الباحث في التاريخ رابح لونيسي لـ «الشعب»:

استحضار الذكرى لسد شرخ أراد به المتآمرون ضرب الوحدة

سهام بوعموشة

 زيغود منقذ الثورة وأرضية الصومام تفصيل لبيان أول نوفمبر

حذر الباحث والأستاذ الجامعي البروفيسور رابح لونيسي (جامعة وهران)، من حرب إلكترونية تستهدف ضرب التماسك الاجتماعي، داعيا الدولة للضرب بقوة كل من يحاول المساس بالوحدة الوطنية، مؤكدا في حوار مع «الشعب» بمناسبة يوم المجاهد، أن القيادة الجماعية هي عامل من عوامل البناء اليوم.

الشعب: نحيي الذكرى المزدوجة لـ20 أوت والجزائر تعيش ظرفا إقليميا ودوليا صعبا مع تكالب الأعداء عليها، ما هي القيم التي يمكن استخلاصها للحفاظ على وحدة الوطن؟
رابح لونيسي: نعرف أن الأمة الجزائرية قد تكونت وكان التحام كبير أثناء هذه الثورة يعني وصلت إلى الأوج، وبالتالي أكبر قيمة نستخلصها من هذه الثورة هو تشكل الأمة الجزائرية والتحامها، بل إن الجزائر رفضت آنذاك ليست فقط كوحدة الأمة بل وحدتها الترابية ونحن نعرف أن الجزائر قبلت مواصلة الحرب، ولا تتنازل عن جزء من ترابها الوطني وهي الصحراء. وبالتالي الوحدة الترابية ووحدة الأمة هي من قيم هذه الثورة.
ثانيا، أن جميع شهداء الجزائر اختلطت دماؤهم عبر التراب الوطني، هناك شهداء من منطقة سقطوا في مناطق أخرى عددهم كبير جدا.
ثالثا، نسمع حركة انفصالية في منطقة، لا أفهم كيف أن أجداد هؤلاء استشهدوا من أجل الجزائر الواحدة الموحدة وهم يريدون ليس فقط تفكيك وطن وأمة بل يضربون الوحدة الترابية.
أكثر من هذا، أن حركة «الماك» الانفصالية أصبحت عميلة يتلاعب بها الأعداء وخاصة المغرب والكيان الصهيوني. والجزائر اليوم أصبحت تواجه مؤامرات كبيرة جدا تأتي من المخزن منذ أن تحالف مع الكيان الصهيوني. ونحن نلاحظ منذ أن حط الكيان الصهيوني في المغرب الأقصى والجزائر تواجه تهديدات ومؤامرات، إلا الغبي الذي لا يفهم هذه اللعبة. وما يؤسف له، أن حركة انفصالية تظهر في منطقة أعطت الكثير للجزائر وشاركت في الثورة التحريرية، بل الكثير من قادتها كانوا قادة على مناطق أخرى والكثير من أبنائها استشهدوا في مناطق أخرى، والكثير من أبناء المناطق الأخرى استشهدوا في هذه المنطقة.
اليوم نلاحظ خروج جماعة لا نعرف كيف ظهرت وتحاول ضرب هذه الوحدة الوطنية وتفكك الأمة، بدعم من أعداء الجزائر وعلى رأسهم الكيان الصهيوني، وبالتالي لابد من استحضار هذه الذكرى وقيم الثورة بمناسبة ذكرى يوم المجاهد هجومات الشمال القسنطيني ومؤتمر الصومام، من أجل تمتين الوحدة الوطنية وإعادة بناء هذا الشرخ الذي أراد إحداثه هؤلاء المتآمرون على الجزائر.
وعلى الدولة أن تضرب بقوة كل من يحاول استهداف الوحدة، ونحن نعرف أثناء ثورتنا كيف كان المجاهد لا يسأل صديقه من أي منطقة هو آنذاك وإذا سأله يمكن ان يعدم، لكن أعتقد أن الدولة أخذت الأمور بيدها.

