نسـاء جزائـريّات بـرزن منذ القديم في صناعة الحدث
الكاتبة والنّاقدة الدكتورة الجزائرية، توهامي إيمان، باحثة أكاديمية جزائرية متقدة الفكر المشع بالمواضيع البحثية المتميزة والمخالفة للمعهود، باحثة عن المغاير الفكري باعتباره منبع التجدد راقية في فكرها وأسلوب تعاملها، تؤمن بالود والمحبة في التعاملات الإنسانية الراقية.
جريئة في طرح موقفها وفكرها، وإن كان مغايرا للسائد فهي ضد التيار لأنّه لا يشبهها في السائد الفكري والمعتقدي، تتقن اللغات الأجنبية، تشغل في مواضيع تهتم قضايا الجسد من ناحية تأصيله النظري وقضايا الدراسات السيمائية بمختلف فروعها التنظيرية، تهتم بتحليل العلامة في كل المجالات بوصفها نمطا تواصليا أساسيا يتجلى في المباحث المعرفية، لها العديد من المشاركات في الملتقيات والمؤتمرات والمنشورات، مثل المؤتمر الدولي الثاني عشر لمركز جيل البحث العلمي حول «الرّواية العربية في الألفية الثالثة ومشكل القراءة في الوطن العربي تحت رعاية الاتحاد العالمي للمؤسسات العالمية»، وناشطة سياسية في قضايا السلم والسلام بوصفها عضو حديث بالمنظمة العالمية للسلم والسلام والتنمية الدبلوماسية - فرع الجزائر، 2019.
- الشعب ويكاند: الذّات المبدعة هو ما يمكن أن نسمّي به المرأة في وقتنا الرّاهن؛ كيف صنعت المرأة الجزائرية معيار القيمة لهذه الذات؟
الكاتبة والنّاقدة إيمان توهامي: ورثت المرأة الجزائرية اسما من ذهب لامع وبارز ذي قيمة كبيرة وعالية لا يمكن لأي بشر أن يقدر حجمه سوى من يعرف المرأة الحقة نفسها، فهي تختلف عن باقي نساء العالم وعن النساء العربيات في صفاتها وملامحها التي تكون شخصيتها منذ تكوين المجتمع الجزائري؛ في أصولها العريقة الممتدة إلى الحضارات الراقية، في فكرها ونمط حياتها من الحضارة اليونانية التي ورثت منها الجمال، والرومانية التي ورثت منها القوة إلى العباسية التي ورثت منها العلم، وختمت بالعثمانية التي طبعتها بطابع القصور والرقي، فهو اسم تحت طيّاته العراقة في الأصول والرقي في الهوية، لتكون ذاتا خلاّقة تضع لمستها الخاصة أينما حلّت فتطبع المكان الذي تتواجد فيه بتألقها الفكري وروحها العطرة، فهي قوة ناعمة وهادئة وحضارة قائمة في كف يدها، ومن التغيرات التي أصابت المناخ الثقافي الجزائري في تقبل المرأة العاملة وإدراكه لحقيقة إنجازاتها وأعمالها في مختلف الميادين، كما أنّ لسياسة الدولة والقرارات كانت رهانا كبيرا كسبته المرأة الجزائرية، ما أعطاها انطلاقة كبيرة وواسعة لتثبت جدارتها، بوصفها ذات منجزة وفاعلة وكيان حر منطلق، فهي جسد بكر خال من كل القيم المقيدة لها.
