التحسيس بأهمية الفرز الانتقائي أولى الخطوات
انخرطت كثير من المؤسسات الاقتصادية والناشئة في الإستراتيجية الوطنية لتثمين النفايات لتحقيق التنمية المستدامة من خلال تبني وسائل حديثة وخوض غمار الاستثمار في رسكلة المواد القابلة للاسترجاع والمعالجة وطرحها كمادة أولية من جديد، في حين فضّل البعض الاستفادة من إيجابيات التكنولوجيا والرقمنة من خلال طرح حلول ذكية مبتكرة لإدارة النفايات بشكل مستدام الرامية لبناء جزائر أكثر خضرة واستدامة والعمل على التحسيس بأهمية ودور الفرز الانتقائي كسلوك حضاري أوّلي لتحقيق هدف صفر نفايات.
يترجم التوجّه المؤسساتي السياسات المنتهجة في مجال تسيير النفايات في إطار رؤية تشاركية ومقاربة اقتصادية تجمع بين كل الفاعلين والجهات الرسمية والمتدخلة في هذا المجال بما فيه المواطن على اعتبار أنه الحلقة المستهدفة بالدرجة الأولى لأنه منتج النفايات المنزلية إلى جانب المؤسسات الاقتصادية وهو ما تسلّط عليه “الشعب” الضوء في هذا الاستطلاع.
وتعد مؤسسة “نيوريسيكلي” إحدى المؤسسات الناشئة التي تنشط في مجال تسيير النفايات من خلال الفرز الانتقائي، عبر أداء دور الوسيط ما بين المواطن أو المستهلك ومصانع الرسكلة والاسترجاع، بحسب ما أوضحته المكلفة بنشاط هذه المؤسسة نادية جزايري لـ “الشعب”.
وعن كيفية الحصول على النفايات المعنية بالفرز الانتقائي أشارت جزايري أنه بالنسبة للمؤسسات فهي تكون في إطار تقديم خدمة إعادة تدوير عبر مكتب خاص، أما بالنسبة للمواطن فتكون من خلال نقاط جمع محددة يتم نشر موقعها عبر موقع الشركة، حيث يسجل نفسه ويفتح حساب لدى الشركة وبعدها تظهر له خريطة توضح الموقع الجغرافي لنقاط الجمع.
الفرز الانتقائي
وأكدت المتحدّثة أنه حاليا تنشط الشركة على مستوى الجزائر العاصمة، البليدة، وعين الدفلى، حيث يتوجه المواطن الشريك للمؤسسة إلى هذه النقاط لوضع نفاياته المتمثلة في البلاستيك بنوعيه الأول وهو نوع رقيق والذي يستعمل في إنتاج القارورات، أما النوع الثاني فيتمثل في النوع المستعمل في انتاج السدادات أو قارورات مواد التنظيف، بالإضافة إلى مادتي الكرتون والألمنيوم بالنسبة للمؤسسات.
وبحسب جزايري يتم وزن أكياس النفايات، ويتم تحويل الوزن المحقق إلى نقاط توضع في حسابه ويمكن أن يستفيد منها المواطن الشريك من هدايا رمزية ككرة قدم، قميص وصل شراء وغيرها..
في المقابل تسمح طريقة عمل هذه المؤسسة الناشئة بتشجيع المواطن على المشاركة ونشر ثقافة الفرز الانتقائي من خلال تحفيز هذا السلوك الحضاري لدى المواطن حتى ولو كان ليس صاحب النفايات من خلال وضعها في المكان المناسب وبالكيفية الصحيحة للاستفادة منها كما يجب.
وبحسب المكلفة بنشاط هذه الشركة التي تعمل على استقطاب أكبر شريحة ممكنة من المواطنين والمستهلكين لاسيما فئة الشباب فإنها استفادت كثيرا من مواقع التواصل الاجتماعي، وما تتيحه الخدمات الرقمية من حلول وسرعة الانتشار وهو ما جعلها تخطو خطوات ناجحة في هذا المجال وتحويل المواطن إلى نقطة جمع، مشيرة إلى إطلاق الشركة لحملات توعية عبر المدارس من خلال تنصيب نقاط جمع، وكذا التقرب إلى جامعي النفايات الموازيين وإدخالهم في إطار النشاط الرسمي.
