«الشعب» تستطلع جني الزيتون بسكيكدة

تـــوقّع انتــاج أكثر من 50 ألف هكتولــــتر من زيت الزيتـون

خالد العيفة

 جودة الزيت تلهب الأسعار لتناهز 1000 دينار للتر الواحد

 «التويزة» عادة متأصلة في الريف السكيكدي


تتمتع ولاية سكيكدة بخصائص جغرافية متميزة من حيث التضاريس والمناخ، وتتوفر على قدرات مادية وبشرية معتبرة تنشط في عدة شعب فلاحية، هذه الخصائص تساعد على خلق ظروف ملائمة للنهوض وترقية استغلال الموارد الفلاحية المتاحة، عبر إرساء قاعدة قصد الاستجابة لحاجات السوق من مختلف المحاصيل الزراعية والتي بلا شكّ تؤثر ايجابيا على امن غذاء الاجيال الحالية واللاحقة.


المساحة الاجمالية للولاية، تقدر بـ 413726 هكتار، المساحة الاجمالية الفلاحية تصل الى 193023 هكتار، 47 بالمائة من المساحة الاجمالية، اما المساحة الفلاحية المستغلة فتقدر بـ131829 هكتار، أي بـ 68 بالمائة من المساحة الاجمالية، أما الغطاء الغابي يغطي نسبة 50 بالمائة من مساحة الولاية منها 53 ألف هكتار من الزان، فضلا عن تهاطل معتبر للأمطار يصل أحيانا إلى 1200 ملم على مستوى السهول و2000 ملم على مستوى مرتفع القل بمنطقة القوفي، ويتميز الانتاج الفلاحي بالتنوع، هذا ما جعلها قطبا فلاحيا استراتيجيا، وأصبحت تلعب دورا محوريا في تحقيق الامن الغذائي في البلاد.
وتتميز الولاية بتضاريس وعرة في الشريط الساحلي وفي مرتفعات القل وعزابة والمرسى، وضمن هذه التضاريس، نجد ثلاثة أنواع من المناطق التوبوغرافية، مناطق الجبال ومناطق السهول والمناطق الواقعة في سفوح الجبال.
توقعت مديرية المصالح الفلاحية انتاج ما يقارب 50 ألف و160 هكتلتر من الزيت، بمردود يصل الى 22 قنطار في الهكتار الواحد هذا العام، كما اوضح رابح مسيخ اطار بمديرية المصالح الفلاحية، غير أن المتابعين للشأن الفلاحي وكذا كبار الفلاحين ومنتجي زيت الزيتون بالولاية يتوقّعون من جانبهم تراجع كالإنتاج وذلك لأسباب الخسائر الفادحة التي مسّت حقول الزيتون بمعظم بلديات الولاية خلال السنوات الاخيرة، اضافة الى موجة الجفاف التي ضربت هذه الأخيرة والتي تسببت في إتلاف حبات الزيتون قبل بلوغها مرحلة الجني، وتشتهر سكيكدة بزراعة أنواع عديدة من أشجار الزيتون، أهمها الشملال، والأزراج، ولاروجات والبلانكات، إلى جانب «بويشة»، وهي خليط بين الأشجار الأوروبية القديمة والأشجار المستحدثة محليا.
قال مسيخ رابح المكلف بالإعلام على مستوى القطاع الفلاحي، ان مساحة   اشجار الزيتون خلال سنة 2010 كانت تقدر بـ 04 ألاف هكتار، لترتفع الى 15 ألاف هكتار، خلال الموسم الفلاحي الحالي، منها 12 الف هكتار منتجة، وأضاف مسيخ انه تم الاستفادة من برنامج 100 الف شجرة زيتون في اطار الصندوق الوطني للتنمية والاستثمار الفلاحي، تمّ انجاز من المشروع غرس 13560 شجرة، وسيتم غرس قبل نهاية السنة الجارية، ما يقارب 56440 شجرة زيتون ، وتمسّ العمليات جميع بلديات الولاية، لاسيما بالمناطق الضيقة ومناطق الظل، لأهمية شجرة الزيتون في حياة العائلات الريفية، كثروة حقيقية، وتوفير مناصب شغل، وتحسين الدخل العائلات المستقرة بالمناطق النائية.
