راهنت الجزائر في السنوات الأخيرة على المورد البشري المؤهل من خريجي الجامعات لتعزيز التنمية المستدامة، حيث تم تعميم الجامعات والمراكز الجامعية والمدارس العليا على كامل التراب الوطني، لتحقيق التوازن الجهوي وتقليص فجوات الموارد البشرية المؤهلة التي كانت تفضل الاستقرار بالمناطق الساحلية التي تتوافر على كل مرافق الحياة.
تضم الشبكة الجامعية الجزائرية سبعاً وتسعين (97) مؤسسة للتعليم العالي، موزعة على ثمان وأربعين 48 ولاية عبر التراب الوطني. وتضم 48 جامعة، 10 مراكز جامعية 20 مدرسة وطنية عليا و07 مدارس عليا للأساتذة و12 مدرسة تحضيرية و4 مدارس تحضيرية مدمجة و04 ملحقات.
يقدر عدد الطلبة حاليا في الجامعات الجزائرية بحوالي 1.5 مليون طالب، الأمر الذي سيسمح بتكوين فئة الشباب في مختلف التخصصات وتزويد سوق العمل بكفاءات قادرة على منح الدعم لمختلف القطاعات المنتجة والخدماتية، مع التذكير أن الجامعات الجزائرية تعرف تخرج 200 ألف طالب سنويا. هذا في الوقت الذي سجلت فيه سنة 2006 ارتفاع عدد الطلبة إلى ٩٣٠ ألف طالب، فاق عدد الطلبة (٠١) واحد مليون طالب في ٢٠٠٩.
وبقدر ما توجه الانتقادات للجامعة الجزائرية من خلال عدم تصنيفها ضمن أكبر الجامعات العالمية، إلا أن التجارب الاستثمارية في الجزائر، خاصة من قبل الشركات متعددة الجنسيات والأجانب، قد حققت أرباحا ونجاحات باهرة بفضل سواعد الكفاءات الجامعية الجزائرية.
وقد أكدت بنوك «سوسيتي جنرال» و»بي.أن.بي باريبا» و»فرنسا بنك» اللبناني،و»أ.جي.بي» ومختلف متعاملي الهاتف النقال، ومؤسسات «لافارج» و»أوراسكوم تيليكوم» و»القطرية آرويز» و»سيترام» و»ميترو الجزائر « وغيرها من الشركات المستثمرة في الجزائر، عن اعترافها بقدرات الكفاءات الجزائرية التي مكنتها من تحقيق نتائج باهرة وأرباحا قياسية جعلتها توسع استثماراتها في الجزائر.
حتى على مستوى الجبهة الاجتماعية، فقد أدى ارتفاع الناجحين بشهادة البكالوريا والتحاق مئات الآلاف منهم بالجامعات ومن مختلف مناطق الوطن، خاصة تلك التي عانت من العزلة، إلى انعكاس ذلك إيجابا على مستوى معيشة الجزائريين، من خلال تمكينهم من مناصب عمل وأجور لا بأس بها، حيث رفعت من مستوى الدخل الفردي للجزائريين الذي يقارب حاليا 6000 دولار للفرد الواحد، بحسب إحصائيات الديوان الوطني للإحصاء وتقارير البنك العالمي. هذا في الوقت الذي بلغت فيه نسبة الدخل الفردي في 2013 حوالي 5300 دولار و4970 دولار للفرد في 2012.
تشير التقارير الرسمية التي أعلنتها الحكومة، إلى انخفاض في نسبة البطالة بأكثر من 20 من المائة في السنوات الماضية، حيث انتقلت من حوالي 30 من المائة إلى حدود 10 من المائة وهو ما يؤكد برامج التنمية الواسعة عبر 3 مخططات خماسية كلفت خزينة الدولة تقريبا 800 مليار دولار.
