الجزائـر - سلوفينيا.. آفـاق جديـدة للتعاون الاقتصادي

الرؤية الجزائرية تتأسّس على السيادة والفعالية والثقة

علي مجالدي

 توافـق سياسي شامل وإرادة مشتركة لتعزيز التعاون الثنائي

توجّه متبـصر يقـوم على توسيع قاعدة الشراكات خارج الدوائر التقليدية

 في زمن تشهد فيه العلاقات الدولية تصدّعًا في التكتلات التقليدية وتناميًا ملحوظًا في الحركية الجيوسياسية، تعيد الدول الصاعدة تموضعها وفق رؤية أكثر استقلالية ومراهنة على تنويع الشراكات وتعميق العلاقات الثنائية متعددة الأبعاد. والجزائر في هذا الإطار، بقيادة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، لم تكن بمنأى عن هذه التحولات، بل اختارت أن تصوغ مقاربتها الخارجية على أساس سيادة القرار الوطني وفعالية المبادرات الواقعية التي تُفضي إلى بناء تحالفات متوازنة تتجاوز الاصطفاف الكلاسيكي وتفتح آفاقًا جديدة للتعاون الاقتصادي والتقني والطاقوي.

تكرّس زيارة الدولة التي قادت رئيس الجمهورية إلى جمهورية سلوفينيا، هذا التوجه السياسي المتبصر الذي يقوم على توسيع قاعدة الشراكات خارج الدوائر التقليدية، واستثمار المساحات الجغرافية الصاعدة في أوروبا الوسطى والشرقية كمنصات بديلة لبناء علاقات رابح- رابح، تُدار بموجب المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.

توافق سياسي وإرادة مشتركة للتقارب

وحظيت الزيارة التاريخية باهتمام رسمي وشعبي من الجانب السلوفيني، حيث شملت محادثات رفيعة المستوى جمعت الرئيس تبون بنظيرته السيدة ناتاشا بيرتس موسار، إضافة إلى رئيس الوزراء روبرت غولوب، حيث تناولت سبل تعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات.
وفي ندوة صحفية مشتركة، أكد رئيس الجمهورية وجود «توافق تام بين الجزائر وسلوفينيا في مختلف الملفات». موضحًا أن «الجزائر بلد موثوق ومستعد لتلبية طلبات سلوفينيا في مجال الغاز، ولا يمكن لبلادنا أن تتأثر بأي تغييرات مستقبلية».
ويعكس هذا التأكيد من جهة، الثقة التي أصبحت تحظى بها الجزائر كمزود استراتيجي للطاقة في ظل الأزمة الأوروبية المتواصلة. ومن جهة أخرى، نضج المقاربة الجزائرية في التعاطي مع الشركاء الأوروبيين من موقع الندّ لا التبعية. وقد تجسد هذا التوافق بشكل أوضح في توقيع اتفاقية جديدة بين سوناطراك وشركة Geoplin السلوفينية لرفع حجم صادرات الغاز بداية من 2026.
في سياق متصل، أشرف رئيس الجمهورية رفقة نظيرته السلوفينية على افتتاح أشغال منتدى رجال الأعمال الجزائري– السلوفيني في العاصمة ليوبليانا، بحضور وفدين رسميين ورجال أعمال من الجانبين.
وفي كلمته، أعرب رئيس الجمهورية عن عدم رضاه عن مستوى التبادلات الاقتصادية، رغم «أن العلاقات السياسية بين البلدين على أحسن ما يُرام»، واصفًا العلاقات الاقتصادية بأنها «ضعيفة ولا تعكس القرب الجغرافي والتقارب الثقافي بين البلدين».

التعاون مع البلد الصديق ليس له حدود

ودعا الرئيس تبون إلى ضرورة «تجسيد علاقات اقتصادية قوية جدًا مع سلوفينيا»، مؤكدًا أن «التعاون مع هذا البلد ليس له حدود»، ويمكن أن يشمل مجالات واعدة مثل الذكاء الاصطناعي، التعليم العالي والبحث العلمي، تحلية المياه، الفضاء، المناجم والصناعة الصيدلانية. وأضاف، أن «سلوفينيا بلد يُحتذى به في هذه المجالات»، مشددًا على أن رجال الأعمال من البلدين يجب أن يكونوا في صلب هذا التحول، باعتبارهم الفاعلين الرئيسيين في تنزيل الشراكة من المستويين السياسي والدبلوماسي إلى الواقع الاقتصادي.
علاوة على ذلك، أعلن رئيس الجمهورية عن اتفاق لتبادل الخبرات بين رجال الأعمال الشباب في قطاع المؤسسات الناشئة، وهي خطوة استراتيجية تعكس الرغبة في الاستثمار في الطاقات الشابة، وبناء تعاون مستقبلي مستدام يرتكز على الابتكار والاقتصاد المعرفي.
ولم تغب الأبعاد الإقليمية والقارية عن خطاب رئيس الجمهورية، الذي ذكّر بأن الجزائر تُعد اليوم ثالث أكبر اقتصاد في إفريقيا، وتطمح لبلوغ المرتبة الثانية، مؤكدًا أن الجزائر هي الدولة الإفريقية الوحيدة التي ليس عليها مديونية خارجية، وهو «مؤشر قوي على متانة الاقتصاد الوطني». ويندرج هذا التصريح في إطار سعي الجزائر لفرض نفسها كقطب إقليمي موثوق وقادر على تقديم شراكات متوازنة لدول الشمال، بعيدًا عن معادلات الهيمنة.
في نفس السياق، شدد رئيس الجمهورية على أن الجزائر «تملك شبابًا مثقفًا وطموحًا»، مما يعزز فرص نجاح التعاون مع دولة مثل سلوفينيا، التي وصفها بأنها «بلد الذكاء»، وهذا الربط بين الطاقات البشرية الجزائرية والتجربة السلوفينية في المجالات التقنية والعلمية، يعكس إدراكًا سياسيًا عميقًا لحتمية ربط التنمية الاقتصادية بالتحول التكنولوجي والمعرفي.

تطابق في الرؤى حول القضايا الدولية

إلى جانب التعاون الثنائي، تطرقت المحادثات الجزائرية- السلوفينية إلى قضايا دولية ذات الطابع الإنساني والسياسي، حيث ثمّن الرئيس تبون مواقف سلوفينيا «الشجاعة والنزيهة تجاه القضية الفلسطينية»، مذكّرًا بأنها أول دولة أوروبية تعترف رسميًا بدولة فلسطين، وهو ما اعتبره «شرفًا كبيرًا» لسلوفينيا.
كما نوّه بموقفها من قضية الصحراء الغربية، الداعي إلى حل متوافق عليه تحت إشراف الأمم المتحدة ويضمن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
وفي المحصلة، تعكس زيارة الرئيس تبون إلى سلوفينيا تحولًا نوعيًا في مسار العلاقات الجزائرية الأوروبية، وتكرس رؤية سياسية تقوم على بناء شراكات متعددة الأبعاد ومتكافئة، تحترم السيادة الوطنية وتعزز المصالح المتبادلة. وتعد زيارة ناجحة بكل المقاييس السياسية والاقتصادية والدبلوماسية، وفتحت آفاقًا جديدة لتعاون لا تحدّه الجغرافيا، بل تحركه الإرادة السياسية والعمق التاريخي والتكامل الاقتصادي.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19773

العدد 19773

الخميس 15 ماي 2025
العدد 19772

العدد 19772

الأربعاء 14 ماي 2025
العدد 19771

العدد 19771

الثلاثاء 13 ماي 2025
العدد 19770

العدد 19770

الإثنين 12 ماي 2025