بوادر ارتفاع أسعار الزيت بسكيكدة، ظهرت من أول يوم بداية جني المحصول، حيث بلغت الزيادة 20 بالمائة مقارنة بالموسم الماضي، وارتفع سعر اللتر من زيت الزيتون ذات النوعية والجودة العالية من 700 إلى 1000 دينار جزائري، ويعتبر الزيتون في الكثير من مداشر وقرى الولاية مصدرا حقيقيا للرزق للعديد من العائلات الفقيرة التي تعيش على بيع هذه المادة خاصة العائلات التي بقيت تقطن في الأرياف حتى خلال الأزمة الأمنية، وكانت تملك حقول الزيتون والتي عادة ما تستمر عملية جني الزيتون عندهم لأكثر من شهرين ولكن هذه العائلات، كانت من أكثر المتضررين خلال السنوات الاخيرة جراء الحرائق التي عرفتها المنطقة في والتي أتت على عدد معتبر من أشجار الزيتون  بمختلف مداشر وقرى الولاية.
العودة إلى الريف في موسم جني الزيتون تسبقها عملية تفقدية واسعة لأصحاب غلة الزيتون، وذلك من أجل انتشال أشجار الزيتون من الأحراش وفتح المسالك المؤدية إليها لتسهيل عملية الوصول إليها، الأمر الذي جعل سعر اللتر يصل إلى 1000 دج بالمصيف القلي، ففي هذه المنطقة السعر لا يرتبط بالجودة أو الوفرة، وإنما للطلب المتزايد على زيت الزيتون، بالمقابل تكاليف إنتاجه كبيرة، للتضاريس الصعبة، التي تعرف بها المنطقة، ومشقة جني الثمار، ناهيك عن تكاليف النقل، والعصر، أما بدوائر تمالوس، عين قشرة، وسيدي مزغيش، والاود احبابة، فالإنتاج وفير والأسعار مقبولة نوعا ما فهي لا تتجاوز800 دج للتر.
ويتوجّه عدد معتبر من فلاحي بلديتي عين شرشار وبكوش لخضر بشرق الولاية، نحو هذه الشعبة الفلاحية باعتبار أنها تتعلق بثقافتهم التي توارثوها أب عن جد، كما أن الزيتون وزيته يلقى رواجا كبيرا بين العائلات المحلية، حيث لا توجد عائلة واحدة لا تستعمل هذه الزيتون ومشتقاته في المطبخ وفي علاج مختلف الحالات المرضية، بل إنه يعتبر من الضروريات التي وجب توفرها في كل منزل حتى ولو كان بكمية قليلة في ظل ارتفاع أسعاره، وتعّذر على عديد العائلات على شراءه في كل مرة وبكميات كبيرة، إلا أن الطرق المتبعة في غرس أشجار الزيتون وفي جني محصوله لا تزال بعيدة كل البعد عن التطور التكنولوجي الحاصل في المجال الزراعي سواء من حيث التقليم واستخدام الأسمدة، كما أن تجديد الأشجار يتمّ إلا في حالة وصول الأشجار إلى مرحلة متقدمة من الشيخوخة، وفي هذه الحالة مثل هذه الأشجار لا تقدم الكمية الكافية من المنتوج، كما أنه لا يسمح بغرس أشجار جديدة على مستوى المناطق الجبلية التي غالبا ما تكون المكان الأنسب لممارسة هذا النشاط رغم صعوبة الوصول إليها بواسطة المركبات ونقل مختلف التقنيات إليها بسبب المسالك الضيقة التي لا تصلح إلا لتنقل الراجلين. جدير بالذكر أن المساحة المغروسة بأشجار الزيتون عبر كل من بلديتي بكوش لخضر وعين شرشار تبلغ 1065 هكتار منها 639 هكتارا تقع بالبلدية الأولى.

