صُنّاع الحلي بباتنة يطالبون بتحيين الإطار القانوني

غياب التّشريعات يحرم الخزينة من 150 مليار دينار

باتنة: حمزة لموشي

 تسمّى باتنة عاصمة للذهب نظرا للعدد الكبير من الحرفيّين والتجار الذين تعج بهم أحياء مدنها، والتي تحوّلت في السّنوات الأخيرة إلى قبلة لتجار الذهب والمجوهرات، وعشاق هذا المعدن الثمين من كل ولايات الوطن، نظرا لشهرة ذهب المنطقة المُنتج محليا والمعروض بمحلات ولايات الشرق والغرب والجنوب الجزائري، ومنافسته للمنتوج الإيطالي والتركي المُستورد.

 يكاد لا يخلو حي من أحياء مدن بلديات عبدي مثل منعة، نارة، شير، بوزينة وثنية العابد، وبلدية واد الطاقة المعروفة محليا بـ «بوحمار» البلدة الهادئة في عمق الأوراس، بشرق باتنة، من ورشات لصناعة الذهب، وتُعتبر إمبراطورية الذهب، ومعقل صناعة هذا المعدن النفيس، توارث حرفيوها أسرار صناعة المعدن الأصفر، أبا عن جد، بدأت منذ عقود خلت من الزمن ترجع للعهد الاستعماري بتشكيل الفضة وصناعتها لتتطور تدريجيا منذ الاستقلال لتشمل صناعة الذهب، التي تتوفر على أزيد من 900 ورشة متخصصة في صناعة الذهب وتشكيله، لا تملك واجهات فخمة أو مفتوحة، وإنما هي عبارة عن ورشات صياغة موجودة بمنازل الحرفيين والتجار تنشط بطريقة سرية، وبأدوات بسيطة يُبدع أهل بوحمار في وضع لمساتهم الفنية على الذهب، في حين لا يتجاوز عدد الورشات النظامية المرخصة 250 ورشة.
ورشات سرية
 الحديث عن صناعة الذهب بالأوراس وجني الثروة ليس بهذه السهولة خاصة في السنوات الأخيرة، حيث يشهد القطاع فوضى يجتهد الفاعلون في هذا المجال على تنظيمها وتطويرها خدمة للصانع والبائع والمشتري، وكذا الخزينة العمومية على حد سواء، وعمل عيسى أمغشوش على تأسيس الجمعية الوطنية لحرفي وتجار المجوهرات بغية محاربة مشاكل الغش في القطاع على المستوى الوطني، بفتح مكاتب عبر الوطن للمساهمة في التنمية الاقتصادية، حسب ما أفاد به في تصريح لـ «الشعب».
رئيس الجمعية الوطنية أكّد تحوّل صناعة الحلي الذهبية من حرفة تقليدية ذهبية خالصة ومقدّسة توارثها سكان الأوراس باتنة إلى حرفة أساء لها الغش والرداءة، حتى أنّ المشتري أصبح يشك في كل ما هو معروض للبيع من حلي، ما دفعه لتأسيس الجمعية للحفاظ على المهنة وإعادة الاعتبار لها بحكم أنّه من أقدم حرفي وتجار صناعة الذهب بالجزائر، إضافة إلى اقتنائه لجهاز المحلل الفوري للذهب، حيث أصبحت صناعة الذهب مُتاحة للجميع في ظل تحول المنازل إلى ورشات سرية لا يمكن مراقبتها، وكذا جشع بعض التجار وسعيهم للربح السريع على حساب سمعة الحرفة وتاريخها باستعمال الغش في الصناعة بإذابة وخلط الذهب بمواد أخرى كأسلاك النحاس الرقيقة، التي لا يمكن اكتشافها عند إجراء عملية المراقبة، ولا يمكن التمييز بينها وبين معدن الذهب قبل تحويلها إلى حلي ومجوهرات تتم كلها في ورشات سرية، وهي العوامل التي ساهمت في تشويه صورة صناعة المعدن الأصفر بالأوراس، حسب أمغشوش.
