يوم يضيع الحب من قلوب الجزائريّين؟!

شاعر وصحفي

فيما مضى كان المجتمع العربي أكثر شجنا وتأملا بل أكثر تأثرا وصدقا بما يحيط به من علاقات أخذ وعطاء، وكان على رأسها الحب كقيمة معنوية، وبمثابة العمود الفقري في حياة الفرد اليومية. ضف أن الحب كان عملة نادرة يـُبحث عنها في الصحاري والبراري، وقلّما من يفز بها؟ا هذا في زمن لم يكن فيه للهاتف النقال من وقع وحضور أو وسائل الإتصال الأخرى بدءا من التويتر إلى صفحات الدردشة التي أضحت مرتعا لتغذية التمويه والكذب في كل شيء بل التمثيل الحر وتزييف الواقع بعيدا عن خشبات المسرح.

لم يكن الجمال الشكلي مقياسا يؤخذ به في جميع الحالات، بل كان شيئا بعديا، يسعى المحب والمحبوب معا لاكتسابه، ولم يكن قبليا أو ماركة مسجلة تعطي الضوء الأخضر لصاحبيه، وغالبا ما كان الحب مرتبطا بالأغنية، هذه الأخيرة التي كانت فضاءً ومرآة تعكس وتترجم المشاعر والعواطف المعلقة؟!
عكس حال اليوم حيث تجد ملايين الأغاني المزعوم بأنها عاطفية، لكنها لا تبعث في نفس المحب سوى مشاعر التقزز، وتُفهمه عن أن الملاهي والكباريهات هي قواعد الحب الحقيقي؟! يقابلها على أرض الواقع عدد ضئيل من القصص الغرامية الناجحة. وهذا عكس الماضي تماما، حيث كان عدد الأغاني قليل والعلاقات الناجحة بالآلاف؟! وحين تتأمّل في مضمون أغاني العصر هذه تجدها غير موجّهة لعشيقات من بنات الثانوية أو الجامعة العفيفات، وإنما تتخيل نفسك أنك داخل ملهى ليلي غارق في متاهات الخمرة والسكر، وتناجي إحدى فتيات الشارع والحياة المشردة؟! بدليل المصطلحات المكررة فيها عن المال والجسد؟! حيث صار نادرا أن تجد أغنية تتطابق مع قصّتك إذا أنت كنت على علاقة شريفة؟!
ونؤكّد هنا بأنّ الأغنية ليست هي المعيار الحقيقي لقياس ومعرفة حقيقة سؤال: هل بقيت هناك علاقات حب عفيفة عندنا؟ أم أنّ الأمور تميعت أكثر من اللازم، فقط من باب التجري البحثي والإجتهاد.
فأجيال تعاقبت وراء أخرى بفعل الزمن على مجتمع جزائري أضحى ولازال كقطعة عجين مدرسي، صنعت به التحولات ما شاءت بأشكال وأنماط غير ثابتة، بل بات مجتمعا مهجنا بكثير من التقلبات الفكرية والحضارية والفنية أو يمكننا وصفه كذلك بقطعة علك ضاعت منه كمية السكر الحقيقية.
وصار عرضة لكل أنواع المذاقات؟! لأنّه وعبر دراسة شاملة ودقيقة نستشف بأنه يوم غادر الحب المنابر التعليمية غادر كذلك وبرح الأماكن الأخرى بسبب أن العوامل المادية والمقصود المالية أحدثت شرخا كبيرا وعويصا على مستوى العلاقات، وهي من باعدت حتى لا نقول جزأرت أكثر التفاوت الطبقي البيني المتقارب كي تجعله بعيد كل البعد عن أوجه المقارنة، وهذا ما أوجد لنا ما يسمى غنى فاحش ومشبوه في الأعلى، وقلة حاجة سيئة في الأسفل دفع بأصحابها لفعل كل شيء بحجة الحصول على المال دوسا على أقدس المبادئ، وعليه ضاع الحب وضاعت الأغنية، وضاع الشرف وضاعت المقرؤية وضاع الاستقرار النفسي. وعليه من هو المتهم الرئيسي؟! هل هو التدفق المذهل واللاّمحدود لوسائل العيش الأكثر تطورا؟ أم في الفرد الذي لم يحسن التّعامل والتكيّف معها، والأكيد أنّ الشق الثاني من السؤال هو الأقرب للصّواب!

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024