نقص كبير في عدد معاصر الزيتون بالولاية

تحصي الولاية 73 معصرة، منها 13 في اطار الصندوق الوطني للتنمية والاستثمار الفلاحي «25 معصرة تقليدية، 25 نصف آلية، و13 معصرة آلية»، مع قدرة عصر الزيتون 4706 قناطير في اليوم، أما  قدرتها التحويلية السنوية تبلغ 158130 قنطارا، والمتوسط السنوي من انتاج الزيتون للولاية يصل الى 207593 قنطارا، اما الكمية المتوسطة من المنتوج المتبقية وغير المحوّلة فتصل الى 49463 قنطارا.
ويتطلّب انشاء معاصر حديثة في المدى المتوسط والبعيد، تقدر بـ 50 معصرة سعة الواحدة 4500 قنطار في اليوم، نظرا لنقص الهياكل الخاصة باستيعاب المنتوج من الزيتون الذي يتبقى من الجني ويتعرض للإتلاف لعدم تحويله في الوقت المناسب، كما ذكر مسؤول الغرفة الفلاحية للولاية، ومن الأرجح انشاء هذه الهياكل في بلديات بن عزوز، بكوش لخضر، عزابة، والغدير بالجهة الشرقية، وببلديات صالح بوشعور، رمضان جمال، بجنوب مدينة سكيكدة، وبلديتي خناق مايون، وبني زيد بالجهة الغربية من الولاية، بالإضافة الى بلدية عين الزويت المجاورة لبلدية سكيكدة.

تدهور المسالك الغابية تعرقل جمع المحاصيل

يشتكي عشرات الفلاحين ببلديات غرب سكيكدة، الظروف القاسية التي يعيشونها وانعدام الشروط الملائمة للنشاط الفلاحي ستجبرهم على الهجرة الجماعية من مئات البساتين، لاسيما وأن الكثير في المرات محصول الزيتون مهدّد بالتلف بعد اهتراء المسالك وصعوبة التنقل بسبب العزلة المضروبة على المشاتي.
وقد رفع عشرات الفلاحين من خلال جريدة «الشعب» نداءاتهم إلى القائمين على القطاع بالولاية والسلطات المحلية من أجل القضاء على المشاكل التي أصبحت تهدّد الزراعة المعاشية بمناطق عدة من الولاية، وبالأخص في الجهة الغربية من ولاية سكيكدة، المعروفة بصعوبة التضاريس، وإنقاذ محصول الموسم من الزيتون، حيث أكد العديد من الفلاحين الذين التقت بهم «الشعب» بقرى بلدية بين الويدان، عين الزويت وقرية عين الشرايع ببلدية تمالوس، ان استمرار السلطات في التماطل وغض الطرف عن معاناة مزارعي الزيتون في مشاتي بين الويدان وعين قشرة مثلا على غرار عين رويبح، الطاحونة وغيرها، سيدفع بالفلاحين حتما إلى الهجرة الجماعية والنزوح نحو المدن المجاورة ومراكز البلدية بحثا عن ظروف حياة أفضل، وقال احد الفلاحين، بهذا الخصوص، أن هذه المناطق الجبلية معروفة بإنتاج أجود أنواع الزيتون، ورغم أن المحصول وصف بالمقبول هذه السنة، إلا أن العزلة المضروبة على هذه المناطق تهدّد المنتوج بالكساد لأن الفلاحين لا يستطيعون إيصاله إلى المعاصر، خصوصا بعد تدهور الطرق والمسالك.
فيما يشتكي الكثير من أصحاب الحقول من عزلة حقولهم والمتاعب التي يواجهونها من أجل تأمين نقل المحصول خاصة، وأن تلك المناطق لا تتوفر على طرقات ويضطرون الاعتماد على الأحمرة من أجل نقل المنتوج إلى الطرقات المعبّدة، وسبق وأن طالب أصحاب حقول الزيتون من السلطات المحلية بشق مسالك نحو المناطق النائية من أجل ضمان نقل المحصول في ظروف حسنة، من جهة ثانية، وبالرغم من توقع انتاج جيد لهذه السنة، فإن أسعار الزيت من المنتظر أن تعرف ارتفاعا خاصة لتكاليف الشحن واليد العاملة لجني الزيتون بأدغال القرى والمداشر النائية.
وتخوّف العديد من أصحاب حقول الزيتون ببلديات الجهة الغربية، سيما تلك الواقعة بالمناطق النائية والمعزولة، من عدم التمكن من جني المحصول ونقله في ظروف جيدة، خاصة وأنه يرتقب تضاعف الإنتاج هذه السنة، ويطالب بهذا الشأن الكثير منهم من السلطات المحلية شقّ بعض الطرقات والمسالك المؤدية إلى الحقول من أجل تسهيل وصول السيارات أو على الأقل الجرادات والشاحنات من أجل نقل المنتوج، على غرار قرى زروبة، والدوار، وقياطين ببلدية بني زيد، وتيزغبان ومزاتة ببوالنغرة بلدية أولاد أعطية.
وتتغلب الفضاءات الغابية على إقليم بلدية عين زويت المتكون في معظمه من تضاريس جبلية تحيط بها سهول واد بيبي والشاطئ الكبير، ذات الخصوبة الجيدة والمردود المرتفع، أما إنتاج الفلاحين في المنطقة فهو موجه حاليا للاستهلاك الذاتي أو ما يسمى بالفلاحة المعيشية، التي يعمل فيها السكان المحليون من دون الطموح إلى التصدير خارج المنطقة. ولعلّ عاملا آخر يتكاثف مع ضعف إمكانيات الري، ألا وهو صعوبة الطرق والمسالك المؤدية لهذه البساتين المتواجدة على سفوح التلال والجبال المحيطة بالمنطقة، لتزيد من صعوبة استغلال الأراضي المنتشرة عبر التلال والجبال المتفرقة.

