أكد الباحث حبيب مونسي، ان النص العربي يعيش غربته الاختيارية نتيجة عوامل تاريخية وأخرى سوسيو- اجتماعية، إلى جانب عوامل أخرى لعل أبرزها عنصرين أساسيين وهما فقدان الموضوع المرتبط بالمشروع. ومعنى ذلك أن الذي يكتب الرّواية لا يكتبها انطلاقا من مشروع يسطّره لنفسه، انطلاقا من رؤية فكرية، ومنهجية محدّدة، ناتجة عن طول تفكير ودراسة وتدبّر، وإنّما تُكتب النّصوص اليوم استجابة لنزوة أو للحظة، أو لطارئ جديد على السّاحة يُلفت انتباه الناس إليه.
أوضح أستاذ الأدب العربي، بجامعة سيدي بلعباس، البروفيسور حبيب مونسي، في تصريح لـ «الشعب» ان غربة النصوص في الأدب مثلها مثل بقية الفنون الأخرى، بحيث «لا يتحرك المبدع إلاّ داخل رؤية يؤطِّرها مشروع فكري يؤمن به المبدع، ويسعى إلى تجسيده في أعماله أي كان وسيط تلك الأعمال «مسرحا، رواية، أو شعرا»، وهي بحسب المتحدث، السّمة التي تحدّد سمة المبدع، والتي تعطي للأعمال الإبداعية خطها المعروف في نسق النّقد ونظريات الإبداع».
في ذات السياق، يقول مونسي، إن العامل الثاني يتمثل في فقدان الرؤية المرتبطة بالمستقبل «إذ ليس الإبداع نص نكتبه ليوضع في كتاب ثم يرفُّ في رفِّ المكتبات وينتظر قارئا محتملا قد يأتي ولا يأتي «وإنّما النّص -بحسب المتحدث- يكمن في رؤية فيها للمستقبل حظ كبير ترغم القارئ على الإتيان إليها، لما فيها من جدّة وطرافة ومغامرة واجتهاد فإذا عثر القارئ على ذلك النّص فإنّه سيتشوَّق إلى سُلالته من النصوص التي تأتي من بعده لتوّسع الفكرة، أو تذهب بها مذاهب أخرى بمثل هذا الفهم كان النّاس يقرؤون أعمدة الصّحف كلّ أسبوع ويتابعونها، لأنّها تأتي بذلك المُنْتَظر الجديد الذي ينير المستقبل، ويصحّح الماضي».
وقال أستاذ النقد بجامعة سيدي بلعباس ان النص العربي بافتقاده لهذين الشرطين فقد افتقد للطّرافة، الجدة والاستمرارية وحينما نقرأ نصوص الرّوايات التي كتبها العربي، نجد أنها قدَّمت لنا في تسعين بالمائة من نصوصها، مجتمعات ساكنة، وأفكار بالية ورؤى تنتهي عند عتبة البيوت ولا تتخطى طرقات القرى والمداشر.
وبحسب المتحدث كانت تلك هي جناية النظرة الاجتماعية المبنية على مزاعم «الواقعية « ومنهجها في الإبداع التي حبست النّاس في طقوسهم.
في الأخير عاد حبيب مونسي مستشهدا بالرومانسية حينما منحت الإنسان الغربي قدرا من الخيال ونفخت فيه قدرا مماثلا من روح المغامرة ودفعت به إلى أشرعة السفن ليخوض زبد البحار إلى عوالم أخرى أكثر غرابة، وضوءا وجمالا، وبحسبه ما فعله الاتجاه الواقعي كان انتكاسة في الروح والخيال والتَّوثُّب وإقرارا لحال الفقر، والعوز، والتّبعية واليوم يكتب الإبداع العربي خيبته على جميع الأصعدة مستسلما، متخاذلا إلى حدّ التطبيع الأدبي مع المستعمر أولا ثم التّصهين مع الكيان الصهيوني كعلامة للتميّز والجرأة البائسة!