تتواصل بـ«دار الإبداع” بولاية قسنطينة، فعّاليات الصالون الوطني للزيّ التقليدي، بمشاركة وطنية للعديد من المصمّمين والعارضين المختصّين في صناعة الأزياء التقليدية، حيث تشهد التظاهرة برنامجا ثريّا يتنوّع ما بين العروض التقليدية، الورشات التكوينية ومحاضرات علمية أكاديمية يؤطّرها مختصّون في التراث.
تحت شعار “الزيّ التقليدي الجزائري هوية الوطن”، تزيّن بهو “دار الإبداع” بوسط المدينة بقطع راقية تعكس الزخم الثقافي والتاريخي لأزياء ولايات الشرق الجزائري، بدءا من قندورة القطيفة القسنطينية، الفتلة والمجبود، القندورة العنابية، القبائلية والشاوية التي تناغمت والهندسة المعمارية القديمة لـ«دار الإبداع” وموقعها المميّز الذي يطلّ على جسور قسنطينة.
وأكّدت مديرة دار الإبداع، أميرة دلي، أنّ التظاهرة الثقافية جاءت لتكمّل المسعى الوزاري الرامي إلى حماية موروثنا الثقافي اللاّمادي، وأشارت أنّ الوصاية باشرت العمل على تنصيب لجنة مكوّنة من مختصّين وباحثين وحرفيين وأكاديميين، قبل الجائحة، للإشتغال على موضوع الزيّ التراثي التقليدي لمنطقة الشرق الجزائري، وتصنيفه كموروث تراثي غير مادي إنساني لدى منظمة اليونيسكو.
وجاءت الطبعة الرابعة للمهرجان الوطني للزيّ التقليدي، لتضمّ أعمال حوالي 40 عارضا، جاؤوا من مختلف ولايات الشرق الجزائري، حيث تمّ تقديم كلّ ما يتعلّق بالأزياء التراثية لنساء ورجال الشرق، مع عرض قطع قيّمة تعود لحقب زمنية ماضية، وذلك في إطار التأريخ للحرف والمهارات المتعلقة باللّباس التقليدي على غرار “قفطان القاضي”.
ويشهد البرنامج الثقافي مشاركة كفاءات محلية كانت لها مساهمة في إعداد ملف التصنيف، على رأسهم الحرفي في الزيّ التقليدي فؤاد عزّي، والأستاذ الباحث في التاريخ والآثار حسين طاوطاو، إضافة إلى الأستاذة الباحثة في التراث حليمة علي خوجة.
وفي السياق، قدّم الدكتور حسين طاوطاو محاضرة أكّد فيها أنّ العمل على الملف جاء في ظروف استثنائية، ما فرض الإسراع في إعداد الوثيقة الضرورية لطلب التصنيف ضمن لوائح اليونيسكو، فدخل الفريق المكلّف بالمهمة ـ حسبه ـ في سباق مع الزمن لإتمام الملف الذي يرتكز بالأساس على المعطيات العلمية والدراسات التي تعدّ مهمة جدّا لجرد وتصنيف وتوثيق عناصر التراث.
وأوضح طاوطاو أنّ العملية تطلّبت تنظيم أيام دراسية لجمع الفاعلين في المجال، من باحثين وحرفيين، قصد التشاور وتبادل المعلومات وضبط تصوّر دقيق لكافة المحاور المتعلّقة بالملف، حيث سمحت هذه الفعّاليات بإعطاء دفع قويّ لمشروع تسجيل التراث في شقّه العملي، مضيفا أنّ تصنيف اللّباس التقليدي ضمن لوائح التراث المادي للإنسانية، مهم جدّا؛ لأنّه يعني تثمين وتسجيل الخبرات والمهارات والرموز الثقافية، إلى جانب ممارسات وطقوس الشعوب وعاداتها، علما أنّ اليونيسكو اشترطت أن لا تُقدّم ملفات لعناصر قديمة مندثرة، بل لعناصر حيّة مكرّسة ثقافيا، ماديا ومعنويا، بمعنى أن تكون جزءا من حياة الأفراد، وهو ما توفر في اللّباس التقليدي الجزائري المكرّس بفضل العادات والتقاليد ونشاط الحرفيين.
وأوضح الباحث أنّ المهمة لم تكن سهلة؛ لأنّ العمل استدعى كذلك تصوير وثائقي يضمّ عناصر جديدة يشترك تضمينها في الملف، الأمر الذي تطلّب تكاتف جهود العديد من الفاعلين لإنجاح المسعى، خصوصا وأنّ عملية التصنيف تحتكم لجملة من الشروط الصارمة، أهمّها استمرارية المهارة أو الممارسة المكرّسة للحرفة.
ومن جانبه، تحدّث الحرفي المختصّ في صناعة اللّباس التقليدي القسنطيني، فؤاد عزّي، عن مشاركته في إعداد الملف، وقال إنّ العمل أوجب العودة إلى الوراء للبحث في خزائن الذاكرة المحلية قصد جمع ما يكفي من المعلومات والعينات الضرورية لإكمال الملف، مشيرا أنّ المعرض الوطني للّباس التقليدي، يعتبر اليوم من المناسبات التي تقدّم نوعا من التوثيق لعناصر التراث، لأنّها تعيد اللّباس إلى الواجهة، وتشكّل فرصة للقاء الناشطين في مجال صناعته وحفظه.
وأكّد عزّي أنّه يشارك في الفعّالية بمجموعة متنوّعة من الأزياء، بينها قطع قديمة وقيمة جدّا من ناحية قيمتها التاريخية والتراثية، على غرار “القندورة القسنطينية” و«قفطان القاضي” و«الغليلة” و«القندورة” بأنواعها والقفطان الجزائري على اختلاف تصاميمه مثل قفطان “الطاوس” و«القرنفلة” وغير ذلك، علما أنّ هذه القطع وظّفت سابقا - كما أوضح - في عملية الجرد والتسجيل التي تمت خلال إعداد ملف التصنيف الخاص باليونسكو.
وعرض الحرفي إلى جانب ذلك، نماذج عن سروج الأحصنة، وقال إنّ لها علاقة مباشرة بمهارة التطريز؛ لأنّ هذه المهارة كانت مخصّصة في البداية للباس الرجل الفارس، قبل أن يتطوّر استخدامها لاحقا ليشمل لباس المرأة، معتبرا بأنّ النساء لعبن دورا مهما جدّا في مسعى التصنيف الذي تبنّته الجزائر في السنوات الأخيرة، وذلك بفضل محافظتهنّ على الأزياء التقليدية التراثية كجزء من هويّتهن الثقافية.
جدير بالذكر أنّ النشاط الافتتاحي للمعرض عرف تكريم مجموعة من الأسماء القسنطينية البارزة في مجال التراث، على غرار الأستاذة حليمة علي خوجة، وشيخ الطريقة الرحمانية حمودة بشتارزي، والدكتور حسين طاوطاو، والخطّاط والفنان التشكيلي محمد عمراني، والحرفية في الزيّ التقليدي لالة باية حملاوي، إضافة إلى تكريم الحرفي فؤاد عزّي والحرفية كريمة بسطانجي، والحرفية موني عبد الله خوجة.