- مواطنون يصنّفون أنفسهم فوق «شبهة» الإصابة بالعدوى
- لا يقبلون التلقيح لكنهم لا يحترمون الإجراءات الوقائية
أخلط المتحور الجديد «أوميكرون» أوراق موجة رابعة كانت منتظرة من طرف المختصين والخبراء، واضعا أمامهم أكثر من سيناريو أو احتمال لتفاصيل الأيام المقبلة، زاد من تعقيد فرضياتها ظهور متحور اتفق العلماء على تسميته بـ «دلتاكرون»، الغريب في الأمر أنّ كل هذه التفاصيل لا تعني المواطن ولا تهمه بل لا تثير اهتمامه حتى، لدرجة حذفه للإجراءات الوقائية من حياته.. لا مبالاة مقلقة أكثر من الوضع الوبائي لأنها الكلمة المفتاح لما ستفرزه التطورات القادمة من وضع صحي في الجزائر.
أثارت حالة اللامبالاة فضول سؤال المعني الأول بها عن سببها خاصة وانه المحتمل الأول للإصابة بالمتحورات الجديدة،، الإجابة لم تخرج عن سياق تراكمات اجتماعية وثقافية حولت الصحة أو المحافظة عليها مجرد طرف معادلة «ربي ستار» أو أحد الحجج الواهية غير المؤسسة لرفض التلقيح أو الأخذ بأسباب الوقاية.
أشد عقاب..
منذ 20 يوما، يرقد محمد - ﭫ 47 سنة، بمستشفى بني مسوس بالعاصمة، بعد إصابته بفيروس كورونا انتقلت إليه العدوى من زوجته التي تتماثل للشفاء، بينما نقل إلى قسم الإنعاش بعد دخوله في غيبوبة، فمنذ ثلاثة أيام «ربطت» حياته بجهاز التنفس الصناعي وحقن بعض الأدوية في جسمه «المتهاوي» كانت الأدرينالين إحداها، سألت «الشعب» زوجته س-م عن حالتها وحالة زوجها فأجابت:» بعد إصابتي بكورونا بقيت في المستشفى لما يقارب الأسبوع بعدها أصيب زوجي بالعدوى ما استدعى نقله إلى المستشفى، وبالفعل كنت أنا المريضة ومرافق مريض في نفس الوقت، لكن وقبل ثلاثة أيام ونظرا لتعقيدات طرأت على حالته الصحية، كان أبرزها انخفاض مستوى الأوكسجين تم نقله إلى العناية المركزة بالمستشفى، كان الأمر صعبا لكن الأصعب حدث بعد إبلاغنا بأنه دخل في غيبوبة لتبقى حياته معلقة بجهاز التنفس الاصطناعي.»
وأضافت «بالنسبة لي أنا المذنبة الوحيدة، كل التعقيدات الصحية التي أصابته كانت بعد ذهابي لحضور جنازة بحي في القبة أصبت بالعدوى، فأغلب المعزين كانوا بعيدين كل البعد عن احترام الإجراءات الوقائية، ما أدى إلى إصابة كثير ممّن حضروا تلك الجنازة بعدوى الفيروس»، هكذا حملت «س» نفسها مسؤولية إصابة زوجها بالعدوى وأوضحت قائلة:» الأسوأ أن يصاب الزوج الذي لا يعاني من أيّ مرض كان وهو أب أطفالك الأربعة بالعدوى وفي أيام معدودات يجد حياته مرهونة بجهاز تنفس اصطناعي، الأمر صعب جدا بالنسبة لي، المختطف فيروس لعين سلاحه لامبالاتنا وجهلنا وتهورنا واستهزائِنا بتوصيات الأطباء والخبراء، وضع لا ينفع معه مال ويبقى فقط الدعاء أملنا في تغير حالته واستفاقته من غيبوبته، بالرغم من أن الأطباء أبلغونا بصعوبة استرجاعه خاصة بعد إصابته بذبحة صدرية قلصت فرص نجاته إلى أقل من 1 بالمائة.»