- إذن التّميّز هو عنوان الفرادة في هذه الذات؛ في رأيك كيف أوجدت المرأة عنوانا لتميّزها داخل مجتمع غالبا ما يعارض توجّهاتها وآمالها؟
صنعت المرأة الجزائرية تميّزها بأسلوبها الخاص في الحياة، الذي يدمج بين متعدّد العادات والتقاليد التي خرجت منها هوية متميزة في طريقة التعامل والكلام الراقي والحس العالي، والقالب الشخصي بعاطفة متقدة كلها عطاء وحنان وبذل من أجل نفسها أولا ومن أجل مجتمعها ثانيا، مميزة في طريقة معالجتها للأمور التي تعمل فيها العقل والحكمة قبل أن تحكم قلبها، فكل امرأة جزائرية صنعت من تجربتها الخاصة قالبا يميزها عن الباقي تحولت مع الزمن إلى نموذج تحيا به، فهي راقية بطموحها العالي الذي لا يقف أمام حدود مفهوم المرأة النمطية، فقد رفضت هذا الدور وأرادت أن تكون صورة مختلفة، ترسم ملامحها بما تؤمن به وتفكر فيه مادام ينبع من منظور قيمي صحيح، ما صنع تميزها قدرتها على التحكم في الأمور وضبط ميزانها فيما يخدمها ويخدم مجتمعها، مميزة في حسن تنظيمها للوقت وإدراك الأولويات بدءا من بيتها وعملها، ثم شغفها وحلمها فطموحا إلى الوعي بمكانتها في المجتمع، فـ «المرأة الجزائرية التي أتحدث عنها تجتمع فيها نماذج نساء متعددات كلهن وصمن بسمة واحدة التميز في التجربة الوجودية التي صنعت اسم كل واحدة منهن»، فقد رسمت المرأة الجزائرية لنفسها هوية متميزة بكيانيها الأنثوي العالي في صفاته. فاحترام المرأة الجزائرية لذاتها وللآخرين يعد عنصرا مهمّا صنع تميزها، فقد عرفت المرأة الجزائرية بعنصر الاحترام والتقدير من خلال تربيتها التي نشأت فيها، ما جعلها قيمة أساسية في تعاملها مع نفسها، في تقدير ذاتها، في المنجزات التي حققتها مع الآخرين، فتضع الحدود الفاصلة لها ولغيرها في التعاملات لكي لا تسمح بالتجاوزات، التي قد تفقدها هيبتها أو تقلل من شأنها وقدراتها، فنظرتها دوما أفقية نحو تحقيق أهدافها ولا تقبل أن يجرها الآخر للمتاهات أو القاع لفطنتها في الحفاظ على كرامتها عالية شامخة، وهذا لا يتأتّى إلا من خلال النضج العالي.
- بناءً على المعطيات التي ذكرتها سالفا..كيف ترى المرأة الجزائرية نفسها في مجتمعها؟
منذ تكوينها الأولي في المجتمع أدركت المرأة الجزائرية أنها كيان مستقل له وجوده الفاعل في وسطه، فهي تعي جيدا أنّها ليست مجرد عنصر قام على دور محدّد وبسيط بل أيقنت أنها هي الفاعل والمحدث، وهنا أدركت أنّها صانعة للقرار بوعيها للأمور ويقظتها الحادة في استيعاب ما يدور من حولها، تضاف لهويّتها المكتسبة، عكست تحقيق الذات التي تؤسس لخطاب أيديولوجي في مجتمعها مضاد لما هو موجود وسائد، فالمرأة الجزائرية المتميّزة خرجت من سجن الجسد الأنثوي، المغلف بالخرافات والعادات والتقاليد الاجتماعية، بتخطّيها لما هو سائد ومحاولة الهروب من الصورة النمطية التي فرضت عليها، فقد برزت منذ القديم في الدور الريادي في صناعة الحدث مثل «لالة فاطة نسومر صبورة، ذات حلم، متروية، ومتسامحة، راجحة العقل، متينة، عفيفة طاهرة، مصلحة اجتماعية، مجاهدة حتى أصبحت سيدة في قومها»، لأنّها امرأة ريادية تملك الجرأة الكافية لمواجهة التحديات وتبتكر الأفكار وتحولها إلى واقع، ومشاريع قيد التنفيذ لتلبية احتياجاتها وتحقيق استقلاليتها الاقتصادية، لتحظى المرأة بمكانة رفيعة؛ في مجتمع الطوارق مثلا، فهي الآمرة الناهية في بيتها المتحملة لقساوة العيش، فتمثل المرأة التارقية سندا للرجل في العديد من مناحي الحياة، ورغم الجهد الذي تتطلبه طبيعة العيش في الصحراء، إلا أن المرأة أثبتت وجودها جنبا إلى جنب مع الرجل.