- ما شاهدناه من تلاحم الجزائريين خلال الحرائق التي مست منطقة تيزي وزو خاصة، يؤكد أن مبادئ أول نوفمبر نجحت في تعزيز الوحدة وأنه لا خوف بعد الآن على هذا الجيل؟.
 هذا التضامن يزعج الذين يتآمرون على الجزائر. نحن نعرف أن الجزائر، وقد قلتها عدة مرات، كانت تتعرض لحرب إلكترونية منذ سنوات، هذه الحرب الالكترونية تستهدف ضرب التماسك الاجتماعي في الجزائر. نحن نعرف أن هناك من كان يخون المنطقة ذاتها، نحن نعرف من هم هؤلاء كانت تحركهم أياد من الخارج.
نعلم بمؤامرة المغرب آنذاك يريد تضخيم حركة الماك بتلك التصرفات، يعني فعل ورد فعل والهدف من خلاله يتم ربطها بالصحراء الغربية، علما أنه لا يوجد أي تشابه بينهما، منطقة القبائل يمكن تشبه الريف المغربي أو أي منطقة في المغرب الأقصى.
ورأينا القنصل المغربي في الأمم المتحدة، كيف طرح مسألة خطيرة جدا لم تدر في أذهاننا كي نعرف أن تلك الحرب الإلكترونية كان هدفها تضخيم الماك في إطار فعل ورد فعل، أي أشتمك وأخوّنك وكرد فعل تطالب بالانفصال، لكن اليوم انكشف من وراء هذه اللعبة الخطيرة جدا التي تستهدف ضرب التماسك الاجتماعي وأخطر الحروب اليوم هي حروب الجيل الرابع والخامس.
وقد سبق أن حذرنا منها منذ بدايتها، بدون أن يخسروا جنديا، يضربون التماسك الاجتماعي بواسطة مواقع التواصل الاجتماعي، تبين للجميع ويبدو لي حتى الذين وقعوا في بعض الأخطاء، تبينوا أنها مؤامرة ضد الجزائر ولهذا اعتقدوا أنه أوتي أكلهم، لكن هذا التضامن أرهب أعداء الجزائر فلجأوا الى أساليب أخرى.
 فكان اغتيال الشهيد جمال بن اسماعين، الذي أعطى والده درسا في التضحية والوطنية، لأنه فهم اللعبة جيدا، في الوقت الذي كان يعتقد البعض أنه سيكون سببا في إشعال حرب أهلية لم تحدث عبر تاريخنا الطويل وليفهم الجميع لمَ يتقاتل الجزائريون فيما بينهم على أساس عربي وأمازيغي، وبالطبع هذه أكذوبة كبيرة ووهم عرقي، نحن كلنا جزائريون بعضنا ناطقون بالأمازيغية وآخرون بالعربية، وكلنا نلتحم في مواجهة العدو.
اليوم هي فرصة كبيرة أن نعمل من أجل تمتين الوحدة، خاصة هذا التضامن الكبير ولابد من الضرب بيد من حديد كل من تآمر على الجزائر، وأنا سبق أن قلتها إن هناك تواطؤا بين حركتي الماك ورشاد، هذا التواطؤ يتلخص في شتم منطقة القبائل وبمساعدة المغرب الأقصى والكيان الصهيوني وكرد فعل كي يتضخم الماك.
 وفي الأخير يعتقدون أنهم سيقيمون دولة للماك والآخرون سينجحون في مشروعهم الظلامي الإرهابي في 1991 الذي وقفت له الدولة والشعب الجزائري كرجل واحد، وبالتالي هناك مشروعان والدليل اليوم تواطؤ هاتين المنظمتين الإرهابيتين وهما الماك ورشاد، وقد سعوا لتقسيم الجزائر.
الحمد لله، أن أجهزة الأمن أجهضت المؤامرة في حينها. اليوم كل جزائري يجب أن يقف مع ذاته ويضع في ذهنه أن هناك مؤامرة لضرب الدولة الوطنية، علما أن تخوين الرموز كان يدخل في هذا المخطط، والحمد لله أن الشعب الجزائري فهم اللعبة جيدا.
 فقد حان الوقت لإعادة بناء التلاحم الوطني وظهر بشكل جلي في التضامن الشعبي الكبير بسبب الحرائق والذي كان يحرق يعرف جيدا ما كان يفعل، كان يحرق منطقة القبائل ثم بعدما فشل يقول إن سكان منطقة القبائل هم الذين يحرقون في المناطق الأخرى وقد عرفنا اللعبة ظاهرا ووضوحا لعبة خطيرة جدا، ولهذا يجب أن نقف مع دولتنا الوطنية ومؤسساتها العسكرية والأمنية.
وأكرر لابد من استئصال التنظيمين الإرهابيين وأنا مسؤول عن كلامي، بحسب علمي منطقة القبائل سئمت من «الماك»، فأصبح كل من هو ضدها هو خائن ومن ضد رشاد كافر، لابد على الشعب أن يقف كرجل واحد ضد الأخطار التي ليست هي من الداخل، بل مخططة من الخارج وهذا منذ تطبيع المغرب الأقصى مع الكيان الصهيوني والجزائر تعاني من مؤامرات.