انتعاش شعبة الزيتون رغم تراجع إنتاج الزيت

انتاج الزيت للموسم الحالي، رغم ان المصالح المعنية تتوقع تراجعه، إلا انه في الواقع انتعش نشاطه مؤخرا، بفضل الإقبال الكبير الذي لقيته حقول الزيتون من قبل العائلات الريفية خاصة القاطنة بالمناطق النائية والجبلية التي شهدت عودة جماعية للعائلات بفضل التحسن الكبير في الجانب الأمني، زيادة إلى الحملة التحسيسية التي تقوم بها مصالح الفلاحة لفائدة منتجي الزيتون الذين يفوق عددهم 4 آلاف فلاّح أغلبهم يتواجدون بالجهة الغربية من الولاية، وهذه الحملات التحسيسية تمحورت حول كيفية جني الزيتون بالطرق الحديثة لضمان إنتاج وفير من حيث الكم والنوع.
وتختلف مراحل الجني من منطقة الى أخرى، فهناك عائلات تعتمد على تسلق الأشجار من أجل الوصول إلى كل جذع في شجرة الزيتون وقطفه وهي العادة التي تعلّموها أبّا عن جد، لكن في السنوات الأخيرة أصبحت بعض العائلات تعتمد على السلالم الحديدية من أجل جني الثمار أو نفضه بواسطة عصا خشبية بعد فرش غطاء بلاستيكي بالمساحة المخصصة للشجرة، وهي عملية سهلة ولا تتطلب جهدا أو وقتا كبيرا على عكس التسلق وتحمل المخاطر المترتبة عليها في حال ما إذا سقط أحدهم من الشجرة.
كما أن عملية جني الزيتون أصبح يشارك فيها الرجال والنساء وحتى الأطفال بعدما كانت في الماضي مقتصرة على النساء فقط، في حين أن العمل التقليدي في عصر الزيتون واستخراج الزيت منه والذي كانت تقوم به ربّة البيت في منزلها هي في تراجع مستمر وفي طريق الزوال، بعدما اصبحت هذه العملية تقتصر على المعاصر الحديثة المنتشرة بكثرة في مختلف البلديات الريفية والتي بدورها تخلق مناصب شغل طيلة موسم جني الزيتون للعديد من الشباب البطالين.
وتبقى طريقة جني الزيتون التقليدية حسب المختصين في المجال الفلاحي مضرة جدا بالإنتاج كما ونوعا، خاصة طريقة إسقاط حبات الزيتون من الأشجار بطريقة الضرب بالعصا الخشبية الطويلة المتوارثة عن الأجداد، وعدم وضع أفرشة بلاستيكية خاصة لتجميع الحبات، حيث أن الضرب بالعصا يتلف البراعم ومناطق النمو في الأغصان وهو ما يجعل الأشجار قليلة الإنتاج في السنة الموالية، وإسقاط حبات الزيتون فوق أرض غير مهيأة يسبب لها جروح، ويؤدي ذلك إلى عدم الحصول على زيت عالي الجودة وبمذاق مختلف عن المذاق الأصلي، كما أن تخزين المحصول لأيام في أكياس بلاستيكية معرّضة للظروف المناخية المتقلبة بفقد خصائصه، وحسب العارفين من تقنيين أن التسخين الذي عادة ما يقوم به أصحاب محصول الزيتون قبل نقله إلى المعاصر من أجل زيادة كميات الزيت ينقص من جودته، ومن الضروري نقل المحصول قبل 24 ساعة من جنيه على الأكثر وترك مهمة غسله أو تسخينه للمعاصر، سيما وأن المعاصر العصرية تضمن إنتاج زيت بمواصفات عالية الجودة وبنقاوة وطعم جيد، كما أن غياب العناية بأشجار الزيتون والاهتمام بها مرة واحدة في السنة وقت الجني، وكذا شيخوخة الأشجار وعدم تجديد الحقول، أين يوجد 50 بالمائة من الأشجار فاق سن الكثير منهم 100 سنة قلّل من فرصة تضاعف الإنتاج.

