نجحت طالبتان بجامعة طاهري محمد بولاية بشار، من خلال بحثهما، في توفير الظروف الملائمة لتربية طحالب «السبيرولين»، بعد استفادتهما من دورات تكوينية بتمنراست، ومرافقتهما من طرف مديرية الصيد البحري والموارد الصيدية بولاية بشار، وتسعى الطالبتان سوسن ورؤى من خلال مؤسسة قمن بإنشائها، إلى إنتاج السبيرولين في شكل عجائن وطرحه في السوق بأسعار مقبولة. ويرتقب ان يخرج المشروع الى النور بعد الانتهاء مباشرة من الاجراءات الادارية.
من جهتها، تحرص مديرية الصيد البحري والموارد الصيدية، على مرافقة هذا المشروع، الذي من شأنه أن يعطي دفعة قوية للاقتصاد المحلي، وتشجع بذلك حاملي الأفكار على إنشاء المزيد من المشاريع من هذا النوع.
تقول الطالبة سوسن بن محمد أن البداية كانت خلال دراستها لمقياس (علم تصنيف النباتات) «Botanique» حيث سمعت للمرة الأولى عن طحلب « سبيرولينا» الذي لديه العديد من المزايا التغذوية، لأنه غني بالبروتينات والألياف والأملاح والفيتامينات المفيدة للجسم والعديد من العناصر الغذائية، وتابعت «منذ ذلك الحين قررت أن أستعملها كفكرة مشروع، بعد ذلك التقيت بزميلتي رؤى عادل خلال دورة تكوينية بدار المقاولاتية، أين طرحت عليها فكرة المشروع، وبدأنا العمل من خلال مشاركتنا في التحدي الجزائري للمؤسسات الناشئة، وتوجنا بالمرتبة السادسة وطنيا من بين 700 مشروع، لنشارك بعد ذلك في تحدي مؤسسات ناشئة، تلقينا خلال ذلك تأطيرا من طرف « حاضنة برانكو» التابعة لأحد مكاتب الهندسة، وهنا يتم مرافقة المؤسسات الناشئة من الفكرة إلى التجسيد، إلى جانب ذلك تمت مرافقتنا من قبل غرفة الصيد البحري ببشار من الناحية التقنية، وقامت بالإشراف على تكويننا لدى أول باحث قام بتربية الطحالب، وهو الدكتور «هيري» الذي يقيم مشروعه في ولاية تمنراست، ويعد الأول في الجزائر بخبرة 23 سنة، كما أنه معروف عالمياً في هذا المجال. يربي الدكتور «هيري» نوعا خاصا من الطحالب اكتشفه بمنطقة تمنراست يسمى « فورسبيهاتن»، وقدأجرينا تكوينا تطبيقيا لديه لمدة أسبوع في شهر مارس من السنة الماضية 2021، واختتم الدكتور « هيري» الدورة التكوينية الوطنية بندوة حول تربية طحالب السبيرولينا بالشراكة مع غرفة التجارة والصناعة لولاية تمنراست، وجامعة تمنراست، ومديرية الصيد البحري لولاية بشار.»
«إكوايات» لعجائن السبيرولين
تتابع الطالبة سوسن حديثها: «بعد ذلك قمنا بالمشاركة في مسابقة وطنية للسلامة الغذائية تحت عنوان: «سايف فود safefood»، أين أطرتنا حاضنة برانكو، من الناحية المقاولاتية، وتوجنا بالمرتبة الأولى في مشروعنا المتعلق بتربية طحالب السبيرولينا في ولاية بشار - تواصل - بعد ذلك قمنا على مستوى جامعة بشار، بتربية هذا النوع من الطحالب لمدة شهرين داخل أحواض صغيرة ووفرنا لها شروط المعيشة والمغذيات، الضوء والأحماض، ودرسنا ظروف معيشتها في بيئة بشار، وبعد نضوجها استخلصنا منها المسحوق، وقمنا بعد ذلك بإجراء تحاليل تثبت امكانية استهلاكها، والإضافة التي أضفيناها هي تسويق هذا المسحوق على شكل عجائن ذات قيمة غذائية عالية وذوق جيد وفي متناول الجميع، وبهذا الابتكار تحصلنا على علامة مشروع مبتكر من الوزارة المنتدبة لدى المؤسسات الناشئة واقتصاد المعرفة، ويحمل مشروعنا اسم «أكوايات» وبهذا تمكننا من الحصول على بعض الامتيازات الجبائية وفرصة تمويل من صندوق المؤسسات الناشئة.