تطلب التواصل مع السيدة جهدا نفسيا كبيرا، خاصة وأنها فقدت أمل استرجاع زوجها من الغيبوبة، لكن العجيب في كل ما حدث بالنسبة لها أنها شفيت من الفيروس، بينما هو يفقد في كل يوم الأمل في حياته، حيث قالت أنّ ما تعيشه اليوم أكبر عقوبة يتحملها أيّ شخص، فعندما «أذنبت» وذهبت إلى الجنازة لم تتوقع أن تكون عقوبة إهمالها دخول زوجها في غيبوبة احتمال الاستفاقة منها يكاد منعدما لانتشار «دلتا» في رئتيه، أما الذنب الأكبر فعدم التلقيح على الأقل كان سيتجنّب الأعراض المعقدة للإصابة.
«دلتا» و»أنا»
لم تكن تفاصيل إصابة محدثتنا مختلفة عن كثير ممّن أصيبوا بالعدوى، فبالرغم من التزامها التام بالإجراءات الوقائية كانت سببا في نقل العدوى إلى عائلتها والداها وزوجها وابنتيها،، كل العائلة أصيبت بالعدوى، توفي والداها في ظرف لم يتجاوز العشرة أيام، دخل خلالها زوجها العناية المشدّدة لكن كتب له الله تعالى عمرا جديدا، أما ابنتيها فشفيتا بعد أن وجدتا نفسيهما بلا أب أو أم لأكثر من شهر.
عادت بذاكرتها إلى الشهر الفارط لتروي لـ «الشعب» قصتها مع المتحور «دلتا» قائلة:» لم يكن لأيّ شخص من محيطي العائلي أو المهني تصديق حقيقة أنني من نقل العدوى إلى أسرتي، فالتزامي الصارم بالإجراءات الوقائية جعلني فوق شبهة نقل العدوى بالنسبة للبعض، فارتداء الكمامة والتباعد الاجتماعي كانا تفصيلان مهمان ودقيقان في حياتي، منذ مارس 2020، لدرجة إلغائي مصطلح الزيارات حتى وإن كانت لأقرب المقربين حتى عند بلوغ الإصابات عددا منخفضا، المهم أنني قبل شهر من الآن استقبلت أحد الزبائن في مكتبي كان مصابا بـ»الرشح» حينها، بعد يومين فقط بدأت أعراض المرض تظهر علي وبعد أسبوع ذهبت لإجراء اختبار الـ «بي سي آر « لأتأكد من عدم إصابتي بالعدوى لكن النتيجة جاءت مغايرة وكانت إيجابية، نعم أصبت بالفيروس.. اتصلت بزوجي فوجدته يعاني الأعراض نفسها، أخبرته بالنتيجة وطلبت منه إجراء الاختبار الذي كان إيجابيا أيضا، ذهبنا إلى الطبيب الذي وصف لنا البرتوكول العلاجي الخاص بكورونا لكن إصابة طفلتي بالعدوى أصابني بالارتباك، لأنّ والدتي كانت تحتفظ بهما طوال فترة دوامي، وبالفعل بعد عشرة أيام أصيب والدي ووالدتي بالعدوى بل بأعراض حادة انتهت بوفاتهما في وقت وجيز بسبب إصابتهما بالسكري والقلب والضغط الدموي، كان الأمر بالنسبة لي صعبا جدا خاصة بعد دخول زوجي العناية المشددة ..كنت خائفة جدا من فقدانه.»
«كان كابوسا حقيقيا لن تكون نهايته الاستفاقة منه، هو متواصل يعتصر مشاعرك ويستنزف طاقتك إلى درجة الانهيار، الخوف والرعب كانا مسيطرين، كنت أتساءل كيف أُصيب بالعدوى وقد حرمت نفسي من كل شيء حتى لا أصاب أو أصيب أحدا من أحبائي بها، كيف أتسبب في وفاة والدي ودخول زوجي العناية المشددة وأنا من القلائل الملتزمين بالإجراءات الوقائية والتلقيح منذ سنتين، كيف لمستهتر مثل ذاك الزبون الذي ترك آثار جريمته بفيروسات «حملتُها» بالرغم عني إلى أسرتي لأُعاقب أنا بالموت وهو يبقى يعيش حياته بصفة عادية، أتمنى رؤيته مرة أخرى كي أخبره ما فعله استهتاره ولامبالاته بعائلتي.»