بريق صامد
 جاء تأسيس الجمعية لإعادة صناعة المجوهرات إلى مكانتها بتطهير الدخلاء عليها، وتوحيد جهود كل الحرفيين الشرفاء للقضاء على الفوضى والغش في صناعة الذهب، الذي ما زال يستهوي شباب بوحمار وواد عبدي رغم مخاطرها الصحية والأمنية قبل عملية التسويق دون الحديث عن مشاكل التنقيب، الذي يبقى حلما لدى الحرفيين، على أمل أن تعطيهم السلطات الوصية حق التنقيب لتحقيق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، إضافة إلى تقنين الحرفة وتدعيمها، وهي مطالب الجمعية، خاصة في ظل المنافسة الشرسة من طرف الذهب المستورد من دول ايطاليا وتركيا.
وتأسّف محدّثنا للواقع المرير الذي يعيشه قطاع صناعة الذهب على المستوى الوطني والفوضى التي تسوده، مؤكّدا حرص جمعيته على السعي المستمر للدفاع عن الحرفة وتراثها لتغيير هذا الواقع، وفتح آفاق جديدة لصناعة المجوهرات، والحفاظ على مكانة باتنة كقطب حرفي وطني رائد في صناعة المجوهرات.
وتتمتّع الولاية بخصوصية بتصدّرها صناعة الحرف وتجارة الحلي التقليدية والعصرية من الذهب والفضة، محافظة بذلك على هذا الموروث الثقافي والحضاري، ومراعاة قيمة وخصوصية هذه المعادن باعتبارها ضمانا للكتلة النقدية للدولة، كما أنها مصدر رزق لنسبة كبيرة من المواطنين، وموردا لخزينة العمومية للدولة، يضيف أمغشوش.
بلغة الأرقام حول واقع القطاع، كشف أمغشوش أنّ إجمالي اليد العاملة بالقطاع تقدّر بـ 18045 عامل تتوزّع بين الحرفيين والصناع المسجلين بـ 1649 و1600 حرفيي موازي، إضافة إلى 300 تاجر مسجّل، أما عدد العمال الأجراء بمعدل 4 عمال بالورشة وأصحاب العمل فيقدر عددهم بـ 14196و إضافة إلى 300 يد عاملة غير مباشرة لبائعي تجهيزات العمل.
ويُساهم القطاع بالناتج المحلي، بمعدل إنتاج شهري 500غرام لكل حرفي وصانع مقسم بين 80 بالمائة ذهب و20 بالمائة فضة، بإنتاج 1300 كيلوغرام ذهب و325 كيلوغرام فضة، وفي مقابل هذا الإنتاج الكبير شهريا، فإنّ خزينة الدولة لا تتحصّل حسب رئيس الجمعية إلا على حوالي 2 بالمائة ممّا يفترض تحصيله وفي معظمه يأتي من الحجوزات جراء المخالفات التي تُرتكب من طرف المخالفين، وبسبب غياب قوانين منظّمة لهذه الصناعة، تُحرم خزينة الدولة سنويا من مداخيل تتعدى 150 مليار دينار بسبب عدم استيعاب النشاط الموازي والتهرب الضريبي، وعدم دمغ التجار والحرفيين للذهب والفضة. وكحل لهذه المشكلة، يقترح أمغشوش توفير المخابر على مستوى كل الولايات لتحليل الذهب، وتنظيم لقاءات بين التجار والحرفيين وأعوان الأمن والدرك، وأيام دراسية وتوعوية وأبواب مفتوحة على إدارة الضرائب خاصة بالمنتسبين لهذا القطاع لتقريبهم أكثر من الإدارة، وتقديم ما يلزم من شروحات لهم حول النظام المقترح لهم، ممّا يشجعهم على تداول الفواتير وغرس الثقة في نفوسهم اتجاه إدارة الضرائب، وكذا شرح القوانين الخاصة والمنظمة للمهنة، بغية تجنب الخلط بين الإجراءات الخاصة بالقانون العام والخاص الذي يخضعون له ممثلا في قانون الضرائب غير المباشرة كون رقابة هذه المعادن من صلاحيات مصالح الضمان والرقابة في محلات العرض وأماكن التصنيع، طبقا للمادة 384 من نفس القانون.
إفلاس بسبب الضّريبة وندرة المادة الأولية
 تعكس هذه الأرقام حسب عيسى أمغشوش نسب التداول المالية الكبيرة لهذه الصناعة التي يمكن للدولة أن تستفيد من مداخيلها لو أدرجت ضريبة جزافية بالنسبة لتجار التجزئة تُدفع كل سنة، حسب نشاط كل منطقة إضافة إلى تسهيل الحصول على تراخيص لإنشاء وحدات تصفية ورسكلة المعادن الثمينة، وتمكين الصاغة من اقتناء ماكينات لتطوير نشاطهم.
