهذا العمل، الذي اعتبروه باكورة تبشر وتفتح الطريق لأعمال أخرى مستقبلا، حيث عبّروا عن فخرهم برؤية لغتهم وثقافتهم ممثلة في عمل أدبي مميز.
من بين هذه الانطباعات، انطباع الشاعر والباحث في التراث الأستاذ يوسف لعساكر، والذي شاء أن يعبر عن فرحته بولادة “تواجات” بأبيات شعرية بالمتغير الميزابي، لخّص فيها الفكرة العامة للرواية، وبارك صدورها على أنها تؤسس للأدب الأمازيعي بالمتغير الميزابي المعاصر وستفتح أبوابا للنقد الأدبي.
كما أبدى الأستاذ يوسف الواهج وهو شخصية بارزة في المجتمع البرياني، إعجابه بالرواية، وقال عنها: هي بمثابة الجديد الجريء في واقع مجتمعنا، ومن توفيق الكاتبة أن أصدرت الرواية بالحرفين، العربي واللاتيني استجابة لكل المهتمين بقراءة الروايات.
هل تعملين في الوقت الراهن على مشروع رواية أخرى باللغة الأمازيغية؟
حاليًا أعمل على مشروع الجزء الثاني لـ “تواجات د باجو”، كما قلت فتواجات هي بداية الغيث، والقادم مبشر بخير بإذن الله..أتطلع إلى تقديم صورة متجددة للحياة المزابية بعيون معاصرة، مستفيدة من تجربتي السابقة ونجاح “تواجات د وباجو”.
هل سيكون لروايتك حضور في المسابقات الوطنية؟
بكل تأكيد أخطّط للمشاركة بروايتي في المسابقات الوطنية للرواية مستقبلا، حيث أرى أنها فرصة لتعزيز انتشار أعمالي وتقدير للجهود المبذولة في الكتابة باللغة الأمازيغية بصورة عامة. كما يمكن أن تساعد هذه المسابقات في تسليط الضوء على الأدب الأمازيغي وتشجيع الكتاب الآخرين على الكتابة بلغتهم الأم.
كيف ترى آمال بن عبد الله مستقبل الرّواية باللّغة الأمازيغية؟
اللغة هي الهوية، هي الوطن والانتماء، هناك مبادرات لتشجيع الكتابة بالأمازيغية، كتلك الجوائز التي تنظمها وزارة الثقافة وغيرها من المؤسسات الثقافية، علينا الاستفادة من التكنولوجيا الرقمية لجعل الكتب متاحة بسهولة وبأشكال متعددة، وأيضا البرامج التعليمية لتسهيل تعلم اللغة. رغم كل التحديات والصعوبات إلا أنني متفائلة بمستقبل واعد إن شاء الله، وبإمكانية تحقيق تقدم ملموس.
ما هي رؤية آمال بن عبدالله لدور الرواية في النهوض بالثقافة الأمازيغية؟
تلعب الرواية دورًا كبيرًا في النهوض بالثقافات على العموم، ربما لهذا صار لزاما علينا نحن أدباء مازيغ كتابة الروايات لتوثيق القصص والتجارب الحياتية للأمازيغ، والمساهمة في الحفاظ على الهوية الثقافية وتعزيزها ونقل التراث الثقافي للأجيال القادمة. بالإضافة إلى ذلك، تعزز الرواية من فهم وتقدير الثقافات المختلفة داخل المجتمع الأمازيغي وخارجه، مما يسهم في بناء جسور من التواصل والتفاهم.