التلقيح.. ضرورة قصوى
وعن سؤال بشأن لامبالاة المواطنين تجاه الوضع الوبائي، قال اليمين سعيداني 36 سنة تقني سامي في الصحة إن عدم الإقبال على التلقيح هو أهم عامل مؤثر في شدة وقوة الموجة الرابعة التي تعرف تزامن متحورين اثنين هما «دلتا» و»أوميكرون» مع إمكانية ظهور المتحور «دلتاكرون» في الأيام المقبلة حسب المختصين، لذلك كان من الضروري إيجاد حل نهائي لرفع نسبة التلقيح على الأقل لمنع ارتفاع عدد الوفيات وعدد المرضى المتواجدين في مصالح الإنعاش.
وأكد» لا يمكن انتظار ذروة الموجة الرابعة من أجل رفع نسبة التلقيح مثلما كان في الموجة الثالثة، فالتلقيح أصبح ضرورة قصوى للحفاظ على حياة أفراد المجتمع، فإن استمروا بالاستهتار والتهور على السلطات العمومية المختصة تحمل مسؤولياتها تجاه أولئك الذين مازالوا متمسكين بالحيطة والحذر من خلال احترامهم المستمر للإجراءات الوقائية وأخذ جرعات التلقيح، والضرورة اليوم إلزام الرافضين للتلقيح على الذهاب إلى مراكز التلقيح على الأقل لأخذ الجرعتين، من خلال فرض الجواز الصحي للدخول إلى المساحات والفضاءات العامة والمراكز التجارية، خاصة وأنّ الكثير ممّن يصابون هم ضحية استهتار هؤلاء.»
ولاحظ اليمين أنّ ما زاد الطين بلة أنّ الرافضين للتلقيح في الجزائر هم أنفسهم المستهترين بالإجراءات الوقائية في مشهد يعكس جهلا بالدين وقيمة حياة الإنسان في تعاليمه، متسائلا، ألا يكتفون بالمغامرة بحياتهم بل بحياة غيرهم حتى الأقربون منهم، «أتساءل في بعض الأحيان عن الضمير الجمعي الذي يميزنا كمجتمع، فعلى الأقل يحترم الرافضون للتلقيح الإجراءات الوقائية، ويتأملوا ما حققه التلقيح في المجتمعات الأخرى، فتلك التي فاقت نسبة 75 بالمائة رغم تسجيلها مئات الآلاف من الإصابات اليومية إلا أن نسبة الوفيات والاستشفاء قليلة جدا».
وفي الوقت نفسه، أضاف اليمين:» قد يتحجج بعضهم بوجود رفض عالمي للقاح لكنهم يتغاضون عن أن نسبتهم قليلة في المجتمعات المنتمين إليها بينما نسبتهم مرتفعة عندنا، لذلك لا بد من إجراءات صارمة لرفع نسبة التلقيح لأن حماية المجتمع مسؤولية يجب تحملها حتى وإن كنت مكرها، ومن أراد أن يعيش على هواه عليه أن يعيش بعيدا عن الناس حتى لا يؤذيهم.»
الوعي.. حجر عثرة
منذ بداية الوباء، لوحظ اتفاق المختصين والأطباء على نقطتين أساسيتين هما احترام الإجراءات الوقائية بصفة خاصة ارتداء القناع الواقي والتباعد الاجتماعي وليأتي التلقيح كأولوية بعد نجاح المخابر العالمية في صناعته لتفادي الأعراض الحادة للإصابة، خاصة وأن نهاية الوباء لم تظهر معالمها بعد، وعلى مدار السنتين وبعد أربع موجات ما زال المختصون يؤكدون عليهما كأهم الحلول المتوفرة للعودة إلى حياة يتعايش فيها مع فيروس يكشف في كل مرة عن تحور جديد لجيناته.