تؤكد صاحبة المشروع سوسن بن محمد أن نقطة الاشتراك بين ولايتي تمنراست وبشار، في مجال تربية السبيرولينا، هي الشمس، على اعتبار أن هذا الطحلب يحتاج إلى درجة حرارة عالية، وهو ما دفعها وزميلتها إلى السعي بمشروعهما لجعل مستخلص السبيرولين غذاءً كاملاً، وليس مجرد مكمل غذائي، بحيث يصبحُ بالإمكان الاعتماد عليه لإعطاء الجسم العناصر الغذائية الأساسية الكافية التي يحتاجها، مشيرة إلى أن «السبيرولين» غني بالأملاح والبروتينات، فـ1 كلغ منه يغذي 500 شخص، على اعتبار أن 2 غرام من سبيرولين يلبي جميع احتياجات جسم الشخص البالغ، أما الاهتمام الأكبر فينصب حول جعله بديل تغذوي يستعمل في محاربة المجاعة في الدول الافريقية الفقيرة، وكان الدكتور هيري تبرع بـ 16 كلغ لهذا الغرض.
منتج للاوكسجين وبديل للمحروقات
وأشارت إلى أنه بالاضافة إلى قيمته الغذائية، لديه فوائد عديدة منها، أنه يمكن إستخدامه في ميدان التجميل، حيث يتم استعماله في كريمات المضادة للتجاعيد، كما أنه يعطي نظارة للبشرة، كما أنه يمكن أن تقوم على طحلب سبيرولينا صناعات عديدة، من شأنها أن تصبح ثروة إقتصادية بديلة للمحروقات، حيث يمكن صناعة زفت طبيعي وبيولوجي، والتي من شأنها التقليل من استغلال المحروقات، كما أنه يمكن استخلاص منه مادة زيت طبيعي، ليتم استخدامه كبنزين طبيعي بيولوجي، لأن صناعة البنزين عادة ما يستعمل فيها زيت المحروقات مع كحول، ما يجعلنا نعوض زيت المحروقات بزيت طبيعي مستخلص من سبيرولينا التي لها تأثير مباشر على البيئة، لأن هذا النوع من الطحالب ينتح كمية كبيرة من الأكسجين، حيث يمتص سنويا 21 طن من غاز ثاني أوكسيد الكربون، وفي حالة وجود مشاريع كثيرة بامكانها أن تساهم في تعديل المناخ والحفاظ على الجو، ومن هذا المنطلق جاء إهتمام الأمم المتحدة بالسبيرولين، الذي يعتبر صديقا للبيئة.
أفاد مدير الصيد البحري والموارد الصيدية لولاية بشار، جمال بولخصايم، أن من أولويات قطاعه هو دعم و تشجيع تربية طحالب السبيرولين و تربية المائيات بالمنطقة، حيث قمنا بدورات تكوينية في نشاط تربية الطحالب سبيرولينا، حققت نجاحا، وعرفت مشاركة العديد من الطلبة من 14 ولاية، معظمهم أصبحوا حاملين للمشروع ويسعون لتجسيده، من بينهم طلبة في ولاية بشار، حيث هناك مشروع لأحد الشباب ما يزال في مرحلة التربية التقليدية، وينتج كمية قليلة من سبيرولين، سيتم دعمه إما من طرف صندوق المؤسسات الناشئة أو من طرف أجهزة الدعم المختلفة، إلى جانب المشروع الثاني الخاص بالطالبتين والذي يحمل إسم «إكوايات».
إدراج سبيرون ضمن المواد الصيدلانية
أوضح بولخصايم أن هناك مجموعة من الإجراءات الخاصة بالاستثمار، تقوم مديرية الصيد البحري بإعطاء رخصة لإنشاء مشروع طحالب السبيرولين، ومن خلال حصولهم على الرخصة يمكنهم التوجه نحو أجهزة الدعم التي تقوم بتمويل مشاريعهم، وأضاف: «بما أننا نسعى على مستوى ولاية بشار إلى إنشاء منطقتين صناعيتين ببلديتي بني ونيف وحاسي الهواري، يمكنهما أن تساهما في إحتضان هذه المشاريع الخاصة بتربية طحالب السبيرولينا إلى جانب المشاريع الأخرى المتعلقة بتربية المائيات .
