تحدّيات كبيرة تطرح لتحسين جودة الخدمة العمومية في توزيع المياه في المناطق الجنوبية، حيث يتطلع المواطنون في العديد من الولايات التي تسجّل نقصا في التزود بالماء الشروب إلى موازنة مقدرات هذه المناطق من المياه مع وفرتها من أجل تلبية الطلب عليها بشكل أكبر.
تشكّل جودة المياه أحد أبرز الانشغالات بالنسبة لساكنة عديد المناطق في الولايات الجنوبية، حيث أن نسبة كبيرة منهم لا تعتمد على مياه الحنفية للشرب، وهو أمر واقعي أكدته نتائج سبر الآراء الذي أجرته وكالة الحوض الهيدروغرافي الصحراء.
من جهة أخرى، تؤكّد العديد من الدراسات المنجزة في هذا السياق أنه ورغم المقدرات الهائلة من المياه التي تزخر بها المناطق الجنوبية للبلاد، إلا أن عددا منها تعاني من شح في المياه.
وتطرح الأرقام الميدانية توجّها هاما لتعزيز الموازنة في استغلال المياه مع الاهتمام أكثر، بالتركيز على خلق مشاريع جادة تتبنى فكرة اقتصاد المياه للحفاظ على هذه الثروة الهامة.
وتقترح الخطط الجديدة لوكالة الحوض الهيدروغرافي للصحراء، بهذا الصدد، بعض الحلول ولعل أبرزها، التحكم في الزيادة في الطلب على المياه بشكل رئيسي في القطاع الزراعي بهذه المناطق، وهذا من خلال تعزيز مساهمة هذا القطاع في النهوض باقتصاد هذه المنطقة من جهة، ولكن دون المساس أو الإخلال بالاحتياجات من الماء الشروب من جهة أخرى.
كل هذه العوامل وأخرى ذات الصلة، قامت لجنة الحوض الهيدروغرافي الصحراء بدراستها بعد الإعلان عن نتائج لسبر آراء يقدر مدى رضاها عن نجاعة نظام توزيع مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي، كشف عن استجابة 63.884 أسرة، مع الإشارة إلى أن حجم المياه الجوفية المسخرة للتزويد بمياه الشرب عبر تسعة عشر ولاية في عام 2020، قدر بحوالي 559 مليون متر مكعب سنة.
وبالعودة إلى سبر الآراء المنجز لقياس جودة الخدمة العمومية لتوزيع الماء الشروب في 164 بلدية، وتحديث المخطط الرئيسي لتسيير الموارد المائية بالصحراء، أظهرت نتائج الوكالة تقدّما كبيرا في تحديث البيانات وجرد الموارد المائية في ربوع هذا الإقليم، الذي يغطي 90 في المائة من التراب الوطني.
62 في المائة صرّحوا بأنّهم
لا يشربون ماء الحنفية
مكّنت هذه العملية واسعة النطاق التي شملت إقليم الصحراء الجزائرية من جمع بيانات هامة، استقتها فرق جنّدت خصيصا لهذا الغرض من المواطنين مباشرة في أماكن سكناهم في الولايات المشمولة وعبر تطبيق معلوماتي خاص، مكّن من تسجيل آني للبيانات.
وتوصّلت عملية سبر الآراء إلى تسجيل بعض الأرقام، حيث صرّح من حيث التوزيع 18 في المائة من السكان بأنهم يتلقون الخدمة على مدار 24 ساعة في اليوم، وصرح 53 في المائة أنهم يتلقون الخدمة على أساس يومي و26 في المائة صرحوا بأنهم يتلقون الخدمة في يوم واحد من اثنين أو أكثر، بينما صرح 3 في المائة أنه لا تتوفر لديهم شبكة.
ومن حيث استهلاك ماء الحنفية، صرّح 62 في المائة من المشتركين بأنهم لا يشربون ماء الحنفية وصرح 38 في المائة من المشتركين بأنهم يستهلكون ماء الحنفية، أما من حيث توفر العدادات، فقد أوضحت النتائج أن 40 في المائة المشتركين لديهم عدادات مياه، و60 في المائة من المشتركين ليس لديهم عدادات.