- استراتيجية الشهيد زيغود يوسف كانت حرب المدن عن طريق العمليات الفدائية لفك الحصار على الأوراس، ما هي قراءتكم لهذه الشخصية القيادية؟
 زيغود يوسف شخصية كبيرة، مثله مثل كل عظماء ثورتنا التحريرية، هذا يسمى بالجيل الذهبي. هذا لا يمنع أن يكون الجزائري مثلهم أيضا اذا كانوا هؤلاء ضحوا بحياتهم من أجل تحرير الجزائر، فعلى الجزائري اليوم أن يضحي بعرقه من أجل بناء دولة قوية.
زيغود شخصية كبيرة جدا كان في حزب الشعب مثل أغلب الذين أشعلوا فتيل الثورة، آنذاك لاحظ أن الأوراس محاصر وفرنسا الإستعمارية كانت تقول إن الثورة انتهت ومعها من تسميهم بالفلاقة والخارجين عن القانون، وبالتالي أراد أن يرفع معنويات الشعب فقام بهجومات الشمال القسنطيني في وضح النهار كي تصل الى كل مناطق الجزائر ويعرفوا بأن الثورة لازالت حية، وهذا هو الهدف الأول.
أما الهدف الثاني، فهو فك الحصار عن الأوراس لرفع معنويات الشعب ولإبراز أن الثورة مازالت حية وأن ما تقوله السلطات الاستعمارية والجيش الفرنسي أن الثورة انتهت ليس صحيحا، ولهذا قام بهذه العمليات وفي هذا التوقيت في يوم تسوق بسكيكدة كي ينقلوا هذا العمل الثوري الكبير الى المناطق الأخرى، ثم الى كل الجزائر.
والهدف الثالث، كي لا يبقى أي شخص ينتظر لابد من أخذ موقف، إما مع الأمة الجزائرية ممثلة في جبهة التحرير الوطني أو ضدها. ولهذا بعد هجومات 20 أوت 1955 إلتحق كثير من الجزائريين بالثورة وأن ما سميته في كتابي حول زيغود يوسف بمنقذ الثورة، قد أنقذ الثورة بهجومات الشمال القسنطيني.

-  يعتبر مؤتمر الصومام الحدث الأبرز في تاريخ جبهة التحرير الوطني الذي استطاع تحديد الأهداف الأساسية للثورة، هل يمكن اعتبار الوثيقة أرضية ثانية بعد بيان أول نوفمبر أو مكملة له؟.
 أكبر عمل قام به مؤتمر الصومام هو إعادة بناء الثورة. في السنوات الاولى وجدت قيادات الثورة مشاكل عديدة في التنسيق، هذا المؤتمر هيكل الثورة ووضع نواة للدولة الوطنية بمؤسساتها، لجنة التنسيق والتنفيذ وهي بمثابة حكومة مصغرة، المجلس الوطني للثورة هو بمثابة برلمان، كل الجزائريين كانوا ممثلين واختيار أعضاء هذا المجلس تم بعناية كبيرة.
ونظم جيش التحرير الوطني ونعتقد أن مؤتمر الصومام كان عاملا رئيسيا في نجاح الثورة الجزائرية وانتصارها في 1962، والدليل هذه المؤسسات التي أقامها مؤتمر الصومام هي التي استمرت بها الثورة حتى 1962 باستثناء تحويل لجنة التنسيق والتنفيذ إلى حكومة مؤقتة والفكرة كانت موجودة حتى في مؤتمر الصومام، لكن لم يأت وقتها فقط.
هؤلاء الذين يريدون زرع الفتنة ويخونون رموز الثورة، هم الذين يقزمون مؤتمر الصومام وكأنه شيء مناقض لبيان أول نوفمبر، هذا ليس صحيحا على الاطلاق. أرضية الصومام هي تفصيل لبيان أول نوفمبر، نحن نعرف أن بيان أول نوفمبر جاء في صفحة واحدة يتكلم بمبادئ عامة، أما مؤتمر الصومام قام بتفصيل هذا البيان وشرح كل ما يمكن الإلتباس حوله وبالتالي هو استمرارية، وكل مواثيق الثورة الجزائرية كانت تتلاءم مع بيان أول نوفمبر في كل شيء حتى اليوم.
ونلاحظ كيف أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي أداة في أيدي أطراف تستخدمها وتوظفها لضرب هذا بذاك، خاصة الذاكرة الوطنية التي هي مشتركة.

