الباحثة ربيحة حدور لـ «الشعب ويكاند»:

المطلوب إعادة تفكيك وقراءة المفاهيم النسوية

حوار: فاطمة الوحش

 المشكلة ليست في إفهام الآخر بقدر ما هي في صعوبة التقبل

«الجندر» مصطلح لا مفهوم له في المقررات القانونية

اقتربت «الشعب ويكاند» من الكاتبة والباحثة ربيحة حدور لتحدثنا عن اهتماماتها البحثية والكتابية عن مفاهيم النسوية وسؤال الجندر في الثقافة العربية، حيث ترى الباحثة أن هذه الأسئلة هي مدار الخطابات الفكرية والأدبية، نافية تحميل هذه المفاهيم أكثر من طاقتها، بل بالقدر التي تستجيب للتماثل مع ثقافتنا.
ربيحة حدور باحثة دكتوراه في السرديات وتحليل الخطاب، تشتغل على الرواية النسوية الجزائرية والجندر، لها روايتان: «أنا لست رجلا» و»عقم شرف» وكتاب «إكراهات الجندر».


 - الشعب ويكاند: أصبح من الجلي اهتمامكم الواضح بالجندر والنسوية في الرواية الجزائرية بعد إعلانكم عن كتاب (إكراهات الجندر - منشورات دار خيال) وإشرافكم على (الرواية النسوية في الجزائر، النص والتأويل استكتاب جماعي عن دار ومضة)، لكن هذين المصطلحين الجندر والرواية النسوية ملتبسان على الفهم. هلا قدمتِ لنا مفهوما واضحا لهما؟
 ربيحة حدور: أولا، أشكركم جزيل الشكر على الاهتمام بالأمور النقدية والفكرية.
نعم هذان المفهومان مضطربان لأسباب كثيرة تتعلق بالترجمة وفهم الباحثين المختلف له، إضافة الى غياب سياق مرجعي لهما.
النسوية منفصلة عن الأدب، وهي حركة فكرية وسياسية واجتماعية نادت إلى مساواة المرأة بالرجل في الحقوق، كالانتخاب والتعلم والعمل وناقشت وجود نظام هيمنة اجتماعي مطبع ومنمط استفاد فيه الرجل من مكانة عليا، مقابل تدني مكانة المرأة وهي في الوقت الحالي أقرب إلى نسوية فلسفية تفكيكية تراجع الكثير من المسلمات التي أعتقد بكونها أمرا طبيعيا ومن ذلك مفهومي الذكورة والأنوثة. وحين تستثمر الرواية النسوية أطروحات الفكر النسوي وتدرجها بشكل عميق، ينبئ عن تأثر الكاتب أو الكاتبة به، فسنتحدث عن رواية نسوية؛ بمعنى أن تصنيف الرواية على أنها نسوية يتأتى من داخل النص لا من جنس الكاتب، فقد تكتب المرأة رواية ولا تكون نسوية.
أما الجندر، فهو مصطلح لا مفهوم له في المقررات القانونية، يحمل وجهان إيجابي، إن اعتبرناه أداة ونظرية اجتماعية لدراسة التمييزات الاجتماعية والثقافية التي وقعت تاريخيا وامتدت على أنها معطيات طبيعية، في حين أنها معطيات ثقافية قابلة للتغيير. ففي فترة ما، كان الكعب العالي للرجال النبلاء الفرسان ولم يكن للمرأة. لكن وقع تحوير اجتماعي جعل هذا المعيار يصبح كأنه معطى ثابتا اليوم بانتعال المرأة له. الجندر في هذه الحالة، يشير إلى وجود تنشئة اجتماعية وصور نمطية تكرس للتمايز، ثم للتمييز ضد المرأة والذكر المعطوب والمريض، ويتجذر مع العرق والطبقة، أي أن الجندر ليس مرتبطا بالمرأة وحدها، بل بالإقصاءات المتشكلة ضد الضعيف اجتماعيا وهو ما يجب أن نكتفي به.
أما الوجه الثاني السلبي للجندر، هو ما وصل إليه من تفكيك إيديولوجي غربي، حين استبدلت المواثيق الأمريكية الأبوين بالشريكين، وأقحمت مصطلحات مثل العائلة من الأبوين المثليين.
هنا يصبح الجندر أداة تفكيكية إيديولوجية في نظر بعض الفئات التي تريد الإقناع بأن مادامت الذكورة والأنوثة معطيين ليسا بيولوجيين، فيمكن للمرأة أن تصبح رجلا وهذا ما يسمى استغلالا لمفهوم الجندر الإيجابي لتكريس استفادات سلطوية واجتماعية وسياسية.