وبالرغم من نجاح هذه الصناعة ورواجها وطنيا، إلا أنها تواجه العديد من المشاكل التي حالت دون تطورها رغم جهود الجمعية الوطنية لحرفي وتجار المجوهرات ورئيسها عيسى أمغشوش، خاصة ما تعلق بندرة المادة الأولية، والتي تشكّل أهم المشاكل للحرفين وصناع الذهب بسبب عدم قيام الدولة بتوزيع سبائك الذهب الخالص بالطريقة النظامية اللازمة ما دفع أغلبهم إلى التعامل بالذهب المستعمل المعروف بـ «الكسر أو الكاس». وقد وجّه المعنيّون عدة نداءات للجهات المعنية للتدخل، وإيجاد حل لهذه المشكلة التي عمقتها قانون المالية، الذي أتى بنظام ضريبي مجحف في حق فئة الصاغة، ما تسبّب في غلق أكثر من 500 ورشة صناعة ومحل بيع المجوهرات على مستوى ولاية باتنة لوحدها، ما يُنذر بالقضاء على المهنة وتنفير أصحابها منها.
وفي هذا الشأن، أوضح أمغشوش أنّ جمعيته دعت إلى إلغاء النظام الضريبي الحقيقي والإبقاء على النظام الجزافي، معتبرا أنّ النّظام الحقيقي لا يخدم لا مصلحة الصاغة ولا الاقتصاد الوطني، ما دفع بالمهنة نحو الفوضى والنشاط غير الشرعي، وما ينجر عن ذلك من مشاكل، حيث طالب محدّثنا بتموين السوق بالمادة الأولية، واستحداث مدارس متطورة لصناعة الذهب، وتكوين الحرفيين والصاغة كما يقوم هو في الجمعية، إضافة إلى إعادة النظر في دفتر الشروط المتعلق بعملية التنقيب عن الذهب، والسماح بأولوية المشاركة لأصحاب القطاع باعتبارهم أصحاب حرفة وخبرة في المجال أو بيعها لهم بعد توفيرها ممّا سيعطي نفسا جديدا للتجارة وانتعاش الخزينة العمومية.
ضبط الصّناعة
 يأتي أيضا توفير الدولة للمخابر المجهزة بأحدث الآلات الخاصة بالمعادن الثمينة في كل ولاية على رأس مطالب الصاغة لتفادي كل صور الغش مع توفير وحدات الرسكلة، وتجهيز مكاتب الضمان بمعدات حديثة، وتنظيم تنقل السلع، في الحواجز والتدخلات الفجائية، فكثيرا ما يتعرض التاجر والحرفي أثناء التنقل بالبضاعة إلى إجراءات رقابية من طرف بعض مصالح الأمن ورغم تقديم الوثائق القانونية، إلا أنّه تتّخذ ضدهم إجراءات قاسية تُعرقل تطور الصناعة.
وذهب أمغشوش أبعد من ذلك في رغبته في تطوير القطاع والمضي به قدما ليصبح خلاّقا للثروة من خلال دعوته إلى فتح آفاق للطلبة المتخرّجين من الجامعة لتطبيق مذكراتهم الجامعية ميدانيا في صناعة الحلي والمجوهرات، وكذا إدماج خريجي الهندسة المعمارية في مجال التصميم الثلاثي الأبعاد 3D، وإدخال نماذج وأشكال خاصة بالذهب بطريقة عصرية وحديثة، وتكوينهم في كيفية العمل بالآلات الحديثة الخاصة بتصنيع الذهب وكيفية إصلاحها، داخل مراكز التعليم والتكوين المهنيين لتلقينهم الدروس التطبيقية في الورشات رفقة خريجي العلوم الكيميائية، وتكوينهم في التحاليل الكيميائية بالطرق العلمية في المخابر الخاصة بتحليل الذهب.
والأهم ممّا سبق يؤكّد أمغشوش تسهيل العمل بالسجل التجاري البيومتري وبطاقة الحرفي البيومترية، لمعرفة هوية حاملها وتسهيل الرقابة الآلية عليه، معتبرا إيّاها خطوة لبناء قطاع صناعة الذهب بطريقة عصرية، ويعتبر محدّثنا هذه الحلول ناجعة لتنظيم القطاع ملحا عليها منذ تأسيسه لجمعيته على المستوى الولائي سنة 2006 استجابة لأصحاب الحرفة على المستوى الوطني، مثمنا ما تحقق بفعل مجهودات أصحاب المهنة الشرفاء على المستوى المحلي والوطني كتخفيض مبلغ الدمغ من 160دج للغرام الواحد إلى مبلغ 40 دج، وذلك عقب تأسيس الجمعية الوطنية سنة 2019، وانتخاب عيسى أمغشوش رئيسا لها.
