إحدى أغنى بلديات ورڤلة

سكّانها «البرمة» بدون غاز

إيمان كافي

تستقطب بلدية البرمة الحدودية الواقعة على بعد 420 كلم جنوب شرق عاصمة الولاية ورقلة كبريات الشركات العالمية التي تنشط في مجال الطاقة، فهي من بين المناطق التي تشكّل مقدراتها الطاقوية في الغاز والبترول أهم مواردها الاقتصادية، لكن المفارقة أنها تعيش ظروفا تنموية صعبة بعيدة كل البعد عن مستوى تطلعات الساكنة، كما لا تعكس مساهمتها الكبيرة في الاقتصاد الوطني، كيف لا وهي من تدفئ بغازها دولا من القارة العجوز، وتعجز عن توفيره لسكانها لا يفصل بينهم وبين حقول الغاز سوى بضع أمتار.

لا ينكر الزائر لبلدية البرمة بروز مؤشرات تنموية على ضوء تسجيل مشاريع في عدة قطاعات، لكنها تبقى للكثير من سكانها ناقصة، وتشكّل نقاطا سوداء في هذا المجال، كما لا تعبّر عن مقدرات منطقة تعدّ من بين المموّلين الأوائل للاقتصاد الوطني، وتشارك بنسبة معتبرة في صادرات البلاد من غاز وبترول نحو الخارج.
يحدث هذا في بلدية تحصد أكبر المداخيل من الجباية البترولية، جعلتها تصنف كأحد أغنى البلديات على المستوى الوطني باعتبارها تتواجد ضمن منطقة تنشط على ترابها أهم الحقول الغازية والنفطية، وتقدر ميزانيتها لسنة 2020 بحوالي 50 مليار سنتيم، حسب رئيس مجلسها الشعبي البلدي.

معاناة في فصل الشّتاء
 تعد دائرة البرمة أحد المساهمين الأساسيين في نسبة صادرات المواد الطاقوية نحو الخارج وتمويل حتى القارة العجوز بمادة الغاز والبترول، لكن يعاني سكانها البالغ عددهم نحو 6 ألف نسمة، من عدم ربط مساكنهم بغاز المدينة، حيث مازالت  الساكنة تعتمد على قارورات غاز البوتان أو «الحطب» لاستخدامه في الطهي والتدفئة، في الوقت الذي تتواجد فيه أنابيب نقل الغاز الطبيعي على مرمى حجر من سكناتهم، ودون أن يتطلّب ربطهم بهذه المادة الحيوية أيّة استثمارات ضخمة.  
وتتضاعف معاناة السكان خلال فصل الشتاء، حيث ترتفع معدلات الطلب على هذه المادة نظرا لانخفاض درجات الحرارة في هذه المنطقة، والتي تتطلّب زيادة في استهلاك الغاز للتدفئة، فحسبما ذكر الناشط الجمعوي، علي الزنقي، لمجلة «التنمية المحلية»، يعد عدم ربط هذه البلدية بالغاز الطبيعي مشكلا تبرز آثاره بشدة مع دخول فصل الشتاء، مشيرا إلى أن السكان ناشدوا أكثر من مرة الجهات المسؤولة للتدخل من أجل إيجاد حلول كفيلة بالقضاء على معاناتهم، ولكن نداءاتهم لم تجد بعد آذانا صاغية وظلّ مشروع ربطهم بالغاز الطبيعي من الوعود التي لم تجسّد على أرض الواقع ولم تر النور.
ويعترف رئيس المجلس الشعبي البلدي لبلدية البرمة الحدودية، أحمد الزنقي، في حديثه لنا أن الربط بالغاز الطبيعي يعدّ من بين أهم المطالب التي ينادي سكان البرمة بتجسيدها، حيث يعاني السكان من انعدام ربط مساكنهم بهذه المادة الحيوية وكثيرا ما يلجأون إلى استخدام قارورات غاز البوتان، في انتظار تسجيل عملية ربط سكان هذه المدينة بالغاز الطبيعي في القريب العاجل.