التربصات الميدانية لرفع المردودية الاقتصادية
اشترط الخبير الاقتصادي فارس مسدور، تخصيص وقت كبير للتربصات الميدانية للطلبة الجامعيين حتى يكونوا في مستوى تطلعات الاقتصاد الوطني، مؤكدا أن تعميم مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي على المستوى الوطني أمر جيد، لكنه غير كاف إذا لم نهتم بالبرامج البيداغوجية التي يجب أن تراعي الجانب التطبيقي الذي يسمح بتزويد مختلف القطاعات بكفاءات يمكن أن تقدم للاقتصاد الوطني قيمة مضافة.
وعاد فارس مسدور لواقع الجامعة الحالي، التي تخرج آلاف الطلبة دون تجارب في ميادين اختصاصهم وهو ما سيطرح مشكل النجاعة.
وقال نفس المصدر، إن تحقيق توازن اقتصادي جهوي يتطلب تحضيرا كبيرا، داعيا إلى الاقتداء بالتجارب الأسيوية في هذا الجانب، حيث نجحت عبر الاستثمار في المورد البشري من خلال برامج تكوينية عالية المستوى، مع الإدماج الفوري في الدورة الاقتصادية، الأمر الذي مكنها من تحقيق نسب نمو جيدة.
ودافع الخبير في حديث لـ «الشعب»، عن لامركزية القرار في الجامعة، من خلال التخلص من عقدة الشمال، فالكثير من الجامعيين ومن مختلف مناطق الوطن، مازالوا يعتقدون بأن مستوى الجامعات في الولايات الشمالية يفوق بكثير مستوى الجامعات في الجنوب الجزائري أو المناطق الداخلية، ولهذا كنت أؤكد على ضرورة رفع مستوى التأطير لنزع هذه العقدة.
وقال مسدور، إن توزيع الاستثمارات على مختلف مناطق الوطن، من شأنه أن يوفر مناصب عمل للجامعيين وأن يعزز التنمية المستدامة التي تعتبر أهم محور للتخلص من مختلف المشاكل الاجتماعية والاقتصادية.
الاعتراف وجو العمل المناسب أساسا النجاح
ربط جامعيون جزائريون نجاح الرهان على المورد البشري الجامعي بعاملين اثنين هما، الاعتراف وتهيئة جو عمل مناسب. وأكد الإعلامي عبد الوهاب بوكروح، المختص في الشؤون الاقتصادية أن الرهان على الكفاءات الجزائرية أمر حتمي وضروري للنهوض بالاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية المستدامة.
وقال الإعلامي بوكروح، إن الجامعة الجزائرية أثبتت جدارتها في تقديم كفاءات عالية المستوى بإمكانها أن تصنع اقتصادا قويا، وهذه ليست مجاملة فالمورد البشري الجامعي في الجزائر يبدع ويبتكر في ظروف صعبة وقاهرة تسيطر عليها عقلية
الاستيراد وضعف إنتاج الثروة ورغم ذلك لم يمنع الكثيرين من النجاح في مجالات عديدة، من خلال إرساء قواعد صناعة إلكترونية وميكانيكية وترقية الخدمات، رغم كل الانتقادات الموجهة لمختلف القطاعات الصناعية.
وشدد نفس المتحدث لـ «الشعب»، على الظروف والمحيط اللذين
توجد فيهما الجامعة الجزائرية والتي تتميز بالتحولات وكثرة الجدل ولكنها تنشط وتزود مختلف الجبهات بالمورد البشري، رغم كل ما يقال عن التصنيف ضمن الجامعات العالمية.
وبرر نفس المصدر حديثه لـ «الشعب»، بقدرة الجامعة الجزائرية على تخريج كفاءات بمستوى عالمي من خلال ما وصل إليه الكثير من المنتسبين للجامعة الجزائرية في مختلف دول العالم، بما فيها أمريكا الشمالية والقارة الأوروبية وحتى جنوب شرق آسيا باتت تستقطب العديد من الجزائريين الذين ساهموا في تنمية قدرات الكثير من الاقتصاديات لأنهم وجدوا الجو المناسب والاعتراف من سلطات تلك الدول.
