قاد رحلة سردية جديدة إلى العمق الإفريقي..

الزيواني يوقّع «الطانفــا.. أسطورة الواكس الإفريقـي»..

أسامة إفراح

«الطانفا، أسطورة الواكس الإفريقي».. هو عنوان الرواية الجديدة للصديق حاج أحمد الزيواني، الصادرة عن دار «دواية» للنشر. وتتناول الرواية ثيمة الهويات الإفريقية، ومن بينها هوية لباس الشمع الإفريقي، المعروف شعبيا بالطانفا، ويُعرف ثقافيا بالواكس الإفريقي. ويقول الزيواني إنّ ما دفعه للكتابة عن «الطانفا»، رؤيته لبعض الأفارقة بموسم الحجّ يدخلون المشاعر المقدّسة برداءات جماعية منه، «حتى أصبح هويّة للأفارقة» عبر العالم.

كشف الصدّيق حاج أحمد الزيواني عن روايته الجديدة «الطانفا، أسطورة الواكس الإفريقي»، الصادرة عن دار النشر «دواية». وأفاد الزيواني بأنّ الرواية تتناول ثيمة الهويات الإفريقية، ومن بينها هوية لباس الشمع الإفريقي، المعروف شعبيا بالطانفا، أو ما بات يُعرف ثقافيا بالواكس الإفريقي.
وعن الدافع وراء اختيار هذا الموضوع، يقول الزيواني: «صحيح أنّي رأيتُ منذ الطفولة، غزو هذا القماش من جهة إفريقيا الجنوب، مع تجّار تمور قصرنا لبلاد السودان، وتكرّس هذا الاعتقاد وفاض، خلال رحلاتي المتكرّرة لتلك البلدان، جنوب الصحراء الكبرى؛ غير أنّ الذي جعل وعيي الكتابي، يتحرّك ويستفزّني حقّا، للكتابة عن هذه الهوية، هو رؤيتي لبعض الأفارقة بموسم حجّ 2023، وهم يدخلون المشاعر المقدّسة، برداءات جماعية من ذلك اللّباس الملوّن الصارخ في لونه وتشكّلاته، حتى بات هويّة، ليس للأفارقة بأوطانهم؛ إنّما بالشتات الإفريقي، كالكاريبي، وغيره من أماكن العالم».
وأضاف الزيواني أنّ هذه القماش «الهويّة» في الحقيقة صناعة استعمارية، تفطّن لها الاستعمار الهولندي خلال استقطاب بعض الأفارقة للعمل بمستعمرة إندونيسيا، وعند نهاية فترة عملهم هناك، نظر بعضهم لشراء بعض الأفراح لعوائلهم، التي غابوا عنها سنوات، فوجدوا في «الباتيك» الإندونيسي المزخرف أحسن هدية لذويهم. وقد لفتَ انتباه الهولنديين السرور الفيّاض الذي استُقبلت به تلك الهدايا القماشية، فحملهم الاستغلال التجاري والثقافي على الاستثمار في صناعة هذا اللّباس.
ويقوم تاجر تمور تواتي من صحراء الجزائر، يُدعى «بوشكارة» (أطلق عليه هذا الاسم لكثرة غرامه بأكياس تمور الحلفاء وروائحها الملازمة له) خلال نهاية الخمسينيات، بالمغامرة في رحلة تجارية استكشافية عبر شاحنة مُكتراة أولا، فيجد بسوق «غاوْ» صدق المثل الشعبي «دوا الجرب القطرانْ، ودوا الزّلط السودانْ»، حتى أصبح له تسبيح من شاحنات هذا المسلك، ويُكلّف بعد استقلال مالي سنة 1960، من طرف قاعدة الجبهة الجنوبية بغاوْ، بوصل بريدها، وضخّ السلاح منها في براميل المازوت، لنقطتها بأدرار جنوب الجزائر، ويسير الحال به لأن يصبح من عليّة القوم هناك، فيفتح مغازات بيع التمور بالجملة بأسواق مدينة «مَرادي» جنوب النيجر، المتاخمة لحدود نيجيريا، وأخيرا يفوز بعقد حصري مع شركة هولندية هي ماركة عالمية لإنتاج الواكس الإفريقي، المنسوخ من الباتيك الإندونيسي.
في غمرة هذه الأحداث، ينسى صاحبنا أهله وأولاده بتوات، ويتزوّج موريتانية باهرة الجمال، مزواجة، اشتُهرت بصيد التجّار وأرباب الأموال بتلك الديار، لا تطهي، ولا تغسل، جلوسها أكثر من سيرها ووقوفها، العمل الوحيد الذي تحبّه، وتتفنّن فيه؛ إقامة طقوس الشاي، وقد تنازعت مع نفسها مرارا، للتنازل عن طقسها عزّة وتكبّرا، ولم تجد فكاكا، لكونها تراه مشهدا، من مشاهد زينتها وسلطتها، يصير بعدها تاجرنا، عودا في كلّ شيء، معدما حتى في قوت يومه، ليجرّ خلفه أذيال الخيبة، ويعود لأهله بتوات، من فضلة أحد المحسنين، رقّ لحاله، فصرف له ثمن رحلته وعولتها لتوات، وثمّة تبدأ الحكاية..
للتذكير، الصدّيق حاج أحمد وشهرته «الزيواني» من مواليد ديسمبر 1967 بأدرار، كاتب وروائي، وأستاذ الأدب العربي بجامعة أدرار. صدرت روايته الأولى «مملكة الزيوان» عام 2013، ثم أصدر رواية «كاماراد: رفيق الحيف والضياع» (2015). وفي 2023، احتلت روايته الثالثة «مَنّا.. قيامة شتات الصحراء» المرتبة الثانية بجائزة البوكر العربية في طبعتها 16. كما للبروفيسور الصديق حاج أحمد مجموعة إصدارات أخرى في مجال الدراسات والأبحاث وأدب الرحلة، من بينها «التاريخ الثقافي لإقليم توات»، و»الشيخ محمّد بن بادي الكنتي: حياته وآثاره»، و»رحلاتي لبلاد السافانا: النيجر، مالي، السودان».
وقد ارتبط اسم الزيواني بـ»أدب الصحراء» وتوظيف التراث الإفريقي. وفي دراسته رواية «كماراد رفيق الحيف والضياع» (نموذجا لأطروحة الدكتوراه حول توظيف التراث الإفريقي في الرواية الجزائرية المعاصرة)، وجد عبد الرحمن فاطمي (جامعة غرداية) أنّ الحاج أحمد الزيواني سعى إلى تأصيل الرواية الجزائرية المعاصرة عن طريق توظيف التراث المادي وغير المادي لإفريقيا، ودلّ توظيفه للتراث على إحساسه بأهمية الانتماء للقارة السمراء وللبعد الصحراوي الراسخ في نفس وشخصية الزيواني. ولم ينصرف اهتمامه نحو التراث الإفريقي ككلّ، بل اختار تفاصيل منه، كما اتخذ من الشكل التراثي أداة للتعبير عن مخلّفات الحضارة الجديدة، التي تحمل الكثير من القضايا المشابهة لقضايا التراث كالظلم، والبحث عن الحرية، «فجاءت الرواية بذلك محكومة بثنائية القديم والجديد».

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19585

العدد 19585

الأربعاء 02 أكتوير 2024
العدد 19584

العدد 19584

الثلاثاء 01 أكتوير 2024
العدد 19583

العدد 19583

الإثنين 30 سبتمبر 2024
العدد 19582

العدد 19582

الأحد 29 سبتمبر 2024