قرية «الدوزن» وعادة إحياء «زردة» انطلاق الموسم

تعيش قرية «الدوزن» الجبلية ببلدية بني زيد غرب سكيكدة، وككل سنة أجواء مميزة بمناسبة إحيائها «لزردة» انطلاق موسم جني الزيتون، يشارك فيها كل سكان القرية بما فيهم الوافدون إليها من القرى المجاورة، إضافة إلى بعض المدعوين من خارج الولاية في أجواء احتفالية، تعبر عن مدى تمسك العديد من العائلات القاطنة بالقرى والمداشر المتواجدة بأعالي الجبال بالولاية، منذ زمن بعيد بالعادات والتقاليد المتوارثة، التي تجسّد في بعدها الإنساني أسمى مظاهر التضامن والتآزر والتعاون بين كل أطياف العائلات.
—الاحتفالية التي تشهدها القرية المتواجدة بأعالي جبال بني زيد، وتتميز منذ الساعات الأولى، بتوافد عدد كبير من المدعوين للمشاركة في أجواء خاصة بعيد الزيتون، كما يسميه سكان المنطقة، لتنطلق «الزردة» بذبح عدد من رؤوس العجول تحت أشجار الزيتون من قبل أعيان القرية، وهي العادة التي تسمى «الدمنة»، إيذانا بانطلاق العرس في أجواء احتفالية مميزة، وبعد الانتهاء من الذبح والسلخ الذي يتمّ وسط الأهازيج والأدعية، يُشرع في عملية تقطيع اللحم وتقسيمه بقطع متساوية، والعملية تسمى، بـ»المصباح»، بعدها يتم توزيعه على العائلات بالخصوص الفقيرة منها، ليشرع حينها الحضور في تناول أطباق تقليدية من كسكسي أو شخشوخة، تم اعداده من قبل نساء القرية ليس بعيدا، تحت أشجار الزيتون، ولا يتخلف أحد من أهالي القرى والمداشر عن الوليمة، وبعد الانتهاء من الأكل تُعقد حلقات للذكر والدعاء والتضرع إلى الله بأن يطرح البركات، وأن يجعل من موسم جني الزيتون موسم خير وبركة، وتُعد الاحتفالية فرصة للمّ شمل العائلات والإصلاح بين المتخاصمين، فالاحتفال بعيد الزيتون هو احتفال بالخير والبركة والتآلف والتآزر.

عائلات ما تزال تعتمد على العصر التقليدي

تولي العائلة السكيكدية أهمية كبيرة لشجرة الزيتون، ويتجلى تعلقهم بذلك من خلال عمليات الجني الجماعية التي يشارك فيها كل الأفراد، زيادة إلى أن الأسر السكيكدية لا تستغني عن مادة زيت الزيتون سواء من أجل الاستهلاك أو التداوي، رغم ارتفاع أسعاره في السوق.
وعن كيفية عصر الزيتون بالطريقة التقليدية التي تفضلها العديد من الأسر الريفية التي ما تزال تحافظ على هذه العادة. اوضح مختار احد القرويين بمنطقة تمالوس، إلى أنها تتم مباشرة بعد عجن حبوب الزيتون بحجر كبير، حيث يوضع المعجون في إناء كبير، ليتم مجددا عجنه بالأرجل، لتسهيل عملية استخراج الزيت، وبعد الانتهاء من هذه العملية مباشرة، يتم وضع المعجون في إناء طويل نوعا ما، مصنوع من القصب به فراغات صغيرة، وظيفته تمكين زيت الزيتون من الخروج، ليوضع بعدها في قصعة لتجميع الزيت بجانب حفرة من النار، «الكانون»، وهذا لتسهيل عملية سيلان زيت الزيتون وبسهولة ولمدة 03 أيام، وهي المدة الكافية التي تطلبها العملية، بعدها يؤخذ مرة أخرى المعجون صوب حفرة في الأرض بطول مترين وعمق متر واحد يفضل أن تكون قرب مكان تواجد الماء، حتى تسهل عملية ملء هذه الأخيرة بالماء حيث يتم وضعه في الحفرة، وعندما تطفو بقايا حبة الزيتون الطرية والمعجونة فوق الماء مع الزيت المتبقي، تغوص البقايا اليابسة، لتقوم النسوة بضرب بقايا المعجون التي تطفو فوق الماء بقضيب من غصن شجرة لإخراج الزيت منها، وبعد الانتهاء من تلك العملية، تُجمع بقايا المعجون مرة أخرى وتوضع في قطعة قماش، ليتم مجددا عصرها بسكب الماء الساخن، بمشاركة شخصين على الأقل، وبهذه الطريقة المتعبة، تتم عملية استخراج الزيتون، وسط أجواء مفعمة بالفرح تساهم في نسيان متاعب العملية التي تبقى العديد من العائلات تتشبث بها.