وعليه، فالجامعة الجزائرية لا تتحمل مسؤولية تخلف الاقتصاد الوطني، والحل في توظيف الكفاءة الجزائرية هو الاعتراف بها أولا من خلال منحها المكانة التي تستحق وتوفير جو ومناخ العمل اللازم لتفجير طاقاتها ومنح القوة اللازمة للاقتصاد الوطني.
اسألوا الشركات متعددة الجنسيات؟
قال رياض تعزيبت، وهو جامعي جزائري متخرج من معهد علوم الإعلام والاتصال بالعاصمة، إنه عمل في شركات متعددة الجنسيات في الجزائر قائلا، إن تحكمه في اللغات وتكوينه الجيّد في المعهد على أيدي أساتذة في مستوى عال، مكنه من التأقلم مع كل الشروط التي تشترطها الشركات متعددة الجنسيات، حيث في تجربته الأولى كان في مجال الفندقة وبرز فيها رفقة عديد الكفاءات الشابة من خريجي الجامعة الجزائرية وفي ظرف وجيز حقق ذلك الفندق نتائج باهرة، مؤكدا أن مسير الفندق وهو من أصل بلجيكي، انبهر لمستوى الشباب الجزائري وقدرته على تحقيق الأهداف وأكثر، مقابل أجور تقل بأكثر من ١٦٠ من المائة عما يحصل عليه الجامعي في أوروبا.
ويكشف نفس المصدر في حديثه لـ «الشعب»، عن انتقاله لشركة متعددة الجنسيات أخرى تنشط في مجال الهاتف النقال، وتمكن من حجز منصب مهم، حيث أهلته كفاءته، معترفا بوجود جو عمل مناسب وتحفيزات ودروات تكوينية على مدار السنة، الأمر الذي يجعل الجامعي يبدع ويقدم كل ما لديه، طالما أن الشركات متعددة الجنسيات لا ترضى بالسلبي ولا الخسارة.
وقال الدكتور رضوان سلامن، من جامعة بسكرة، إن الجامعة الجزائرية يجب أن تكون قاعدة الاقتصاد الوطني من خلال الاعتماد على المورد البشري وتزويده ببرامج بيداغوجية في المستوى، وفتح مجال البحث العلمي لمختلف الفئات العمرية، لأن الذكاء متواجد بقوة لدى الجزائريين ولكن عدم توفير مناخ ملائم للإبداع والاستماع لهؤلاء يفوت علينا الكثير من القيم المضافة في مجال اقتصاد المعرفة والاقتصاد الصناعي المبني على براءات الاختراع، حيث تقوم عديد الدول بمنح تراخيص لدول أخرى مقابل أموال طائلة جدا.
وأشار الدكتور سلامن في حديث لـ «الشعب»، إلى ما تصنعه الكفاءات الجزائرية في مختلف دول العالم في مجال علوم الإعلام والاتصال، فمثلا الجزائريون يقودون كبريات وسائل الإعلام وصنعوا الفارق بينهم وبين دول أخرى كثيرة سبّاقة في التجربة الإعلامية.
ودعا بالمقابل الطلبة إلى الجد أكثر والانخراط في البحث العلمي الذي يعتبر الطريق لصناعة وخلق الثروة الحديثة المبنية على التكنولوجيات الحديثة، مع ضرورة فتح المناصب في مختلف الشركات الاقتصادية للجامعيين الشباب ومنحهم الإمكانات اللازمة لتحقيق الوثبة الاقتصادية.
ودافع بالمقابل عن الجامعات المتواجدة في الهضاب العليا والجنوب، التي باتت تستقطب إطارات كثيرة من الشمال، بالنظر للأهداف الكثيرة الطموحة وتوفير نفس الإمكانات المتواجدة في الولايات الساحلية، رافضا فكرة ضرورة العمل في الشمال أولا، لأن تحديات تكوين المورد البشري يفرض على الدكاترة والأساتذة الجامعيين التضحية لتحقيق توازن جهوي في مجال التكوين الجامعي وإنتاج كفاءات قادرة على حل مختلف المشاكل التي يتسبب فيها سوء توزيع المورد البشري.