أمل الحرفيّين
 تسعى الجمعية الوطنية المتواجدة بـ 31 ولاية لتحيين القوانين المسيرة للقطاع، خاصة وضع قانون ضريبي خاص بهذا النشاط يتماشى مع خصوصية حرفة تصنيع وتجارة المعادن الثمينة بالاقتطاع من المصدر والرفع من المستوى العلمي لممارسي الحرفة لتسهيل اطلاعهم على القوانين واحترامها والعمل بموجبها، وبالتالي إلزام تجار التجزئة بالتعامل بالفواتير عند الشراء أو التصنيع بأجرة من عند الصناع والحرفيين ثم تشديد الرقابة الميدانية على المخالفين من طرف مفتشيات الضمان وتسليط العقوبات المادية عليهم للقضاء على الغش الموجود بالمصوغات المتداولة بالسوق بدون دمغة بتحديد فترة شهرين ليقدم فيها جميع التجار سلعهم مضبوطة العيار إلى مكاتب الضمان للدمغ.
وألحّ رئيس جمعية حرفي وتجار الحلي والمجوهرات على أهمية فتح سوق أو بنك لتوفير المادة الأولية لتموين الصانعين والحرفيين كل حسب طاقته الإنتاجية، وتزويدهم بها من خلال استظهار وصل كمية السلعة المدموغة التي يتسلمونها في كل مرة من إدارة الضمان، لضمان تصنيعها وعدم تهريبها، رغم النقص الكبير فيها وطنيا، حيث لا تتجاوز نسبة توفر المادة الأولية في السوق 1 أو 2 في المائة، ممّا هو متداول، وتتواجد لدى التجار الكبار، ما يدفع بالحرفيّين إلى التعامل بالذهب المستعمل بإعادة تدويره في كل مرة، ما شجّع على تفاقم الغش فيه، وإضافة مواد أخرى له ليصبح أقل جودة، وأقل من 18 قيراطا المتداول ببلادنا.
وفي هذا الخصوص، أكّد عيسى أمغشوش، رئيس الجمعية واحد أقوى وأكبر تجار صناعة الذهب وطنيا وأشهر صاغتها المعروف بجودة صياغته أن مشكل المادة الأولية موجود فعلا لكنه لا يمنع من صناعة ذهب وحلي نقية لأنّ الدولة توفّر الذهب بالرغم من كمياته القليلة عن طريق وكالات «أجينور»، بأسعار مرتفعة فعلا، ولا يتناسب مع أسعار السوق الحقيقية، وهامش ربح منخفض جدا، لذلك يضطر التجار للتعامل بكسر الذهب، ويتهرّبون من اقتنائه مفضّلين ذهب السوق السوداء.
ويحرص محدّثنا بالنسبة لمحلاته على صك قطعة ذهب تحمل ختمه، وطور مصنعا لصناعة الحلي الذهبية بتصاميم عالمية، مشيرا إلى أنّ غياب ثقافة اقتناء الذهب المطبوع لدى الزبائن جعلهم عرضة للغش والاحتيال، لأن الذهب الذي لا يتوفّر على الدمغة أو طابع غير مضمون وغير نقي 18 قيراطا ، مستدلا بوجود قطع ذهبية ذات عيار 12 أو 14 قيراطا بسعر قطعة بقيمة 18 قيراطا، وهو ما تسعى الجمعية لمحاربته حفاظا على هيبة القطاع وتاريخه.
إنّ التّحدّي الذي يُواجهه الصناع والحرفيّون من أجل مواكبة منتجاتهم للتصنيع العصري والقضاء على الغش والسوق الموازي، حسب أمغشوش هو انفتاح الإدارة عليهم، وتضافر جهود الجميع لتوفير أحسن الظروف للعمل لمواكبة التقدم الحاصل بالقطاع والترويج لحضارة الجزائر، وتنوّع تراثنا المادي والمعنوي وتقديمه داخليا وخارجيا بشكل جيد كعلامات تجارية مسجّلة تُساهم في نشر ثقافتنا العريقة للعالم، وتنتج مكاسب مادية للفرد والمجتمع.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024
العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024