الزيتون مصدر حقيقي للرزق بالنسبة للعائلات الريفية

محافظة العائلات السكيكدية على جني هذه المادة الحيوية، تعكس مدى تعلّق سكان الولاية بهذه الثروة، حيث لا تستغني أي عائلة سكيكدية عن مادة زيت الزيتون، سواء للاستهلاك أو التداوي نظرا للفوائد الصحية العظيمة لهذه المادة والتي أثبت التجربة والعلم مدى قوتها في الشفاء من الكثير من الأمراض، وبالرغم من أن زيت الزيتون الذي مصدره من خارج الولاية لقي رواجا كبيرا بين الأسر مؤخرا، إلا أن زيت الزيتون المحلي يبقى المفضل لدى غالبية الجزائريين لثقتهم الكبيرة في مذاقها وفائدتها الصحية، ورغم أن أسعارها قد تصل في بعض الأحيان إلى مستوى قياسي يتجاوز الـ 800دج للتر الواحد، وقد تكون مغشوشة أو مضافا إليها مواد أخرى كزيت المائدة أو مواد أخرى، إلا أن ذلك لا يمنع المواطنين من التهافت عليها، خاصة في موسم الشتاء، ويلجأ الكثيرون إلى الاحتفاظ بها لإضافتها كنكهة إلى غذائهم أو التداوي بها من نزلات البرد والسعال والأمراض الصدرية المختلفة وبعض أمراض المعدة.
كما تعتبر تجارة بيع زيت الزيتون بمختلف مناطق ولاية سكيكدة، من الأنشطة التجارية التي تشهد إقبالا كبيرا من مختلف الأعمار، خاصة خلال هذه الأيام، حيث يكثر عليها الطلب من طرف العائلات لاستعمالها لمعالجة العديد من الأمراض، كالنوع المعروف بزيت «بومقرقب’’، والذي يستخرج بطريقة تقليدية بحتة، الذي يفضل تناوله على الريق في الصباح الباكر وعند النوم مباشرة.
ونوعية الزيت المطروحة بحدة خلال السنوات الأخيرة بسبب الغش، فهي مضمونة عندما يشتريها الزبون من المعصرة حسب ما أكده المواطنون لجريدة «الشعب»، والذين التقينا بهم في العديد من نقاط البيع، بأنهم يفضلون اقتناء زيت الزيتون من المعصرة لأن صاحبها يتحصّل عليها مقابل عصر المحصول للذين لديهم أشجار الزيتون، ومن الزيتون الذي يقوم بشرائه، في حين يقوم أولئك الذين يتكفلون بعملية البيع بالغش من خلال إضافة زيت المائدة، مع الحرص على بيعها بسعر يفوق في غالب الأحيان سعر المعصرة إذ لا يقل عن 700 دج للتر الواحد لكي لا يثيرون شكوك الزبائن، ومن أجل تفادي الغش على مستوى المعاصر تشترط المصالح الفلاحية مخابر لضمان النظافة والنوعية في وقت لا تطرح فيه المشكلة على مستواها، بل على مستوى البائعين الذين يقوم البعض منهم بالغش من أجل الكسب السريع والسهل، ولا يمكن إثباته إلا إذا قام المستهلك بتحليل الزيت بمخبر.
وخلال جولتنا في محلات البيع، استفسارنا عن ارتفاع الأسعار، فحسبهم فأن الفلاح يتحمل المسؤولية كاملة بسبب الزيادة في سعر القنطار الواحد من الزيتون الذي قفز إلى قرابة ـ 8 آلاف دج، موضحين بأن أصحاب المعصرة يشترون الزيتون عادة من المناطق المعروفة بزراعة الزيتون والفلاحين يحدّدون السعر، هكذا تنعكس الأسعار المحدّدة من قبل أصحاب الحقول سلبا على صاحب المعصرة، حسب ما أكد أحد أصحاب المعاصر، حيث تتسبّب في الخسارة في بعض الأحيان، كما أن هامش الربح لا يتجاوز 20 دج للتر الواحد، منبها إلى أن الفلاح يقوم بعصر قنطارين ليعرف كمية الزيت التي تنتجها، ويحدّد على هذا الأساس الأسعار.
أكثر مناطق الولاية إنتاجا للزيتون، تتمركز على مستوى بلديات تمالوس وسيدي مزغيش وعين قشرة وبكوش لخضر، فيما تبقى العوائق الطبيعية تواجه العديد من المنتجين، على غرار صعوبة المسالك وضيقها، خصوصا تلك المتواجدة بالجهة الغربية من الولاية، وما ينجر عن ذلك من صعوبة نقل المنتوج مباشرة إلى المطاحن، وهو ما يجعل أسعار زيت الزيتون تشهد ارتفاعا كبيرا بالمقارنة مع الوفرة، حيث قدر سعر اللتر الواحد السنة الفارطة، بين 800 دينار إلى 1000 دينار، حسب نوعية الزيت. ولعلّ طرق الجني التقليدية التي ما زالت معتمدة في العديد من المناطق، من جهة، وإصابة الأشجار بالفطريات والأمراض، خصوصا الأشجار المعمرة، من جهة أخرى، من أسباب تذبذب الإنتاج الذي يؤدي إلى ارتفاع سعر زيت الزيتون.

