تمثـّل تقنية جزائرية فريدة

’’كيالـة الـفقارات’’.. موروث يحتاج التــّثـمـــين

تعتبر حرفة كيالة الماء (قياس كمية الماء) الفقارات، المدرجة ضمن قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) للتراث الثقافي اللامادي، تقنية قديمة فريدة من نوعها في توزيع حصص مياه الفقارات الموجهة لسقي بساتين النخيل وواحات توات وقورارة وتديكلت بولايات أدرار وتيميمون وعين صالح، تستدعي بذل المزيد من الجهود لتثمينها وحمايتها.
وفي هذا الجانب، دعا قابة أبا الحاج، كيال ماء من بلدية أولف (شرق ولاية أدرار)، إلى “تعلم هذه الحرفة العريقة المتوارثة عن الأسلاف منذ الصغر”، والحفاظ عليها ونقلها للأجيال من أجل تثمينها وحمايتها من الاندثار، باعتبارها ‘’حلقة مهمة في تسيير نظام السقي التقليدي بالفقارة بالجنوب الكبير’’.
من جانبه، أشار كيال ماء الفقارة، أحمد غانمي، إلى أنه يعد من بين الشباب القلائل الذين حملوا مشعل هذه الحرفة ببلدية بودة (غرب عاصمة الولاية)، بعد أن تعلم قواعدها وأصولها من والده، إلى جانب كونه أحد المستفيدين من دورة تكوينية في اختصاص صيانة الفقارة نظمت بمركز التكوين المهني ببلدية تيمي، قبل ثلاث سنوات.
ووجّه غانمي بالمناسبة رسالة إلى الشباب من أجل التشبث بهذا الموروث اللامادي ولو من باب المعرفة لأنه ـ يقول ذات المتحدث - “يعكس عبقرية الأجداد ومهاراتهم في إقامة نظام محكم ودقيق في كيل ماء الفقارة وحساب حصص ملاك الفقارة من الماء بالعدل وبوسائل تقليدية بسيطة، إلى جانب خبرتهم في توثيق هذه الحسابات في وثيقة مدونة تسمى الزمام تتداول بين الكيالين وملاك ورؤساء جمعيات الفقارات، والتي يمكن اعتمادها كأرشيف يؤرخ لكل فقارة منذ نشأتها، ومن تعاقبوا على استغلالها وحتى البساتين التي كانت تسقيها’’.
بدوره، أكد الشيخ الإمام الحاج محمد باعمر، وهو أحد القائمين على مهنة كيل ماء الفقارة بإقليم توات أن ‘’كيال الماء هو شخص محوري في تسيير نظام السقي التقليدي بالفقارة، نظرا لمسؤوليته الحساسة في حفظ حقوق ونصيب كل المساهمين في ملكية ماء الفقارة’’.
وتابع إن ‘’مهنة كيال الماء لا يمكن أداؤها إلا بوجود أشخاص مساعدين يقومون بمهن لا تقل أهمية عنها، مشكلين بذلك طاقما متكاملا للقيام بكيل ماء الفقارة’’.

تكوين جيل جديد من كيالي الماء..ضرورة

 تشمل تلك المهن الأخرى - حسب الحاج محمد - كلا من “الوقاف” وهو القائم على شؤون أشغال كيل الماء، وينظم العمال ويصرف أجورهم إلى جانب “الحساب أو الزمام أو الشاهد”، وهو بمثابة مدقق الحسابات الذي يضبط عمل الكيال ويزوده بالحسابات الدقيقة لنصيب ماء الفقارة، مشيرا إلى أن الحساب يتفرع عنه حسابون معنيون بمجاري وسواقي المياه المتفرعة عن “القسرية” التي يبدأ منها توزيع مياه الفقارة.
وكان باحثون وممثلو هيئات وجمعيات مهتمة بتسيير مياه الفقارة، قد دعوا في لقاءات عدة إلى ضرورة تثمين مهنة كيال الماء، كمهنة أساسية في تسيير استغلال مياه نظام السقي التقليدي بالفقارة.
كما أكّدوا على إعداد نصوص تنظيمية تمنح الكيال بطاقة حرفي ليحظى بالحقوق التي يكفلها النظام القانوني المتعلق بالحرفي، والترويج لمهنة كيال الماء عبر إقامة لقاءات علمية، وكذا تأسيس نوادي ثقافية تهتم بتقنية كيل الماء تحت إشراف أصحاب المهنة، وذلك بغية نقل المعارف والخبرات المكتسبة للأجيال وللمهتمين بهذا المجال، وطالبوا بأهمية برمجة دورات تكوينية حول تقنية “كيل الماء” للحفاظ على هذا الموروث الثقافي، وإعداد برنامج لتكوين جيل جديد من كيالي الماء وتحديد مختلف العلوم المرتبطة بالفقارة ونظام السقي التقليدي، علاوة على العمل على إقامة أحزمة خضراء لحماية نظام الفقارة من زحف الرمال. 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19558

العدد 19558

السبت 31 أوث 2024
العدد 19557

العدد 19557

الخميس 29 أوث 2024
العدد 19556

العدد 19556

الأربعاء 28 أوث 2024
العدد 19555

العدد 19555

الثلاثاء 27 أوث 2024