الجزائر ستنهي مسار عصرنة الإدارة في 2017

تأمين البيانات الرقمية التحدي الأكـبر للحكومة الالكترونية

حمزة محصول

يرتقب أن تتوج سنة 2017، بطي ملف الحكومة الالكترونية بشكل نهائي، لتعمم الخدمات الرقمية والبيومترية لفائدة المواطنين عبر كافة الإدارات العمومية، لتكسب الجزائر بذلك رهانا حتميا فرضه الانفتاح العالمي على التكنولوجيات الحديثة، غير أن تحديات أخرى لازالت تنتظرها أبرزها الأمن المعلوماتي.
إلى وقت قريب، كان من يوميات الجزائريين قطع مئات الكيلومترات للحصول على وثائق إدارية من بلدياتهم الأصلية، لاستخدامها في ملفات معينة، قبل أن تصبح ما كنت تسمى “ فترة المعاناة مع الإدارة الورقية”، من الماضي بفضل خدمات إلكترونية بدأت في الظهور منذ 2010.
هذا التاريخ شهد ميلاد جواز السفر البيومتري الذي كان بمثابة حجر الأساس لميلاد الحكومة الالكترونية، التي بلغت مراحلها الأخيرة، وأنجزت هذه العملية بتجند ترسانة بشرية ووسائل تقنية، سمحت بتسجيل وحفظ الملايين من الوثائق الرسمية التي تخص الجزائريين منذ سنوات 1800، ووضعها في خدمة المواطنين.
وتكفلت وزارة الداخلية والجماعات المحلية بنقل الإدارة من عهد الورق والمجلدات إلى عهد السجلات الالكترونية، تضمنت إلى غاية 2016 أزيد من 96 مليون وثيقة تم تسجيلها وحفظها إلكترونيا حسب مصالح الوزارة.
وواكبت قطاعات أخرى هذا المسار، على غرار السكن والعدالة والتجارة مع استحداث وزارة للاقتصاد الرقمي سبقت بإصدار قانون للتصديق الالكتروني سنة 2015، ونجحت في تقديم خدمات معقدة للغاية إلكترونيا على غرار ملف برنامج الوكالة الوطنية لتحسين السكن وتطويره “عدل”، واستخراج صحيفة السوابق العدلية وشهادة الجنسية وإجراء محاكمات عن بعد، ناهيك عن ملايين الوثائق الرسمية البيومترية.
المواطنون استحسنوا كثيرا، ما يعتبرونه تسهيلات هامة مكنتهم من إحداث القطيعة تدريجيا مع “غول البيروقراطية”، وأزالت لدى كثيرين “رهاب” الوثائق الإدارية الكثيفة وطوابير الانتظار اللامنتهية.
ويبقى الأصل في نجاح عملية بهكذا أهمية، مرتبط بالبيانات “المدنية “ المخزنة في ملفات الكترونية وضمان فعالية استغلالها من خلال شبكة رقمية قوية وموارد بشرية مؤهلة، للتعامل مع احتياجات المواطنين باحترافية..والتصدي في الوقت ذاته لأكبر خطر يتهدد مجال المعلوماتية والمتمثل في الاختراق والقرصنة والسيطرة على المعلومات.
وبانفتاح الجزائر على عالم التكنولوجيات الحديثة وجعلها من اليوميات العادية لمواطنيها تكون قد دخلت ساحة مليئة بالأخطار والنزاعات، تفرض التعامل بحذر شديد وحساسية بالغة مع ما يسمى “ الأمن الالكتروني”.
سلاح معركة الراهن والمستقبل
عندما تتهم كبريات الوكالات الأمنية في الولايات المتحدة الأمريكية روسيا بالتدخل إلكترونيا في الانتخابات الأمريكية الأخيرة التي فاز بها دونالد ترامب، فذلك مؤشرا قوي على مدى شراسة الحرب المعلوماتية بين قوتين عظيمتين.
وعندما يعقد الرئيس الفرنسي هولاند، اجتماعا رفيع المستوى يشدد فيه على اتخاذ كافة التدابير اللازمة للتصدي للهجمات الالكترونية التي قد تؤثر على نتيجة الانتخابات الرئاسية المقررة شهري أفريل وماي، فهذه الحرب لا تستثني رقعة معينة أو بلدا دون غيره.