وحسب مصالح وكالة الحوض الهيدروغرافي الصحراء، فإنه سيتم الشروع في تحقيق إضافي لمراجعة نجاعة الخدمة العمومية لتوزيع الماء الشروب، بهدف إجراء تقييم للوضع الحالي لإمدادات المياه واستهلاكها في 83 بلدية.
فجوة بين المقدرات الهائلة للمياه والنّقص المسجّل
في سياق متصل، أكّدت ذات المصادر أنّ هذه النتائج، تظهر الفجوة الآخذة في الاتساع بين المقدرات الهائلة للموارد المائية الجوفية، والشعور العام بنقص المياه الذي أكده سبر الآراء، حيث صرّح 18 في المائة فقط من السكان أنهم تلقوا الخدمة على مدار 24 ساعة في اليوم، فيما أكّد 53 في المائة منهم أنهم يحصلون على الماء يوميًا و26 في المائة كل يومين أو أكثر.
بالمقابل، يقدّر الحجم المنتج من المياه الجوفية لتزويد الساكنة بالمياه الشروب على مستوى 19 ولاية بالحوض في عام 2020 بحوالي 559 مليون متر مكعب في السنة، من خلال 1367 مصدر مياه.
ويشير تطوّر عدد الآبار ونظام استغلالها إلى نمو مذهل خلال الثلاثين سنة الماضية، حيث انتقل من 1.3 مليار متر مكعب في عام 1990 إلى 3.7 مليار متر مكعب في عام 2020، وقد أدّى نموذج الاستغلال الحالي إلى زيادة نسبة ملوحة المياه والتربة، وتقلص عدد الآبار الارتوازية وزوالها في مناطق معينة، بالإضافة إلى انخفاض منتظم في منسوب المياه وارتفاع تكلفته وجفاف المنافذ، وكذا ارتفاع منسوب مياه «النز» تصاعد المياه من المياه الجوفية والتداخلات بين منسوب المياه الجوفية والشطوط مع خطر زيادة نسبة ملوحة المياه.
تجهيز 70 في المائة
من الوحدات الصّناعية والبترولية
في إطار الخطة الإستراتيجية التي وضعتها الوكالة الوطنية للتسيير المدمج للموارد المائية بالجزائر للخماسي 2020-2024، تمّ استكمال ثلاث عمليات واسعة النطاق، من بينها ما تعلق بتعميم العدادات في المركبات الصناعية والبترولية والخدماتية، ووحدات تعبئة المياه المعدنية الواقعة في إقليم وكالة الحوض الهيدروغرافي الصحراء، حيث تمّ تجهيز 70 في المائة من الوحدات الصناعية والبترولية والخدماتية ووحدات تعبئة المياه المعدنية بعدادات، كما سيتم تركيب باقي العدادات في القطاع الصناعي بحلول 31 مارس 2022، بالتزامن مع معالجة الملفات العالقة أمام الجهات القضائية ضد المستخدمين الدائنين الذين يرفضون تركيب العدادات، حسب ما أكّده مدير وكالة الحوض الهيدروغرافي للصحراء لزهر بن إبراهيم.
مخطّط لتسيير المياه
في الصّحراء بفعالية أكبر
كان الاجتماع الدوري للجنة الحوض الهيدروغرافي الصحراء المنعقد أواخر شهر ديسمبر المنصرم، فرصة هامة لعرض ومناقشة ولتقديم اقتراحات لإثراء محتوى المخطط الرئيسي لتسيير الموارد المائية بالصحراء، الذي أتاح وضع سيناريوهات لتسيير هذه الموارد أفق 2030 و2040، وفق متطلّبات توفير المياه للشرب والفلاحة والتنمية الاقتصادية، مع وضع أسس معادلة إقليمية لتوفير هذا المورد الحيوي في شتى المناطق، خاصة تلك التي تعاني من شح المياه.
ويعتبر هذا المخطّط أداة فعّالة لإدارة الموارد المائية والتخطيط لتوزيعها على رقعة جغرافية تشمل 27 ولاية صحراوية وشبه صحراوية، تغطي وكالة الحوض 19 ولاية منها بالكامل بوصفها واقعة في الصحراء، فيما تغطي الـ 8 الأخرى جزئيًا بحكم موقعها الممتد بين الشمال والجنوب.