وتابع المتحدث: مشروع تربية سبيرولينا مشروع واعد نعمل على تطويره على مستوى ولايتي بشار وتمنراست، كون هذه النوعية من المشاريع ذات مردودية عالية من الناحية الإقتصادية، حيث يبلغ سعر الكيلوغرام الواحد من السبيرولينا في السوق اليوم ما بين 35 ألف إلى 45 ألف دينار جزائري، ويقبل عنه الرياضيون والمرضى، واستخدامه كمكل غذائي، كما يستعمل حاليا في مجال الصناعات الغذائية والصناعات التجميلية، وكشف المتحدث عن تسطير برنامج لوزارة الصيد البحري والموارد الصيدية بالتنسيق مع الوزارة المنتدبة من أجل أن يصبح سبيرولين ضمن المواد التي يستم إستعمالها في مختلف الصناعات الصيدلانية، تشجيعا للشباب الراغبين في الإستثمار في طحالب سبيرولين، خصوصا أن هذا النوع من المشاريع غير مكلف ومنتج، حيث أن متر المربع الواحد من سبيرولين ينتج من 7 إلى 10 غرامات في اليوم، وهذا ما يتيح للراغبين في ذلك، انشاء مشاريع صغيرة وعائلية، تعتبر مدخول اضافي للعائلات ومصدر إضافيا للحصول على الرزق.
أفاد المدير أن المديرية تمكنت من توفير هذا النوع من الطحالب في ولاية بشار، مما يسمح للراغبين في انشاء مشاريع في البدء في الانتاج بعد توفير ظروف العيش التي يتطلبها هذا الكائن، المتعلقة بتوفير البيئة ودرجة الحرارة والحموضة معينة ونسبة بكربونات الصوديوم.
مشاريع للماكثات في البيت
أما فيما يتعلق بولاية تمنراست التي تعتبر بيئته ومشروع وطني للسبيرولين، يقول محدثنا إن هناك برنامجا خاصا بالنساء الماكثات بالبيت، يتعلق باجراء دورة تكوينية قصيرة ليتمكنوا من القيام بمشاريع عائلية، كون المنطقة لا تتطلب عناية كبيرة، فضلا عن أن جميع الشروط متوفرة، خاصة بتوفر حجر ناطرون الغني بكاربونات الصوديوم والأملاح، وهو حجر بركاني موجود في الطبيعة ويساعد على تغذية سبيرولين، ولذلك فتكلفة تربية السبيرولين تكون منخفضة، بالاضافة الى ذلك لا يشترط أن يكون المستثمر ذو مستوى تعليمي، مشيرا إلى أنه سوف يتم إنشاء مخبر خاص، لإستقبال المنتوج الذي تأتي به هذه العائلات المستثمرة، بغرض تجميعه وتحليله قبل عرضه للإستهلاك .
في سياق الحدث، قال المتحدث إن ولاية بشار ماتزال تحتوي على كميات قليلة من السبيرولين، وليست موجهة للإستهلاك، بسبب أنه ليس لدينا إمكانات لتحليل المنتوج، ولذلك نحن نسعى للعمل بالتنسيق مع مخابر الجامعة.
مضيفا الآن نحن في مرحلة إنشاء المشاريع، بعدما تأكدنا أنه يمكن تربية سبيرولين في ولاية بشار، عن طريق تجربة مشروع الطالبتين، و توفر هذا الصنف، والشروع في تربية هذا الكائن، دون جلبه من أماكن أخرى.
وصرح قائلا: مشاريع السبيرولين ذات مردودية عالية، سوف تساهم في خلق مناصب شغل مباشرة، من تقنيين داخل المزرعة، وغير مباشرة من خلال قنوات التسويق التي تنتج، والتي سوف يتنوع صناعتها بين الصناعات الغذائية والمكملات الغذائية، وبعضها يتوجه نحو الصناعات الصيدلانية والصناعات التجميلية، مما قد يخلق سلسلة كاملة مرتبطة بالانتاج التي تساهم في فتح مناصب شغل.
تركيز على سبيرولين التقليدي
أشار بولخصايم أن مديرية الصيد البحري لولاية بشار، تركز على الطابع التقليدي لتربية طحالب سبيرولين، الذي تعتبره هام جدا في المحافظة على قيمتها وجودتها بالمقارنة مع سبيرولين التي تنتج صناعيا حيث، أكد أنه سعره سيكون مختلفا مقارنة بالسبيرولين المعروض حاليا في الأسواق، وأضاف اليوم أصبح لدينا التأطير في ولاية بشار، بعدما تلقت هذه الاطارات التكوين ومارست تربية السبيرولين ميدانيا، بإمكانهم القيام بدورات تكوينية لخريجي الجامعات أو التكوين المهني للشباب الراغبين في ذلك، والقيام بتعاونية لتسويق المنتوج وهو مشروع وطني نعمل عليه خاصة في مناطق الجنوب.
وذكر مدير الصيد البحري ببشار، أن طحالب السبيرولين تم اكتشافها خلال سنوات الثمانينيات في تامنراست، من طرف الدكتور عبد القادر هيري الذي مازال يقدم دورات تكوينية ويرافق الطلبة في إنجاز بحوثهم وانطلاقا من ذلك جاءت فكرة تطوير وتربية طحالب السبيرولين في ولاية بشار.
(عن مجلة «الشعب» الاقتصادي)