وتعمد الشركة إلى وضع نقاط جمع بأربع ألوان، اللون الأصفر لمادة الكرتون، الأخضر للبلاستيك الرقيق واللون الأحمر للبلاستيك الخشن، وأخيرا اللون الأزرق مخصص لمادة الألومنيوم.
استرجاع الورق..
في المقابل، تنشط شركة “أطلس غرين “ في إعادة تدوير مادة الورق بكل الأنواع، حيث تقترح هذه المؤسسة - بحسب – المساعدة غنية ساميت مجموعة من الخدمات لزبائنها منها جمع النفايات، النقل، المعالجة، التصنيف، اتلاف النفايات السرية بمحضر، وكل هذا النشاط الاقتصادي بأهداف بيئية بحته، مع تحسيس الناس بأهمية جمع النفايات والاستفادة منها.
وأوضحت المتحدثة أن أهمية جمع النفايات ورسكلتها يساعد في الحفاظ على المصادر الطبيعية الأولية للمواد على غرار الورق الذي يستخرج من خام ألياف الحطب، ما يعني تفادي القطع العشوائي وغير المبرر للأشجار، خاصة وأن الرسكلة تتيح عملية إعادة معالجة هذه مادة الورق القديم لست مرات، وهو ما يقلل من عملية استيراد هذه المادة، ناهيك عن النجاعة الطاقوية، حيث إن عملية الرسكلة تتطلق أقل من 40 بالمائة من الطاقة مقارنة بعملية الإنتاج الجديدة.
وترى ساميت أن الشركات لها مسؤولية اجتماعية وبيئية تجاه الأرض، ما يفرض عليهم أخذ هذه النقطة بعين الاعتبار، حيث إن المقاربة الاقتصادية تلزم المؤسسات ابتكار مواد جديدة مع الحفاظ على المواد الأولية، مشيرة إلى أن شركتهم حاليا تبيع الورق المرسكل كنفايات، غير أنها قريبا ستقوم بإنجاز وحدة إنتاجية لإعادة تصنيع الورق كمادة أولية.
تطبيقات عملية
من جهته يطرح إسماعيل لحلوش تطبيق “مستفيد” كمشروع وهو عبارة عن منصة رقمية تهدف إلى تنظيم وتثمين جمع النفايات القابلة لاعادة التدوير مثل البلاستيك والكرتون، حيث يشرك المواطنين والأفراد والمؤسسات في هذه العملية بمقابل مادي ويتيح تعاونا مثمرا بين القطاعات.
وبحسب لحلوش يساهم المشروع في حماية البيئة وتحقيق فوائد اقتصادية واجتماعية كبيرة، من خلال الاستثمار في العلاقة بين المستخدمين والجامعين، حيث يمكن للمستخدمين إنشاء حسابات والإشارة إلى أنواع النفايات القابلة لإعادة التدوير المتوفرة لديهم، ويمكن لجامعي النفايات أيضا التسجيل وتحديد المواد التي يجمعونها، فيربط التطبيق المستخدمين والجامعين بناء على موقعهم الجغرافي.
في المقابل يقوم تطبيق “مستفيد” بربط علاقة الجامع مع مراكز إعادة التدوير حيث يزود التطبيق الجامع بمعلومات عن أقرب مركز إعادة التدوير المناسب، ويمكن للجامع التوجه بعد ذلك إلى المركز بإيداع المواد المجمعة، أي يعمل مستفيد على تحسين عملية ربط المستخدمين بجامعي النفايات وتبسيط سلسلة إعادة التدوير، من خلال إنشاء حلقة وصل فعالة بين جامعي المواد ومراكز الرسكلة مما يضمن تجربة مثمرة للجميع.