خطوات لا بأس بها
يقول رئيس البلدية، إنّ عجلة التنمية في منطقة البرمة شهدت خلال السنوات الأخيرة خطوات لا بأس بها، إلا أن بعض العراقيل الإدارية ساهمت حسبما ذكر في تعطيل مسارها عبر هذه البلدية، حيث مازالت العديد من المشاريع متوقّفة لحدّ الساعة، على غرار عملية ربط أحياء مدينة البرمة بشبكة الصرف الصحي، مشيرا إلى أن هذه العملية التي تجري على عدة أشطر قد تمّ تنفيذ نسبة 50 في المائة منها، في حين لم يتمّ البت بعد في الأشطر المتبقية لإنهاء أشغالها، مؤكدا على أن هذا المشروع يحظى بأولوية خاصة لدى المواطن المحلي والمجلس البلدي الذي ينتظر تعاون السلطات المحلية من أجل تحقيق أبرز انشغالات السكان في هذه المدينة.

مطالب اجتماعية
في قطاع الصحة يطالب السكان بتزويد العيادة المتعدّدة الخدمات الوحيدة من نوعها على مستوى هذه الدائرة بالطواقم الطبية وشبه الطبية والوسائل والتجهيزات الطبية الضرورية، وكذا سيارات الإسعاف لنقل مرضى الحالات الحرجة نحو المستشفى الأقرب المجاهد حسين آيت أحمد بحاسي مسعود على مسافة أكثر من 300 كلم.
يضطر السكان حسب ما أكّد بعضهم إلى التنقل يوميا إلى بلدية حاسي مسعود من أجل تلقي العلاج، في حين تبقى جهود بعض الجمعيات في تنظيم قوافل طبية لإجراء الفحوصات خطوة تستحق التثمين نظرا لما تسهم فيه من تخفيف معاناة المرضى في هذه المناطق.
وبخصوص تزويد المواطنين بالطاقة الكهربائية، فقد أكّد رئيس البلدية أحمد الزنقي أن هذه المادة موفرة لفائدة السكان عبر تراب البلدية، علما أنها تدعمت في السنوات الأخيرة بمحطة لإنتاج الكهرباء بقدرة تصل إلى 2600 كيلو واط من أجل تلبية الطلب على هذه الطاقة الحيوية.
أما فيما يتعلّق بتزويد المواطنين بالمياه الصالحة للشرب، فتتوفّر البلدية على 3 محطات من بينها محطة لتحلية المياه الصالحة للشرب بحي الشواشين التي تمّ استحداثها حتى تضمن تحسين نوعية هذه المادة الحيوية بالمنطقة وتبلغ طاقتها الإنتاجية 50 متر مكعب من المياه المحلات، وقد تمّ ربط ذات المحطة بخزان مائي أرضي بسعة 500 متر مكعب.
وتتمّ عملية تزويد المواطنين بهذه المادة بشكل عادي، إلا أن هناك مشروع من أجل إعادة تحديث شبكة المياه ينتظر تسجيله بعد موافقة الجهات المعنية عما قريب من أجل تهيئة وترميم الشبكة القديمة.
من جانب آخر، تشكّل وضعية الطرق أحد أبرز الانشغالات التي تتصدّر الواجهة، وبخصوص ذلك ذكر ذات المتحدث أن سير عملية الانجاز بالنسبة للطريق الوطني رقم 53، وهو الطريق الرابط بمقر الولاية ورقلة تعرف تأخرا كبيرا، وهو أمر يثير استياء السكان على اعتبار أهمية هذا المسار، الذي يعد شريانا حيويا يربط بين البرمة الحدودية ومقر الولاية ورقلة، وقد كان والي الولاية في زيارته الأخيرة للبرمة قد أنذر الشركة المكلفة بالإنجاز للانتهاء من المشروع وتسليمه في أقرب الآجال الممكنة.