- ذات المرأة هي هويّتها والهويّة صنيع ماض وحاضر، هل توافقين أن التفرد هو ما حقّقته المرأة في هذين المسارين؟ أم في سمة الاختلاف في شخصيتها؟
تحقّق تفرد المرأة الجزائرية في قوة ثقتها في هويتها المختلفة التي صنعتها بما تمتلكه من مؤهلات وقدرات جعلتها تصل إلى مراتب عليا في الدولة، فالهوية الثقافية التي تمتلكها المرأة الجزائرية لم تأت من العدم بل من جذور علمية أصيلة، فنساء الجزائر نشأن في بلد ورث العلم والثقافة من الدولة الرستمية التي أنشأت حضارة علمية في بلاد المغرب العربي، ما عزّز التربية الثقافية في تنشئة وتربية المرأة الجزائرية على حب العلم والثقافة، باعتباره موروثا ثقافيا علميا في مكونات شخصيتها، ناهيك على حبها لتطوير شخصيتها فهي لا تقف عند حدود العلم وحد بل تحوله إلى منجزات مختلفة يحقق بها ذاتها، فتفرد المرأة الجزائرية جاء من إيمانها العميق بنفسها أنها حاملة لفكر فاعل خلق جعل منها كيانا أنثويا مختلفا، فتفرّدها أولا نابع من إحساسها العميق بذاتها، وأنها هي التي تدعّم نفسها قبل أن تبحث عنه خارج حدود ذاتها، وتفرّدها يتأتى من عمق الأسرة الجزائرية باعتبار أن المرأة الجزائرية وجدت الدعم من قبل أبيها وأمها وأخيها الرجل في عمومه، ومن وسطها في خصوصه الذين وثقوا في قدراتها وآمنوا بانها كيان مستقل قادر على الإنجاز، كما أنّ فرادتها تتحقق من خلال رفضها في قبول الهوية التي رسمت لها أنثى ضعيفة مهزومة، التي دفعتها أن ترفض وبقوة هذه الهوية وتتحدى الظروف والسائد الذي يكبلها، ويضع لها الحدود والخطوط الحمراء لكي لا تتجاوزها، لكن وقف بإصرارها وتحدّيها لتحقيق أحلامه، فالتفرد من غريزتها في الاختلاف في ألاّ تشبه أي امرأة في الكون بأن يكون لها صورة هوية خاصة أصيلة صنعتها بنفسها وبتعزيز من مجتمعها، ما أكسبها مساحة صوت كبيرة تعبر فيها عن معتقدها ورؤاها الوجودية للحياة، لسبب واحد أنّها تقف مع الحق والخير لذا أقول دوما «إنّ المرأة الجزائرية إن وجدت الدعم الضروري واللازم لها، خاصة النفسي الذي يعزز ثقتها بنفسها، والاجتماعي الذي يهيء التربية لانطلاقها، لتمشي ضمن الأطر العامة والحدود الشرعية؛ هنا ستصنع المستحيل».
- كيف تكوّنت صورتها المميّزة والمتفرّدة؟
لا يأتي شيء من العدم التميز سمة من خلال عظمة المرأة الجزائرية مهما كانت صفتها «أمّ، أخت، زوجة، عاملة، محامية، قاضية، أستاذة..إلخ» من خلال قدرتها على تحمل المسؤوليات وتحدي الصّعاب والعوائق، ولتجد المرأة في موقع المسؤولية عن إعداد جيل المستقبل، وتوفير الأجواء النفسية الذهنية الملائمة لتفتحه وفي موقع العمل، حيث تشارك الرجل في بناء مستقبل مشرف يستجيب لطموحات الشعب، الذي دفع الثمن باهظا لينعم اليوم بثمار تلك التضحيات الرائعة التي قدمه، مثل وإدراك حقائق الأمور، باحثة دوما عن الجيد الذي يهز الجمود والسكون حولها، في روح لا تهدا من الحركة والعمل، بروح متقدة ومتحدية «ساهمت بها في صناعة تاريخ الجزائر جنب أخيها الرجل»، ورفعت من مستوى حضورها في المجالات والفضاءات المختلفة.