إنتاج الكومبوست
وفي مجال إعادة تدوير المواد العضوية أطلق الطالب زاهير احمد تجربة إنشاء مادة الكومبوست وهو سماد طبيعي بديل يستعمل في الساحات الخضراء من خلال إحيائه لفكرة مدير جامعة المسيلة ميلي محمد الذي توفى قبل تجسيد هذا المشروع على أرض الواقع، فقام هذا الطالب بتجسيده وإنشاء أول مؤسسة ناشئة تنشط داخل الجامعة وذلك من خلال جمع النفايات وفرزها بين نفايات صلبة يتم تعليبها وتوجيهها نحو الجهات المعنية لاستغلالها والمواد العضوية هي التي يتم استخدامها في إنتاج مادة الكومبوست، من خلال ابتكار طريقة جديدة للمعالجة.
وبحسب زاهير احمد يتم استغلال كل نفايات الجامعة من خلال تجميعها ونقلها للفضاء المخصص لهذا المشروع البيئي، وقد نجحت في إنتاج عدة أسمدة سائلة وصلبة أثبتت نجاعتها في عدة نباتات على غرار أشجار الزيتون ومادة الثوم حيث كان الإنتاج وفيرا.
وأشار المتحدّث أنه في البداية كان انتاج مادة الكومبوست يتم خلال 6 أشهر لكن مع ادخال تعديلات على مجسم الإنتاج تم تقليص الوقت بحيث أصبح يتم معالجة النفايات في ظرف يتراوح بين 24 ساعة إلى 24 يوما، ما يعني أن مؤسسته نجحت في تحقيق هدفين، الهدف الأول يتمثل في القضاء على سياسة الردم التي تحتاج إلى مساحة ووقت، أما الهدف الثاني هو القضاء نهائيا على النفايات من خلال تثمين النفايات الصلبة، أما العضوية فتوجه مباشرة إلى المؤسسة.
وبحسب صاحب المؤسسة ساهمت المؤسسة في انتاج مادة نظيفة صديقة للبيئة وخلّصت الحرم الجامعي من نفاياته ورائحته عن طريق هذه الآلة، كاشفا عن سعيه للاحتكاك والتقرب من الفلاحين لإقناعهم بأهمية وفائدة هذا السماد مع إمكانية تطبيقها في أرض الواقع التقني من أجل تحقيق الوفرة الإنتاجية لمغروساتهم.
إشراك التلاميذ
بدورها أطلقت مؤسسة بوكحال للاسترجاع مشروع الفرز الانتقائي في الوسط المدرسي في إطار استرجاع وتثمين النفايات البلاستكية في المحيط المدرسي، حيث اقترحت المؤسسة لمصالح ولاية بومرداس عملية الفرز الانتقائي على مستوى المؤسسات التربوية، بهدف المحافظة على البيئة، تثمين النفايات وتحسين الإطار المعيشي المدرسي، ناهيك عن غرس ثقافة الفرز الانتقائي لدى الأطفال.
وتم اقتراح مدارس نموذجية لإعطاء الانطلاقة الأولى للعملية وهذا أثناء اجتماع اللجنة الولائية للتربية البيئية والتنمية المستدامة فببلدية بومرداس تم اختيار ثانوية الخليفة وفرانس قانون، وببلدية خميس الخشنة تم اختيار متوسطة محمد بكاري وبن مرزوقة وببلدية بودواو كانت ابتدائية سويداني بوجمعة ومؤسسة خالد بن الوليد حاضنتا المشروع.
وجنّد لهذا المشروع كل الوسائل البشرية من عمال المؤسسة والمادية عبر وضع حاويات حديدية وبلاستيكية مع تخصيص شاحنة لاسترجاع ونقل النفايات، ورافق ذلك عملية تحسيس لضمان نجاح العملية، حيث تقوم مديرية البيئة ودار البيئة بالتنسيق مع مديرية التربية بعملية تحسيس التلاميذ بأهمية استرجاع النفايات البلاستيكية والحفاظ على البيئة.
من جهة أخرى، شركة مؤسسة بوكحال لإعادة التدوير في الحملة الوطنية “معا لمكافحة البلاستيك بالتنسيق مع مديرية البيئة لولاية بومرداس في الحملة الوطنية التي اطلقتها وزارة البيئة في 21 سبتمبر تحت شعار “معا لمكافحة البلاستيك “ التي تهدف إلى توعية المواطنين بضرورة مكافحة النفايات وفرزها والتخلص منها بإعادة تدويريها ورسكلتها.
