استشراف

الشّــرق الأوسـط والتّسلّح النّووي القـــادم

وليد عبد الحي

ينفرد الكيان الاستيطاني الصّهيوني في فلسطين بامتلاك السّلاح النّووي دون كافة دول الشرق الأوسط، بل أن أي محاولة لامتلاك هذا السلاح من غير الكيان الصهيوني يواجه بمعارضة من اليسار واليمين الدولي، والتجربة العراقية والليبية والايرانية والتجسس سابقا على الجزائر ومصر تقدّم شواهد ميدانية على ذلك.
ومع أنّ إسرائيل ليست عضوا في وكالة الطاقة الدولية، ولا تسمح بالتفتيش، وكل الشّواهد الميدانية والوثائق المختلفة تشير إلى أنّ إسرائيل تمتلك كل المحرمات الدولية من أسلحة دمار شامل (نووي، كيماوي وجرثومي)، كما أنها من ضمن آخر نقاط الاستعمار التقليدي والاستيطاني في العالم، وهي من ضمن أكثر دول العالم ميلا للدبلوماسية السرية والتجسس حتى على أكثر حلفائها موثوقية...ورغم أنّها تمتلك ما بين 90 إلى 400 رأس نووي، وأنّ 20 إلى 40 عالما نوويا يهوديا روسيا هاجروا لفلسطين بين 1990 إلى 2000، وأنّها صاحبة أعلى معدل إدانة في هيئات الامم المتحدة، وأنها ضمن أهم مراكز غسيل الأموال عالميا، إلا أن العالم استسلم لها وأصبحت استراتيجيتها القائمة على «الغموض الاستراتيجي» هي الأوضح بين الاستراتيجيات الدولية، ولم تتعرّض لأي نوع من العقوبات بل أصبحت ضمن دول «وضع مصفوفة القيم السياسية للعالم» ولو من وراء حجاب. ويبدو أن إيران تحذو حذو اسرائيل في موضوع «الغموض الاستراتيجي»، فالعالم يتعامل مع إسرائيل كدولة نووية وهي تنفي أنها نووية، وإيران تريد أن يتعامل معها العالم كدولة نووية دون أن تعلن هي ذلك، وهنا تكمن الحيرة الاسرائيلية.
ولكن هناك مشهد آخر لا بد من التنبه له، وهو انتشار السلاح النووي في العالم، ولن ينجو الشرق الاوسط من هذا الاتجاه طالما أن إحدى دول الاقليم امتلكته.
لقد كانت الولايات المتحدة أول من امتلك السلاح واستخدمته عام 1945، ثم بدأ الانتقال للسلاح على النحو التالي:
الولايات المتحدة 1945
الفترة الفاصلة عن الدولة السابقة :
4 سنوات / الاتحاد السوفييتي (1949)؛
3 سنوات / بريطانيا (1952)؛
8 سنوات / فرنسا (1960)؛
4 سنوات / الصين (1964).
ثم بدأ الانتقال للسلاح النووي الى الدول النامية وبفترة أطول قليلا من معدل انتقالها بين الدول العظمى على النحو التالي (الفترة قياسا للدولة السابقة):
2 سنة / إسرائيل (1966)؛
8 سنوات / الهند (1974)؛
5 سنوات / جنوب إفريقيا (1979) (تخلت عنها عام 1990)؛
19 سنة / باكستان (1998)؛
8 سنوات / كوريا الشمالية (2006).
ذلك يعني انه خلال الفترة من 1945 إلى 2020 تزايد عدد الدول النووية بمعدل تزايد يساوي دولة جديدة كل 6.7 سنة، لكن معدل الانتشار بين دول الصف الثاني هو 8.4 سنوات، أي الانتقال يزداد تعقيدا بمعدل 25.4 %، وهو ما يعني أن الوافدين الجدد الى النادي الدولي سينضموا استنادا للمعادلة التالية:
2006 (امتلاك كوريا الشمالية كآخر الممتلكين للسلاح) + 8.4 سنة (معدل الانتقال بين دول الصف الثاني) = ما بين 2014 و2015، فهل هي مصادفة أن موعد عقد الاتفاق النووي مع إيران ومجموعة (5 + 1) كان عام 2015؟ لا بد من التأمل في المسالة.
من جانب آخر، كانت تجربة الهند وباكستان تشيران الى ان العقوبات والتهديد لن يجدي في منع الدول المصممة على الامتلاك من تحقيق هدفها، ويبدو أن الاتفاق النووي الدولي مع ايران جاء بعد اقتناع الدول الكبرى ان ايران ذاهبة في طريقها، والانسحاب الأمريكي كان يستهدف استفزاز ايران للانسحاب من الاتفاق بشكل يهيئ المسرح الدولي لعقوبات جماعية واسعة على ايران، لكن لاعب الشطرنج الايراني أدرك «الخطوة الأمريكية» فتشبّث بالاتفاق حتى هذه اللحظة.
وتحاول الإدارة الديمقراطية الجديدة أن تعود دون الظهور بمظهر المذعن، وحتى لو عاد الأمريكيون إلى الاتفاق، فإن ذلك مرتبط برفع العقوبات وتسوية المشاكل العالقة بين الطرفين في موضوعات ثنائية وإقليمية بل ودولية، وعليه لا نرى حلا لموضوع العودة للاتفاق إلا بإعلان مشترك عن «رفع العقوبات عن ايران» بتزامن واحد «مع تخلي طهران عن العودة لتطوير برنامجها والالتزام بالاتفاق»، أي أن تعلن البلدان عن عودة امريكية للاتفاق في نفس الوقت الذي تعلن فيه ايران وقف أو «تجميد» تجاوزها الحالي والمحتمل مستقبلا لبنود الاتفاق، وإلا فإنّ احتمال امتلاك ايران للسلاح النووي - طبقا لمعادلتنا السابقة - سيكون بين 2024 و2025.
وهنا يبرز السؤال الأكثر أهمية، وهو رد الفعل الإسرائيلي على «تسوية موضوع الاتفاق النووي بالعودة الأمريكية له»، وهو أمر لم أجد أي مسؤول إسرائيلي أو أي مركز أبحاث إسرائيلي يقبله، ممّا قد يعيد اسرائيل الى استراتيجية «الدولة المجنونة» التي طرحها في سبعينات القرن الماضي البروفيسور الاسرائيلي يحزقئيل درور، الذي عمل مستشارا للتخطيط في وزارة الدفاع الاسرائيلي، في دراسة عنوانها (Yehezkel Dror- Crazy States: A Counter Conventional Strategic Problem., New York:1971)
ولكن ما هي مؤشّرات الدولة المجنونة عند «درور»:
أ‌ - السعي لتحقيق أهداف مؤذية لدول أخرى؛
ب‌ - التأكيد على الالتزام القوي بتلك الأهداف؛
ت‌ - الاحساس بالتفوق القيمي على الآخرين حتى لو كان ذلك يتناقض مع المعايير الدولية؛
ث‌ - الاعتقاد بالقدرة على اختيار الأدوات الأنسب لتحقيق تلك الأهداف؛
ج‌ - العمل على توفير امكانيات خارجية تساعد على تحقيق الأهداف؛
ح‌ - لا يبالي صنّاع القرار فيها الموازنة بين المكاسب والخسائر في ادارة الصراع.
ويعطي درور أمثلة على الدول المجنونة مثل: ليبيا القذافي، إيران الخوميني، أوغندا عيدي أمين، بينما في الحركات السياسية، يرى أنّها تتمثل في منظمة التحرير الفلسطينية، الجيش الجمهوري الايرلندي، الجيش الأحمر الياباني…إلخ.
** يتبع **  

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024