- أقرنتِ مصطلح الجندر بإكراهات، ثم العنوان الكامل هو إكراهات الجندر وانفلاتات الذاكرة في رواية «قلم مريض نفسي»، ماذا يعني ذلك؟ وهل هي مقاربة سوسيولوجية كاملة للعمل؟
 العمل عبارة عن دراسة تطبيقية للرواية بتوظيف أربع مقاربات (السيميائية، البنيوية، الأركيوليوجية، والسوسيوثقافية)، تتعلق كلها بمحورين هما: الإكراهات التي يخلفها الجندر كنوع اجتماعي عند السارد وعواقب ذلك على مستوى استدعاء الذاكرة كفعل ثم كخطاب مدون من طرف الراوي الكاتب/الشخصية أسامة، ثم ما ينفلت عن خطاب الذاكرة من مضمرات اجتماعية وترسبات لاواعية ذكورية.
ويبقى العمل محاولة جادة في إطار مشروع أكبر يهدف إلى التخلي عن التنظير لصالح التطبيق ويفيد بدرجة ما الباحثين عن دراسات تطبيقية.
- يشير الكثير إلى رفضهم مصطلح الجندر ويعدّونه محاولة لتطبيع التفكير الشاذ والميول غير السوية. ما قولكِ في هذا؟
 إن أيّ نظرية غربية بالنسبة للعرب مشكوك فيها وهو طبع سلبي لا يمكن تغييره. ينظر الجميع إلى الغرب بنظرة ريبة، ثم يتلقون كل شيء بشكل أو بآخر.
إنني حين أبحث في موضوع الجندر أو النسوية، لا يعني أنني أدعو إلى ما يدعو إليه الآخرون، بل أميط اللثام عن ظواهر موجودة فقط. إن من يرفض نظرية الجندر يرفض أيضا أن يأخذ منها ما يناسب ثقافتنا. ما تحمله هذه النظرية هو إجراءات تفكيكية عميقة ومن الصعب الحديث عن تفكيك الوعي لدى المجتمع العربي الذي تميل بنيته الفكرية إلى السكونية والركود، كما يصفه أدونيس.
الأمر يحتاج أولا تقديم النظرية بشقيها السلبي والإيجابي، لأنه حين يخفي الباحثون وجهها السلبي سيجد الباحث الآخر نفسه في مفاهيم غير متماثلة وانتقائية مع ما طرحه الباحثون العرب، مما يوقعه في اصطدام مع ذاته ومعاييره الدينية.
إنني ألح على وضع القارئ والمتلقّي في فهم كامل للنظرية، ثم الإشارة إلى ما يجب انتقاءه منها.
- هل تجد ربيحة حدور صعوبة في إفهام الآخر مبادئ هذه النظرية وما الرسالة التي توجهها للمتلقي؟
 في الحقيقة لا أجد صعوبة في إفهام الآخر، بقدر ما أجد صعوبة في تقبّل الآخر لها، حين أشير إلى أن تقسيم الألوان ليس معطى بيولوجيا طبيعيا، كتقسيم اللون الوردي للبنات واللون الأزرق للذكور، يتم فهمه على أنه دعوة للشذوذ، كأنه عيب أن يرتدي الرجل اللون الوردي، في حين أنا أشير فقط إلى أنها معايير اجتماعية تتخذ طابع الثبات والطبيعي دون أن تكون كذلك.
-  هل تأثرت بالفكر النسوي وهل تعتبرين نفسك نسوية؟
 إذا كنت تقصدين بالنسوية الدفاع كتابة عن حقوق المرأة وتفكيك نظام الهيمنة البطريركية لصالح التكامل والتعاون بين الجنسين، فأنا أؤيد هذه الأفكار.
أدعو كلا الجنسين إلى إبداء تنازلات، فيساعد الرجل في الإطار المنزلي، تماما كما تساعده المرأة في الفضاء الخارجي، وتتنازل المرأة مثلا عن تقييد الرجل بعادات ليست من جوهر الرجولة.
إن رجائي الآن، أن يعاد تفكيك وقراءة المفاهيم النسوية في حد ذاتها.
-  ماهي مشاريع ربيحة حدور ككاتبة روائية وباحثة؟
حاليا، شرعت في كتابة رواية ثالثة ستكون نسوية لا تهاجم الرجل، لكن تفكك مشاهد التمييز وخطابات الهيمنة. وأفكر في كتاب نقدي يدرس إشكالية الجسد الخنثوي وحضوره في الرواية العربية بشكل عام كامتداد لفكرة مقال كنت قد قدمته في ندوة لملتقى عن رواية شمس، خصوصا بعدما لاحظت أنه موضوع متناول من الناحية الشرعية الدينية ومن الناحية السوسيولوجية فيما لم أصادف بعد دراسات منفردة به.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024