في حين بلغ مشروع إنجاز طريق البرمة المؤدي نحو دوار الماء بولاية الوادي «الطريق النابض»، الذي من شأنه أن يساهم هو الآخر في تنشيط الحركة التجارية مرحلة الروتوشات الأخيرة، ويأمل السكان في أن تكون شبكة الطرقات المستحدثة متنفسا لهذه الدائرة الحدودية بما يساهم في فك العزلة وربطها بالمدن القريبة منها وتسهيل حركة التنقل منها وإليها.
وبالنسبة للنقل المدرسي فقد أكّد أنه متوفر في فائدة أطفال المدارس، حيث على عاتق البلدية توصيل التلاميذ المتمدرسين من الزنايقة إلى البرمة عبر حافلتين مدرسيتين، مشيرا إلى أن عدد الهياكل التربوية بالبلدية يتمثل في 3 مدارس ابتدائية عبر التجمعات القريبة من البرمة وابتدائية في غرد الباقل ومتوسطة واحدة وثانوية واحدة.
وفيما يتعلّق بملف تنمية مناطق الظل التي يقدر تعدادها بنحو 12 منطقة ظلّ تابعة لبلدية البرمة، فيرى رئيس البلدية الزنقي أن التنمية بها تسجّل خطوات إيجابية، خاصة ما ارتبط منها بتزويد سكان البدو الرحل بالكهرباء بواسطة الطاقة الشمسية.
وفي سياق ذي صلة، جدير بالذكر أنه وفي سبيل مساعي ترقية الإطار المعيشي للمواطنين من البدو الرحل استفادت نحو 50 عائلة من سكان البدو الرحل بكل من مناطق (القلتة، بئر العرش، بئر العربي، عين الناقة، الزنايقة وأخرى) التابعة لدائرة البرمة الحدودية من الكهرباء عن طريق الطاقة الشمسية في إطار برنامج تنمية مناطق الظل.
وتشير بعض المصادر إلى أنّ هذه الدائرة الحدودية التي تضمّ العديد من الحقول النفطية والغازية تصنف بنسبة ما يفوق 80 في المائة ضمن قائمة مناطق الظل التابعة للولاية ورقلة، وتسجّل نقائص تنموية بالجملة وتنتظر الكثير منها الدفع بعجلة التنمية عبر تجسيد مشاريع من شأنها المساهمة في تلبية متطلبات العيش الكريم، والاستجابة لاحتياجات المواطنين الضرورية في هذه المناطق.
ولا بد من الإشارة إلى أن العبء الثقيل لواقع التنمية في هذه المنطقة الحدودية زاد من معاناة سكان، الذين ينشط أغلبهم في ميادين بعيدة عن قطاع المحروقات وذات الصلة بتربية الإبل والمواشي، فعلى الرغم من مساهمة السكان من جهة أخرى ومن خلال هذا النشاط في الحفاظ على ثروة رؤوس الإبل والمواشي، إلا أن الكثير من شباب المنطقة يشتكي البطالة وقلة فرص العمل، حيث تكاد تكون عروض العمل شبه منعدمة، حسب ما صرّح به بعض الشباب، الذين أكدوا على وجود نوع من التعاطي السلبي مع هذا الملف في دائرة تعرف بنشاط العديد من الحقول النفطية التابعة لشركات وطنية وأجنبية.
ويأمل المواطنون بهذه المنطقة - كما أكد بعض المتحدثين - من السلطات المحلية العمل من أجل إيجاد حلول لأبرز المشاكل التي يعيشها السكان، وذلك عبر إطلاق مشاريع تنموية وتجسيدها فعليا على أرض الواقع للمساهمة في دعم الحركة التنموية بهذه الدائرة الحدودية والتكفل بانشغالاتهم.
عن مجلة التنمية المحلية عدد  جانفي٢٠٢١

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024