هوالشيخ احمد بن قاسم بن محمد ساسي البوني، يعد من أعظم علماء الجزائريين. ولد سنة 1653م، نشأ في أسرة ميسورة الحال معروفة بالعلم والدين والقيم.
بدأ تعليمه في عنابة على يد والده، الذي كان من علماء البونة «عنابة»، المشهورين بالتقوى والصلاح. أخذ الحديث عن والده، وجدّه على يحيى الشاوي وغيرهم. درس التفسير والحديث في جامع عنابة، واشتهر بثقافة واسعة، خاصة في علم الحديث رواية ودراية. كان العلام احمد بن قاسم البوني له علاقة بالعثمانيين طيبة.
لما بلغ سن الدراسة، رحل إلى الشرق وطلب العلم في تونس ثم مصر، التي أخذ فيها عن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني، وأجازه في مدينة رشيد حسين سارح المختصر والشيخ الاجهوري، فأخذ العلم عن فصول علمائها.
ذهب إلى الحج فكتب رسالة سماها «الروضة الشهية» في الرحلة الحجازية، وفيها أشياخه الذين تجاوزا العشرين. ثم عاد إلى مدينة عنابة فأخذ عنه جماعة منهم عبد القادر الرشيدي القسنطيني.
نال مكانة عالية، كما فاز بين الخاصة والعامة في عهده بصفاء الروح وبعلاقته العلمية بشيوخ قسنطينة، مثل بركات، بن باديس، ومراسلات مع الباشا محمد بكداش والباش حسن خوجة وغيرهما.
ونزل عند عبد الرحمان الجامعي المغربي، فأخذ عنه وأجازه وحضر مجلس اقرائه الحديث من الصحيحين مع مشايخ عنابة، وترجم له الجامعي في رحلته المسماة نظم الدور المديحية.
لقد حافل رحم الله في جميع الفنون يزيد على المائة بالتأليف في الفقه، الأدب، التاريخ، علم الكلام والتصوف والطب. تناول فيه تاريخ بونة مع ترجمة لمعظم الشخصيات العلمية التي عاشت في هذه المنطقة، وتوجد مقدمة ابن حجر للفتح (باختصار) بمكتبة برنستون الأمريكية بخطه المؤلف بتاريخ 1113 هجرية، وعنوانه فيها مختصر مقدمات فتح الباري، ونسخة مخطوطة بمكتبة زاوية علي بن عمر / الجزائر. وتاريخ نسخها يعود إلى سنة 1164 هـ.
عاش في البيئة العلمية التي هذبت شخصيته، ورغبته في المعرفة والاطلاع التي كانت تدفع دائما إلى البحث، وتناول موضوعات أخلاقية ووعظية وبفضل دينه تناولا علميا لا نظريا. بل أفكار وخطط وبرامج إصلاحية خلقيا وسياسيا وتعليميا.
ساهم في تكوين حلقات ذات الطابع العام التي أخذت تعلم الدروس في الوعظ الديني والدنيوي.
لم ينس احمد بن قاسم البوني في كل أدواره السياسية والاجتماعية التي مرّ بها أنه صاحب قلم وفكر، كان موقفه من كثير من القضايا المطروحة، كما يعتبر الموجه الصالح ويتوقف على دوره مصير الأجيال، ومناقبه وثقته وتضحية وإخلاص، فيقدم المعلومات كاملة غير منقوصة في التفسير: «تحفة الأديب بأشرف غريب». عمل جاهدا على حثّ الناس على العلم والمعرفة، وبحكم تكوينه وتحصيله العلم، لم يقتصر نشاطه التعليمي كالفقه والعقيدة وعلم الأصول.
وفي هذه الأثناء، فإن عنابة عرفت في القرن الحادي عشر الهجري انحطاطا لا نظير له. ومن جهة أخرى، كانت عنابة مقرا لمحمد بكداش وهو أحد الأتراك الذين قاموا بها وتزوجوا فيها واخذوا عن أساتذتها منهم احمد بلقاسم ووالده، فارتقى ذلك التركي وعين باشا الجزائر. فكان وفيا لبونة وأساتذتها بها. وهو الذي فتح وهران سنة 1120 هجري، بعد احتلالها من قبل الأسبان، وقد ذكر البوني ذلك، وفتحت على يديه وهران فكمل المجد له والبرهان.
وعلماء بونة بما فيهم أساتذة وأقارب البوني من سكان المدينة ومن علماء القرى المجاورة والعلماء الوافدين إليها سواء كانوا عابري سبيل أو المقيمين، فيتم التكريم بالعمل وصدق الإيمان في القول وإرشاد في الفكر، صافي الروح، حلوالمعشر، عذب الحديث وسريع الإجابة.
اشتهر البوني بالترجمة وبمراسلاته الكثيرة مع علماء عصره، وصداقته لهم مثل شيخه بركات بن باديس القسنطيني وتلاميذاته كحسن بن سلامة الطيبي المصري.
ألف احمد البوني تأليف كثيرة، بلغت كما اخبر عن ذلك أكثر من مائة تأليف بدون المنظومات والمقطوعات، وكان كثير الاطلاع بمجامع الأدب وقد ساعدته ثقافته الواسعة وذكاؤه الخارق إلى جانب إتقانه للحديث، وعلومه والقرآن وفنونه والفقه وأصوله.
توفي احمد القاسم بن قاسم البوني - رحمه الله عام 1726م، واحتسب الأجر والثواب واخلص النية لله.
وأكرم الله مثواه وتغمده برحمته الواسعة.