ولم تعد الهجمات الالكترونية والرغبة الجامحة في السيطرة على المعلومات الرقمية هواية للهاكرز المراهقين، وإنما إستراتيجية أساسية لدى البلدان المتطورة والشركات العالمية، ويكفي أن أغنى المؤسسات العالمية هي تلك التي تدير وتتحكم في معلومات الأشخاص (تويتر، فايسبوك وغيرها).
وبتوجه الجزائر ومزودة بإرادة سياسية نحو مواكبة التطور العالمي في ميدان الخدمات المدنية الالكترونية، تكون معنية بشكل أو بآخر بالتعامل مع هذا الواقع الحساس للغاية.
الحكومة مدركة للتحدي؟
في مطلع أكتوبر من سنة 2015، تلقت كافة الإدارات العمومية الجزائرية، تعليمة رسمية موقعة من قبل الوزير الأول عبد المالك تنص على تطبيق فوري لأمرية مفادها أنه “يمنع منعا باتا استخدام برنامج ويندوز 10 لشركة ميكروسوفت الأمريكية”، بسبب “ إمكانية التجسس على كافة المعلومات والبيانات”.
وأوضحت وزيرة البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال، هدى إيمان فرعون خلال نزولها ضيفة على فوروم يومية المجاهد آنذاك، بأن “ التعليمة صدرت لحماية الإدارة الجزائرية من عمليات سطو منظم للمعلومات التي تخصها وتخص المواطنين”.
وقالت فرعون “عندما تقرأ رخصة برنامج ويندوز 10، تجد أنك ستوقع على موافقتك قبول حصول ميكروسوفت على المعلومات الشخصية ولها الحق في استخدامها ونشرها ومقاسمتها مع شركات أخرى حكومية أو غير حكومية”، مؤكدة أنه “ أمر غير مقبول”.
تعامل الحكومة مع “ الويندوز 10”، كان بشكل هادئ ولم يحظى باهتمام خاص لدى وسائل الإعلام الوطنية خلافا للصحف والقنوات الأجنبية التي تناولته بحيز أكبر نظرا لأهمية مثل هذه المواضيع.
وتحرص الحكومة ممثلة في وزارة الداخلية التي تحتوي كافة البيانات المدنية للجزائريين، في كل مناسبة على التأكيد “على أمن وسلامة معلومات المواطنين وحمايتها من كل خطر”، غير أن التطور التكنولوجي المتواتر يعيد في كل مرة طرح التساؤل بشأن الكيفية المثلى لحماية البيانات الرقمية الوطنية.
بوشريم: استحداث هيئة عليا تتولى المهمة
ينظر الخبير الدولي في تكنولوجيات الإعلام والاتصال يوسف بوشريم، إلى الحكومة الالكترونية وتأمين بياناتها من زاوتين، حيث أكد في حديث لـ«الشعب”، “ أنها تتعلق بالحكامة والخدمة العمومية”.
وقال بوشريم “ عندما نضبط العلاقة مع المواطن بشكل مرن وعصري نكون قد نجحنا في كسب ثقته الكاملة، وعندما نضع في يديه الإدارة الالكترونية نكون قد سلهنا له المعاملة والخدمات وننسيه في البيروقراطية”.
وأوضح أن الطريق نحو تعميم الحكومة الالكترونية يخضع لاحترام مراحل متتالية، واضحة المعالم والأهداف، مع ضمان الفعالية التامة “وتعني هذه الأخيرة، أن احتمالات الخطأ ضعيفة إلى أقصى درجة ممكنة”، يؤكد المتحدث.
ومن الأخطاء التي لا ينبغي الوقوع فيها “ترك ثغرات قد تضع معلومات إستراتيجية في خطر”، ولتفادي أية هشاشة ممكنة يرى الخبير بأهمية وضع “ هيئة عليا تتولى رسم سياسة وطنية للحكومة الالكترونية وتشرف على مواقع وسجلات كافة الإدارات وتكون مرتبطة بمؤسسة سامية للدولة”.
وأفاد في السياق، “ لا يهم أن يكون لكل وزارة أو قطاع أرضية إلكترونية خاصة بها، لكن ينبغي خلق هيئة عليا مشرفة”، لماذا؟ “ لأن التطور التكنولوجي يحدث بسرعة شبيهة بسرعة تقليب صفحات كتاب، ولمواكبتها يجب وضع إستراتيجية ترسم السياسات في المجال تسمح بالمواكبة والتكيف”.