- وقع خلاف حول إقصاء قادة الثورة بالخارج من حضور المؤتمر ما مدى صحة هذه المزاعم؟
 لم يتم إقصاء ولا أحد، هؤلاء يريدون أن يدخلوا من هذا الباب. أولا يقول إقصاء الأوراس، من بإمكانه أن يقصي الأوراس وهو معقل من معاقل الثورة، الذين نظموا المؤتمر أرسلوا إلى الأوراس لإخبارهم بتنظيم المؤتمر، لكن لم يعلموا أن بن بولعيد قد استشهد في مارس.
أخفت القيادة في الأوراس على الجزائريين استشهاده، ووقعت أزمة في قيادة الأوراس، وبالتالي الظروف التي كانت فيها الأوراس آنذاك هي التي جعلتها لا تشارك، لكن شقيق الشهيد عمر بن بولعيد حضر المؤتمر، لأن الرسالة وصلت الى عمر بن بولعيد وهو الذي أخبرهم بأن بن بولعيد استشهد. وأجل مؤتمر الصومام عدة مرات وهم ينتظرون مجيئ ممثل الأوراس.
من جهة أخرى الوفد الخارجي، نحن نعلم الرسائل بين القاهرة والجزائر موجودة وأخبروا أنهم سيعقدون مؤتمرا من أجل إعادة تنظيم الثورة، وبالتالي طلب منهم مجيئ اثنين أو ثلاثة على الأقل، لكن لا نعرف ما وقع بالضبط، هل لم يتمكنوا من الدخول؟. لكن لم يتم إقصاء أي أحد، من يدّعي ذلك يصطادون في المياه العكرة كأنهم كانوا يتصارعون، هذا ليس صحيحا أكيد توجد خلافات مثل كل ثورات الأمم أو بعض الصراعات، لكن ليس على حساب الثورة والجزائر.

- الشعب الجزائري كان سندا قويا للثورة، ما دفع المستعمر للاعتقاد أن كل الشعب الجزائري فدائي وهذا ما عرضه للانتقام الممنهج؟.
 الثورة الجزائرية هي ثورة أمة شارك فيها الشعب الجزائري بكل أطيافه الإيديولوجية وتياراته وبكل مناطقه وشرائحه، تقوّت خاصة بعد 20 أوت 1955 وكبرت ثم بعد مؤتمر الصومام أصبح الشعب منظما تنظيما صارما جدا، يتكلمون عن النظام هذا الأخير تشكل في الثورة معناها الخضوع لقرارات الأمة الجزائرية والثورة آنذاك.
عندما عاد الضباط الفرنسيون من الهند الصينية، عرفوا أن المجاهدين يعيشون في صفوف الشعب، كما يعيش السمك في الماء، وبالتالي قال سنفصل الشعب عن المجاهدين ولهذا أنشأت الإدارة الاستعمارية المناطق المحرمة وغيرها، كانوا يعتقدون أن جيش التحرير الوطني لم يجد من يساعده.

-  من حنكة قادة الثورة اعتماد الإدارة الجماعية لتجنب الأخطاء الشخصية أو تقديس الفرد، لماذا تخلينا عن هذه المبادئ اليوم ما أوصل بلادنا إلى هذه الوضعية؟
 الذين أشعلوا فتيل الثورة تبنوا عدة أشياء منها القيادة الجماعية، هذه الأخيرة بسبب ما أوصله مصالي الحاج الذي لا أحد يشك في وطنيته، لكن أصبح هو الزعيم وكل شيء وبالتالي أدخلهم في أزمة سنة 1953، حزب الشعب الجزائري دخل في أزمة بسبب الزعامة. بالتالي عندما اجتمعت القيادة في أول نوفمبر قالوا إن القيادة ستكون جماعية، معناه لا وجود لزعيم، فجبهة وجيش التحرير الوطنيين هو الممثل الشرعي، هذا هو الدرس الأول من الأزمة التي وقعت فيها الحركة من أجل انتصار الحريات.
من جهة ثانية، استفادوا من الماضي وهو أن الانتفاضات في المقاومات الشعبية في القرن التاسع تكون في منطقة دون الأخرى، وبالتالي يتم القضاء عليها بسهولة، وعندما يتم استشهاد زعيم الانتفاضة تنتهي الانتفاضة.
ولذلك قرروا أن يكون أول نوفمبر في كل مناطق البلاد، ومن جهة ثانية لا وجود لزعيم، لأنهم استفادوا من هذه المقاومات. والدليل أنه حين تم القبض على السجناء الخمسة اعتقدت فرنسا أن الثورة انتهت، لكن تبين لها فيما بعد عندما يستشهد قائد أو يلقى القبض عليه يعوضه آخر.
هذا الذي جعل الثورة تنجح وهو القيادة الجماعية والجزائر دائما عندما تتخلى عن القيادة الجماعية ويظهر زعيم، يبدأ الضعف يدب فيها، وبالتالي القيادة الجماعية هي من طبيعة شعبنا عبر تاريخه الطويل، دائما القيادة الجماعية والتشاور هو الذي يسير الجزائر.
ولهذا نجحوا أثناء الثورة وهو عامل من عوامل عملية البناء اليوم حسب ما أعتقد.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024