- الإيمان المطلق بالذّات وما تملكه المرأة من خصائص وقدرات وصفات فارقة، هل يمكن اعتبار كل هذه العناصر سمة لتميّز المرأة؟
تمتلك المرأة الجزائرية في شخصها وروحها عنصر القوة، فالنّساء القويّات هنّ نساء مميّزات يحدثن تغييرات كبيرة في هذا العالم بفضل سعيهن لتحقيق رؤيتهن وأحلامهن، فالمرأة القوية تقلب موازين هذا العالم لتترك بصمة دائمة فيه يستمر وجودها من خلالها، إذ تتقن هنا النساء القويات فن عيش الحياة بشروطهن الخاصة، ويمكنهن تقديم دروس عن كيفية إظهار المرونة خلال مواجهة المحن واجتياز العقبات التي قد تعترض طريقنا، المرأة القوية تدرك قوة عقلها الحقيقية لكنها لا تسمح لها بالسيطرة على حياتها، ناهيك عن أنها تتقن التعامل مع عواطفها، كما أنّها توقها لتتغير باستمرار يعزّز قوتها الداخلية، لذلك لا ترى ضرورة للتشبث ببعض المواقف أو المشاعر، بل تسمح لنفسها باختبار تلك المشاعر ثم المضي قدما في حياتها..
وهذا النوع من النساء لا يسمحن للناس أو الأحداث بالتحكم في شعورهن، ولا يتركن مجالا للخوف أو الشّكوك للتحكم في طاقتهن، كما تدرك المرأة القوية أنّها يجب أن تكون في أفضل حالاتها دائما للفوز في هذه الحياة، واغتنام الفرص التي تتاح أماها وهي ذكية جدا في التعامل مع تقلبات الوضع، وجعله يخدم مصلحتها لتطوير ذاتها. فتدفع نفسها للقيام بأشياء جديدة حتى لا تتصلّب هويتها، وهي لا تسمح للخوف بالتحكم فيها لأنّها تدرك أن التعلم يتطلب حالة ذهنية هادئة وثقة في النفس، مثل السيدات صنعن اسمهن ليصبحن سيدات أعمال ناجحات يدرن أعمالهم بكل مهارة، ويشاركن في صنع اقتصاد البلاد المرأة التي تملك شخصية صلبة، وإرادة قوية جعلت الحديد يلين أمام صلابتها، وهي صاحبة الشخصية الحديدية القادرة على تعدي المحن بقوة، والوقوف أمام صعوبات الحياة بشجاعة..
كما أن المرأة الجزائرية في مختلف النّماذج من «سيدات الأعمال والباحثات والمحاميات والمربيات فالمعلمات إلى الفنانات»، تمتلكن ميزة أساسية أن كل منهن ركزت على نفسها فيما تملكه من خصائص وقدرات وصفات فارقات تميزها عن غيرها من النساء لصنع نفسها، وهي سمة تحسب لها في الإيمان المطلق بالذات وعدم مقارنة تجربتها الشخصية مع غيرها من النساء، حيث تؤمّن هنا أنه طريق مغلق وضيق ومضعيه للوقت يؤدي بها للانحراف عن الأهداف والطموحات الخاصة، لذا تغلق الدائرة اهتماماتها على نفسها في خطاها التي تود تحقيقيها.
- ما خلاصة كلامك؟
ما عساني أقول سوى أنّ المرأة الجزائرية «حقّقت هنا في تميزها وتفرّدها معادلة صعبة في رقتها كأنثى ملكة إحساس راقي ومرهف في حنانها وعطائها، بالعفة والحب والطهر والنقاء والسلام والحرية والجمال والانطلاق، وبين أن تكون قوية حادة وصعبة تواجه الحياة بأوجاعها وأتعاب المدينة، بكل تناقضاتها ومشاكلها ومتاعبها، رقية بفكرها المترفّع على التفاهات والحامل لنظرة إيجابية دوما.