وأوضح قائلا “ كنا نتحدث عن الجيل الثاني للهاتف النقال، ثم الثالث فالرابع وسنقبل على الخامس، كل ذلك يتطلب تقنيات جديدة وتكوين عال المستوى للموارد البشرية”.
ومن المهام البديهية للهيئة المذكورة، الحرص على أمن المعلومات، ويعتقد في هذه النقطة أن مركزية حفظ البيانات في “مراكز تخزين Datacenter “ على التراب الوطني، تعتبر الطريقة الأنجع لتأمين المعلومات الفردية والجماعية.
وقال يوسف بوشريم، أن إنشاء مركز تخزين على الصعيد الوطني بتكنولوجيا حديثة، يكلف استثمارا في حدود 5 مليون دولار، لافتا “ إلى أن صعوبة التأمين تزداد باتساع حجم البيانات”.
وكشف ذات المصدر أن “ الطلب الهائل على البيانات دفع بالخبراء إلى استحداث ما يسمى الشبكة الافتراضية والحوسبة الضبابية، هدفها التخفيض في الكلفة وتسهيل عمليات الصيانة والتأمين الفعال”.
وأكد أن خلق قاعدة بيانات داخلية في الجزائر مع تطوير برمجيات جزائرية من قبل الكفاءات الوطنية في المجال يسمح بالتصدي الناجع لكل محاولات الاختراق والقرصنة.
وأردف أن إقناع الشركات العمالقة مثل “ غوغل أو فايسبوك” بفتح فروع لها بالجزائر، مرتبط بالاستثمار في مراكز التخزين”. ولفت إلى أهمية سن نص قانوني لحماية تداول المعلومات الشخصية للأفراد.
ونبه بوشريم، إلى سلبية تواجد الحسابات الالكترونية للجزائريين في الخارج، ما يضع بياناتهم الخاصة تحت تصرف الشركات الأم، التي تبيعها لمؤسسات اقتصادية وتجارية.
ماذا يعني أمن المعلومات؟
لاشك أن بكالوريا 2016، ستظل راسخة كذكرى سيئة لدى الجزائريين وخاصة الممتحنين ووزارة التربية الوطنية، بعدما تعرض امتحان بسمعة مماثلة، إلى التشويش من خلال تسريب مواضيع الأسئلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
فالتداول غير الشرعي لبيانات بتلك القيمة، دفع إلى الذهاب نحو دورة ثانية، واتخاذ إجراءات صارمة في حق المتسببين.
البيانات الفردية والجماعية لا تقدر بثمن، ومع عالم “ يسيطر فيه من يسيطر على المعلومات”، يعتقد الخبير في تكنولوجيات الإعلام والاتصال وأستاذ الإعلام الآلي بجامعة باب الزوار فريد فارح “ بضرورة تصنيف المعلومات البيومترية للمواطنين الجزائريين في خانة ممتلكات الأشخاص”.
وأضاف فارح “أن الدخول لهذه البيانات في إطار خدمات مثل الدفع الالكتروني وتحديد أصلية الهويات الطبيعية للأفراد يجب أن يكون مؤمنا”.ويؤكد بدوره أن الشرط الأساسي لتأمينها هو “ تواجد هذه المعلومات على التراب الوطني”.
ويرى أن وضع قانون لحماية البيانات البيومترية ووضع شريط دخول موحد سيسمح بمعالجة “ مشكلة تسيير أسماء المستخدمين ومشكلة المسؤوليات (الدخول غير المسموح به، ضياع او سرقة اسم المستخدم، الخ) التي ستظهر لاحقا”.
وبشأن تفادي تكرار سيناريو العام الماضي، مع شهادة البكالوريا، ونشر معلومات مواضيع الامتحانات، وما يحمل من أضرار مادية ومعنوية اقترح فريد فارح، تزويد مراكز الامتحانات بأجهزة تشويش ورصد للموجات الالكترومغناطيسية التي تصدر من الهواتف مع مطالبة متعاملي الهاتف النقال بخلق “مناطق بيضاء”، لقطع الاتصال عن الهوائيات القريبة من مراكز إجراء الاختبارات، لافتا إلى أن “ عملا كبيرا لا يزال ينتظرنا على صعيد الحماية المعلوماتية”.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024