رفع قيود كورونا أسعد الكبار وأبهج الصغار
على خلاف السنتين الماضيتين احتفل الجزائريون هذه السنة بعيد الفطر في ظروف عادية أعادتهم إلى ما كانت عليه قبل انتشار فيروس كورونا الذي قلب حياة العالم رأسا على عقب، وبعيدا عن التباعد الاجتماعي ومسافة الأمان، وجدت العائلات مساحة أكبر للتلاقي والاجتماع على مائدة عادات وتقاليد ترسخ صلة الرحم وتبادل الزيارات، من أجل مد جسور التلاحم والتآزر.
رصدت «الشعب» في جولة قادتها إلى مختلف أحياء العاصمة انطباعات المواطنين في الأجواء المميزة لعيد الفطر هذه السنة، حيث عبروا عن سعادتهم للعودة أخيرا إلى تفاصيل حياتهم العادية بعد سنتين من التطبيق الصارم للإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية.
العائلة تجتمع من جديد
« أكثر ما أسعدني هذه السنة هي صلاة العيد بعيدا عن التباعد الاجتماعي حيث امتلأت المساجد والساحات بالمصلين المشتاقين إلى هذه الأجواء بعد سنتين كاملتين التزم فيها المصلين منازلهم في الأولى وفي الثانية صليت بأعداد محدودة من المصلين لالتزامهم بنصف الأعداد التي تتسع لها المساجد.»، هكذا عبر محمد بن جلابة 45 سنة عن فرحته بعودة الحياة إلى طبيعتها من خلال عيد كان مميزا جدا هذه السنة، وقال موضحا» على عكس ما عشناه في السنة الماضية وما قبلها استطاعت العائلات هذه السنة الاجتماع في البيت الكبيرة أعمام وأبناء وأجداد، اجتمعت الأجيال الثلاث في صورة كدنا نجزم أنها لن تعود أبدا، بالرغم من أن الكثير فقد عزيزا أو أكثر بالوباء اللعين، لكن العودة إلى الحياة العادية جعل الكثير منا يشعر بسعادة عارمة لأن الإنسان بعيدا عن عائلته لا يستطيع العيش بصفة عادية، خاصة وأننا مجتمع مسلم تكرس عاداته وتقاليده الاجتماع والتواصل والتكافل.»
لم يكن رأي سيد علي شياخ مختلفا عن محمد حيث قال: «في السنة الماضية فقدت والدتي بعد إصابتها بفيروس كورونا توفيت يوم عيد الأضحى، كان الأمر صعبا جدا وثقيلا فعندما تستيقظ، صبيحة العيد، لتجد والدتك غير موجودة لن يكون الشعور بفرحة العيد سهلا خاصة وان وفاتها ارتبطت بيوم العيد إلى الأبد، لكن الجيد في الأمر أننا في عيد الأضحى في السنة الماضية بالرغم من أننا كنا في مصيبة وعزاء، إلا أننا لم نستطع التواجد في مكان واحد لنواسي بعضنا البعض، على خلاف هذه السنة اجتمعت كل العائلة في المنزل، حقيقة بكينا أمنا التي فقدناها، لكننا عدنا بعد سنتين من التباعد الاجتماعي للالتقاء على مائدة واحدة في مناسبات حلاواتها وتميزها نستشعره في اجتماع العائلة.»
في إجابتها عن سؤال: «الشعب» حول أجواء عيد الفطر لهذه السنة، قالت سميرة زداقي، «العائلة تجتمع من جديد»، لخصت كل عيد الفطر في اجتماع العائلة بعد سنتين من التباعد الاضطراري والإجباري لحفظ حياة أفرادها خاصة الأكبر سنا منهم.
وعبرت عن فرحتها بعودة الحياة إلى طبيعتها قائلة: «سعيدة بعودة أجواء العيد بكل تفاصيلها الدقيقة، صلاة العيد في المساجد والساحات، التزاور وتبادل تهاني العيد وتناول وجبة الغذاء في البيت الكبير، أين يبقى الجد والجدة» وأفادت في السياق «حقيقة أن المجتمع فقد الكثير من تواصله بسبب التكنولوجيا التي كرست نوعا جديدا من العلاقات الاجتماعية يمكن اعتبارها رقمية تستغني عن التواجد الجسدي».
لكن النمط الجديد من العلاقات الإنسانية التي فرضها الوباء جعل المجتمع ـ بحسبها ـ يعيش صدمة حقيقية أعادت الأمور إلى نصابها ومنحت العلاقات الأسرية والعائلية انتعاشا كبيرا، بسبب ما عاشته من معاناة حقيقية عند الإصابة بالعدوى أو الوفاة بفيروس كورونا، فالخوف من الموت وحيدا أعطى كل واحد منا درسا تطبيقيا في قيمة صلة الرحم ودورها الكبير في سد «ثغرات» اجتماعية تكاد تعصف بقيم المجتمع وهويته.
الأطفال الفائز الأكبر
لعلّ أكثر السعداء في هذا العيد هم الأطفال الذين حرموا متعة العيد لسنتين كاملتين، وكانت صورهم وهم يرتدون الملابس الجديدة وإقبالهم وتوافدهم على المساحات الخضراء وفضاءات الترفيه والتسلية بمثابة الإعلان الرسمي لعودة الحياة إلى طبيعتها، خاصة بعد رفع قيود كورونا.
وقال ريان 11 سنة التقته «الشعب» بمتنزه «الصابلات» إن إصابته بمرض السكري جعلته يعيش سجنا حقيقيا في السنتين الماضيتين، بسبب خوف والديه من إصابته بالعدوى، لأنها تشكل ذلك خطرا على حياته، لكن هذه السنة استطاع الخروج إلى الشارع واللعب مع الأطفال دون قناع واقي ولا سائل كحولي، وبعيدا عن التخوف من العدوى عند اقتراب كل شخص منه.
وأكد أنه رافق والده إلى المسجد صباحا ليعودا بعد ذلك ليذهبوا إلى بيت جدهم بالرويبة من اجل تناول وجبة الغذاء مع أعمامه وأبنائهم، ليذهبوا بعد الظهر إلى «الصابلات» من أجل اللعب والاستمتاع بيوم العيد، كما كانوا قبل فيروس كورونا.
وهنا تدخلت والدته قائلة: «عشنا في السنتين الماضيتين رعبا حقيقا بسبب خوفنا الدائم من إصابته بفيروس كورونا خاصة وانه يعاني مرض السكري، لذلك حرصت ووالده على إبقائه بعيدا عن التجمعات سواء عائلية أو غيرها فحتى في المدرسة طلبنا منه عدم اختلاطه بالتلاميذ لتقليص فرص إصابته بالعدوى، لذلك هو اليوم يعيش سعادة كبيرة لتمكنه من الخروج والتجول وزيارة العائلة والتنزه في المساحات الخضراء، لكن مع الإبقاء على الحذر، لأن الوباء حتى وان كان يشارف على الانتهاء، إلا انه ما زال موجودا في بعض دول العالم، لذلك لا بد من الإبقاء على الحيطة واليقظة حتى وان رفعنا قيود كورونا.»