احتضن فضاء “غزّة” ضمن فعّاليات صالون الكتاب الدولي في دورته 27 ندوة بعنوان “غزّة ازدواجية مواقف الغرب”، شارك فيها أساتذة من داخل الوطن وخارجه.
أشار الباحث أحمد دلباني، إلى أنّه اشتغل فلسفيا على مضمرات الحضارة الغربية من منظور النّقد، محاولا الكشف عن الأسس التي تفضح مزاعم هذه الحضارة على عدّة مستويات، مؤكّدا أنّ الظرف الدّامي الملتهب الذي عرفه العالم منذ بداية الحرب العدوانية الهمجية وغير المسبوقة على غزّة في أكتوبر 2023 دفعه لكتابة كتاب سريع غاضب سجاليّ، تحت عنوان “الدفاع عن قابين” يتضمّن التعبير عن موقفٍ ثقافي وسياسيّ وأخلاقي ممّا يجري على الأرض، والردَّ على بعض مثقّفي الميديا الأوروبيين والفرنسيين بخاصّة، مالوا ذات اليمين ورأوا في ما يحدث مؤشّرا واضحا على حرب حضارية، انطلاقا من جذور دينية إسلامية لا مقاومة لاحتلال استيطانيّ عنصريّ شرّد شعبا آمنا منذ أكثر من سبعين عاما.
الــــقــــضــــيــــة الــفـــلــســطــيــنــيـــة وفـــلاســـفـــة الــــــــبــــؤس
وأوضح دلباني أنّه في هذا الكتاب استعار توصيفا وصف به أحد الكتاب الفرنسيين في ثلاثينيات القرن الماضي الفلاسفة الفرنسيين المثاليين الذين كانوا مقطوعي الصلة بالهم الاجتماعي والصراع الطبقي آنذاك هو “كلاب الحراسة”، لوصف هذه الطائفة من الفلاسفة الذين طفقوا ينتصرون ويحرصون هذه القلعة المتآكلة، قلعة الادّعاءات الغربية الكاذبة، قائلا: “إنّ تحوّل الكثير من المثقّفين والفلاسفة الغربيين الفرنسيين بخاصّة إلى كلاب حراسة لقلعة الانغلاق الهويّاتي، ظاهرة تستدعي الانتباه فعلا في هذه اللحظة التاريخية، ومن المهم برأينا ملاحظة أنّ هذا الأمر لا ينفصل عن مناخ اليأس والشعور بالنسيان للتراجع الحضاري واضمحلال حلم الكونية الذي لم يصمد أمام خرافة التاريخ، ولكن الملاحظ أنّ التحوّل في مهام هؤلاء المثقّفين لا يمكن وصفه إلاّ بالبؤس”.
وأضاف “أنّ الهويّة لدى هذه الفئة من فلاسفة البؤس يمكن اعتبارها بيت الخائب وربّما أمكننا وصفها بأنّها تمثل اليوم عودة الصعلوك الضالّ إلى حضن القبيلة”، وتابع حديثه “ولعلّ أحداث الحرب الأخيرة على غزّة الصامدة قد كشفت المستور في مواقف الكثير منهم وهم يصطفّون لتقديم الولاء غير المشروط لانتماءاتهم الثقافية والحضارية، على حساب الانتصار للإنسان المضطهد وحقّه في الحياة والحرية والكرامة، وعلى حساب العدالة التي تقتضي أول ما تقتضي زوال الاحتلال وحقّ الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.”
الــــوهـــم والــــذاكــــــــرة
وفي مداخلته الموسومة بـ«كيف يتلقّى المثقّفون العرب المواقف الفلسفية الغربية” قال الباحث الموريتاني سيداتي سيداني “ممّا نريده ونتوّهمه أن يدعمنا فلاسفة الغرب ويدافعوا عن قضايانا، وأن يقولوا عنّا مالم نستطع قوله نحن”.
وتساءل ذات الباحث، هل الفلاسفة الغربيون عندما فكّروا وقدّروا ووضعوا خريطة الفكر، وضعوا إشارة فيها تدلّ علينا؟ ليجيب بعد ذلك “لا أظنّ إنّ ثمّة إشارة أو أيّ اعتبار لنا. لكنّنا فرحنا من باب الزهو والانبهار والحب أن يقولوا ما نحب ولم نستطع أن نفرق بين ما هو كائن وينبغي أن يكون”، وأضاف “بقينا نأمل غيما كاذبا لذلك وقعنا في مستوى عال من الوهم والنسيان وتلك هي المشكلة”.
وأوضح سيداتي أنّ المواقف الفلسفية من القضية والداعمة للاحتلال ليست وليدة أمس في حرب غزّة ولا قبل ذلك، مشيرا إلى أنّ جان بول سارتر وهو الذي نُظر إليه ذات يوم على أنّه مُنظّر التحرّر والحقوق وما إلى ذلك، عندما يتعلّق الأمر بالاحتلال يتلعثم ويصاب بصمت عميق.
ولفت ذات الباحث إلى أنّ السنة الماضية ثارت ضجّة لأنّ فيلسوف التواصل وداعية الحوار كتب بيانا لتمجيد وتأييد الحرب واصفا المقتول بالقاتل، “لتبدأ بكائيات ومحاولات الفهم والتفسير والدفاع والتأويل، لكنّ الكلام غير قابل للتأويل”، يقول المتحدّث.
وبالمقابل، استثنى سيداتي سيداني بعض الفلاسفة والمفكّرين الغربيين الذين يدافعون عن القضية الفلسطينية ويتبنّوها ويعرّون الاحتلال ويكرهونه، خاصّة في الفضاء الناطق باللّغة الاسبانية، قائلا “هناك بعض الأسماء الكبيرة التي دافعت عن القضية الفلسطينية وتبنّتها وتعرّضت للعداء بسببها، كما يقول دولوز إنّ صديقه ميشال فوكو قاطعه بسبب موقفه من القضية الفلسطينية”.
وختم الباحث سيداتي مداخلته بقوله “الواجب علينا فعله نحن، أن نقدّم أنفسنا ولا نعوّل على أحد أن يتحدّث نيابة عنّا، وأن ندخل في نقاشات معرفية فكرية خاصّة في الفضاءات المفتوحة، ونقدّم رأينا ورؤيتنا وتصوّرنا للحياة والوجود، ونحاول أن نقدّم قيما ومبادئ إنسانية لهذا الإنسان الأخير بعد تهدّم كلّ ما نراه قواعد وأصول ثابتة.”
من جهته، ذكر البروفيسور بن عودة لبداعي أنّه، بالنظر لما هو قائم اليوم في غزّة وخاصّة بعد الـ7 أكتوبر2023، فإنّ القضية الفلسطينية لم تبدأ من هذا التاريخ وإنّما تعود إلى سنة 1948 تاريخ النكبة الأولى، يوم استولى الصهاينة على أراضي الفلسطينيين وعلى مساكنهم وقاموا بتشتيتهم.
وتحدّث في مداخلته عن إدوارد سعيد الذي كتب كثيرا عن القضية الفلسطينية كمفكّر أفنى عمره وهو يكتب عن فلسطين ومآسي شعبها، مشيرا إلى أنّه وهو على فراش الموت سعى إلى كتابة مذكّراته، وتطرّق فيها إلى أحداث خاصّة به، وقصّة أسرته الفلسطينية التي تمّ طردها من بيتها في القدس لينتهي بها الأمر إلى الشتات.