وتحوي هذه المساحة المعتبرة 252 بلدية، يبلغ عدد سكانها حوالي 6 ملايين نسمة، حيث قُدِّر الحجم الإجمالي للمياه المسحوبة من الاحتياطي المائي الجوفي للصحراء في عام 2020 بنحو 3700 مليون متر مكعب سنويًا، منها 3100 مليون متر مكعب مخصصة للري، أي أن ما يقارب 83 في المائة من الماء يخصص لسقي مساحة زراعية مستخدمة تبلغ حوالي 1.250.467 هكتار، منها 545241 هكتار مروية أي 44 في المائة من المساحة الكلية.
وبهذا الصدد، تطرّقت لجنة التخطيط بالحوض الهيدروغرافي الصحراء إلى أن من أكثر المفارقات التي أظهرتها هذه الدراسة، وعلى الرغم من المقدرات المائية التي بلغت 6.6 مليار مكعب سنويا، إلا أن 13 ولاية من حوض الصحراء تعاني من ندرة المياه.
ويتعلق الأمر أساسا بولايتي تقرت وبسكرة، وبالدرجة الثانية المغير، تمنراست، الأغواط، تبسة، النعامة، باتنة وخنشلة التي سجلت طلبًا مرتفعًا على المياه الموجهة للزراعة والصناعة من جهة، واستغلالًا مفرطًا لخزانات المياه الجوفية للأربع الأولى.
وتلبية لهذه الاحتياجات بطرق عقلانية ومتوازنة، يقترح المخطط إجراءات لتحقيق موازنة من خلال برمجة مشاريع لنقل المياه من المناطق التي تحوي فائضا في شمال الصحراء، وبالضبط شمالي شرقي غرداية، من خلال إنشاء آبار ألبيانية على طول أراضي الولاية من المنيعة صوب بسكرة وخنشلة وتبسة، كما أن العملية نفسها ضرورية لتوريد ولاية الأغواط من حقول المحيقن بولاية البيض، وكذلك من وادي الناموس في بشار إلى ولاية النعامة.
وتشمل التدابير الجوهرية لهذه الخطة، التحكم في الزيادة في الطلب على المياه بشكل رئيسي في القطاع الزراعي، قصد تعزيز إنجازات هذا القطاع لاقتصاد المنطقة، دون الإخلال بالاحتياجات من الماء الشروب، بوضع خطة معاكسة للاتجاه الحالي للاستغلال المفرط للموارد الجوفية الأحفورية، قصد ترشيد استخراج المياه بشكل يعيدها إلى مستويات المياه المتجددة.
وأوصت لجنة الحوض بعدة إجراءات بديلة، منها إعادة تدوير المياه المستعملة المعالجة لاستخدامها في السقي والأغراض الصناعية في المناطق المتأثرة بالتلوث مع تشخيص النصوص التنظيمية الخاصة بجزئية إعادة استخدام المياه المستعملة المعالجة واقتراح تعديلات عملية، بالإضافة إلى إعادة استخدام المياه المستعملة المعالجة بتخصيصها في إنشاء مساحات خضراء ومزارع وري بساتين النخيل ودراسة إمكانية اللجوء إلى التغذية الاصطناعية لطبقات المياه الجوفية في المناطق التي تعاني من عجز مائي، وإشراك أكبر لقطاع البيئة خلال اجتماعات لجنة الحوض المستقبلية، بالإضافة إلى التخطيط لمشروع مدمج في إطار إعادة استخدام المياه المعالجة في الزراعة.
هذا وتعمل وكالة الحوض الهيدروغرافي حاليا على توسيع رقعة تطبيق خطة عملها في جميع أنحاء إقليمها، من خلال تعميم نظام القياس بالعدادات، بهدف تقليل الفوترة الجزافية الذي مكّن من تجهيز 837 من أصل 1229 بئر بالعدادات اعتبارًا من 30 نوفمبر 2021، هذا الإجراء الملموس، طبق أول مرة على قطاعي المحروقات والصناعة ووحدات تعبئة المياه المعدنية في المقام الأول، على أن يستمر تعميمه على القطاعات الأخرى، لاسيما الفلاحة.
