هل باتت التكنولوجيا خطرا على الجزائريين؟

شاعر وصحفي

«شعب مثقف لا يجوع»  حكمة خلُدت مع مرور السنين...وهي صالحة لأن تكون مادة أولية لعديد المواضيع والأطروحات. بحيث أن الثقافة هي سلاح أبدي لا يفنى أو يشيخ. ومن خلاله تستطيع أن تصقل ذاتك كإنسان وكذلك كمجتمع ووطن. حيث إذا تمّ امتلاكه لا يمكنك أن تشعر بالخوف أو ينتابك الشك في  شيء. إنما تزداد ثقتك في نفسك وتزداد جرأة وعطاءً وكذلك إيثارا وإبداعا. أما إذ كان الجهل بمعناه المعرفي يسيطر على أفكارك فأنت في ضلال مبين.. ومرتكب للأخطاء حتى يرث الله الأرض ومن عليها؟
الأمم المتقدمة اليوم ليست بحاجة ماسة إلى المواد أوالبضائع بقدر ما هي بحاجة إلى الأفكار والمشاريع والبحوث المستقبلية التي باستطاعتها أن تقدم إضافة نوعية للصناعات والعلوم... وهكذا بقيت وركنت في مراتب تحسد عليها؟ عكس كثير من دول العالم الثالث والعرب بالخصوص ممن لا يجد المثقف الحقيقي والمقصود العضوي والفعّال وليس الحامل للشهادات العليا. مكانة تليق بمستوى جهده ونبوغه. وربما يتسائل سائل اليوم هل هذه الدول التي هي منا ونحن منها تتعمد في تجهيل أبنائها. حتى لا يرتقوا أو يتألقوا في عطاءاتهم العلمية مخافة أن يزاحمونها المناصب والإمتيازات؟ قد يكون هناك شىء من هذا القبيل إلا من رحم ربك... وإلا كيف نفسّر ظاهرة هجرة الأدمغة وازدياد حجمها لو لم تكن هناك مضايقات وعمليات خنق للأفكار والمشاريع؟ا وأن عددا من الأدمغة العربية تتألق في عواصم أوروبية وأمريكية..بينما تعيش الويلات في أوطانها الأصلية.
دعونا فقط نعرج على ظاهرة التقدم التكنولوجي المذهل في شتى بقاع المعمورة وكيف يتعامل معه الفرد الجزائري ومدى انعكاسه السلبي والايجابي على شخصه. وقد تبيّن ذلك من خلال حضور عالميّ الأنترنت والفايسبوك داخل يوميات الجزائريين وما إنجر من وراءهما من تأثير بالغ الخطورة على السلوكات اليومية. وإلا ما سبب العدد الخيالي للجرائم المرتكبة وضياع القيم بشكل تدريجي وظواهر مشينة أخرى تتنفس يوميا داخل المحاكم.
 نحن لا نلصف بصفة مباشرة التهم كلها بهذه النعمة التكنوجولية، لأننا كجزائريين لم نعرف الأنترنات إلا بعد سنة 2005، فهل 12 سنة هي كافية لشحن ألاف الأفراد وتهيئتهم كي يصحبوا على ما هم عليه اليوم. من مساوئ يندى لها الجبين . قد تكون الإجابة بنعم؟ لأنها ليست كسبب مباشر بل كانت الدعامة الحاضنة أو قل بتعبير آخر القاعدة التي ظلّت تبعث وتأوي وكذلك تلقح بمفعولها العلاقات بين الأفراد سواء داخل الأسر أو في الشارع أو في المدارس والمؤسسات الخاصة والعمومية....وهلم جرا.
وعليه بدت كالمغناطيس الذي يجذب جميع الأجسام من حوله. وبكافة أشكالها وأحجامها وألوانها.
ومن زاوية أخرى هل هذا التأثير القاس.... فعل نفس الشيء في دول ومجتمعات أخرى أم أن الجزائر هي إستثناء؟..... من حقنا أن نجيب بشكل سريع أن ذلك يتوقف على حجم البنية التفكيرية لدى مجموع الأفراد الذين لهم حرية الإختيار في استقبال وتقبل هاته الفكرة أو تلك ومن جهة في قضية صدها وردها.. لأن المجتمعات المثقفة.. كما قال غاندي تفتح نوافذها لجميع العواصف والتقلبات الجوية، لكن لا تسمح البتة في أن تقلع غصنا واحدا من شجرها؟ وغاندي كان يقصد الثقافات الوافدة وأحقية الحفاظ على الهويات والخصوصيات... وتصبح للكارثة حضورها يوم تكون البنية الفردية والجماعية جدّ هشة...عديمة المتانة ......وعرضة لكل هبوب عابرة ... هكذا يجب الفصل بين مجتمعات بها أفراد محصنون بالوعي عبر كافة الأصعدة... يفقهون جيدا قياس وحجم الحريات والحقوق مالها وما عليها ..وما هودورهم وعلاقاتهم بالمؤسسات والدولة والمواطنة وكذا بالثقافات الأخرى.
يبقى فقط رأي الخبراء والمحللين هو الأنجع والأصوب وهو أن التكنولوجية هي نعمة تاريخية لكافة الشعوب التي تستبطن منها الأنفع والأجدر في امكانية تأكيد الحضور واحترام خصوصيات الغير. وإلباسها لبوس المحلية دون إهدار هذه الأخيرة أو الاستهزاء بها. فالتشبيه ربما الأكثر صوابا هو أن المجتمع الجزائري صدمته التكنولوجيا وهو في عز مراحل نموه.. فوقع بين بين ...لا هو استطاع أن يحافظ على رتمه التصاعدي ومن جهة لا حتى القفز عليه ومصاهرة التدفق العلمي والمعرفي ومجاراته بل تكهربت مفاصل تفكيره وأضحى مفزوعا لا يدرك مافعله أمسا..وغير مهيأ نفسيا ليفكر فيما سيفعله غدا؟  

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024