واستهدفت الحملة المحيط المدرسي بمتوسطة الهضبة ببودواو من الاسرة التربوية والتلاميذ، مع توفير الوسائل المادية بتوزیع قفازات وأكياس بلاستيكية ما سمح باسترجاع 1320 كلغ من النفايات.
غاز عضوي
وبجامعة تيبازة ينشط النادي العلمي التكنولوجي في مجال البيئة، حيث أوضحت رئيسته سولاف محارب طالبة ماستر 2 هندسة طرائق بيئة بمركز الجامعة موسى عبد الله تيبازة، أن النشاط في هذا الإطار العلمي الميداني سمح بالجمع بين تخصصي هندسة مدنية وهندسة طرائق بيئة وبالخروج بمشروعين من بينها رسكلة المواد العضوية وتخميرها لإنتاج غاز الميثان كحل بديل للغاز الطبيعي في إطار الطاقات المتجدّدة.
وأوضحت سولاف أن هذه المشاريع قدمها الطلبة الأعضاء باسم النادي، حيث استفادوا من الأنشطة التي يقوم بها إلى جانب التكوين البيداغوجي بالجامعة ما مكّنهم من جمع المعلومات الكافية للحصول على هذه النتيجة، إلى جانب مشروع آخر يتعلق بإعادة تدوير مواد البناء الناتجة عن هدم البنايات القديمة أو تلك التي لم تستوف المعايير.
ويقوم النادي العلمي بنشاطات توعوية وارشادية مع شركاء من المجتمع المدني على غرار الكشافة الإسلامية وجمعيات على مستوى الولاية من خلال تنظيم خرجات ميدانية تستهدف توعية التلاميذ في المستوى الابتدائي المتوسط والثانوي، على اعتبار أنهم يمثلون الأجيال الصاعدة القادمة، عبر تحسيسيهم بأهمية الفرز الانتقائي في معالجة النفايات وتثمينها كمورد مدر للثروة وللمواد الأولية خاصة مع بروز شركات ناشئة تنشط في هذا المجال، وكذلك لضمان نشء واع بالثقافة البيئية.
جمعيات بيئية
وفي إطار النشاط الجمعوي تنشط جمعية “بلوغينغ الجزائر” في الحفاظ على البيئة أثناء ممارسة نشاط رياضي، حيث أوضح امحمد معماش عضو في الجمعية التي تمثل مبادرة اشتقت تسميتها من كلمة سويدية “بلوغا جوغا” والتي تعني “ اجري واحمل نفاياتك”، وقد عمدت إلى التنويع في نشاطاتها مع التركيز على التوعية والتحسيس للأطفال وحتى البالغين من خلال تنظيم حملات تشجير وخرجات ميدانية كالسياحة الريفية النشاطات التدريبية، تكوينات ميدانية، محاضرات...وغيرها.
وأوضح معماش أن نشاط الجمعية استطاع أن يستهدف فئة كبيرة جدا من الشباب بما فيهم الذين ينشطون خارج المجال البيئي أو الجمعوي، حيث يقوم المشاركون في نشاط الجمعية بجمع النفايات بصفة عامة، وفي حال تنظيم تظاهرات رياضية كبيرة مثلا يتم توجيه المشاركين نحو الفرز الانتقائي.
وركّز المتحدّث أنهم كجمعية يركزون على العمل التطوعي التوعوي طوال السنة سيما لدى الناشئة من أجل صناعة جيل يتحلى بالمسؤولية البيئية، واستغلال المناسبات العالمية سيما المتعلقة بالبيئة، وهذا يكون من خلال تنظيم خرجات ميدانية للمدارس وحتى للجامعات، وإطلاق مبادرات كـ “نديروها عندنا خضراء” خلال موسم التشجير الذي يبدأ من شهر أكتوبر إلى غاية شهر مارس، أما في فصل الصيف فيتم الحرص على سقي ومرافقة الشجيرات لضمان استدامة حياتها.