   حرائق كبيرة أتت على الأشجار بمختلف مناطق الولاية

عرفت ربوع ولاية سكيكدة سلسلة من الحرائق أتت على مساحة كبيرة من اشجار الزيتون، وذكرت ارقام مديرية المصالح الفلاحية بالولاية، انه بعد ان وصلت مساحة اشجار الزيتون خلال الموسم الفلاحي الماضي، الى ما يقارب 16 الف هكتار، تقلصت الى 15 الف هكتار، وذلك بفعل الحرائق المتتالية والتي أتت على اشجار الزيتون، واحترق خلالها اكثر من 100 شجرة في الجهة الشرقية من الولاية، وتحديدا ببلديتي فلفلة وعزابة، خلال الموسم الماضي  اما بالجهة الغربية فمست الحرائق 250 شجرة زيتون، بقرية عين الطابية بمنطقة بورطل، و20 شجرة زيتون بمنطقة توسان بنفس البلدية.
وبمنطقة الدكارة أتى على 120 شجرة زيتون في حين تسبب الحريق الذي اندلع بمنطقة الخشابة في إتلاف 100 شجرة زيتون، كما شهدت منطقة لخشيوة بالحروش احتراق 150 شجرة زيتون غير مطعمة.
بعض المصطلحات الخاصة بموسم جني الزيتون
مصطلحات تتعلق بموسم جني الزيتون بعرش بني توفوت غرب مدينة سكيكدة، حسب بعض المصادر الاعلامية المحلية، وكغيره من المواسم الزراعية يحظى موسم الزيتون، بالعديد من التقاليد الشعبية الراسخة لدى أبناء العرش كالوزيعة التي تعبّر عن بداية موسم جنيهم ثمار الزيتون.
ازبوش: الزيتون البري عادة ما يكون رقيق الحب.
القطمير: أغصان شجرة الزيتون اليابسة.
 المختافة: أعواد ضرب وجذب أغصان الزيتون.
النفطة: ما يتم جمعه من نفض أشجار الزيتون.
بومسسلي: الزيت المستخلص من الزيتون المسوي فوق النار.
بومقرقب: الزيت المستخلص من الزيتون المطحون عن طريق القرقابة.
القرقابة: صخرة ملساء كبيرة لطحن، ورحي حبات الزيتون.
الفرشة: سطح حجري يطحن الزيتون فوقه بالقرقابة.
ازنبيل: سلة مصنوعة من شرائح القصب يوضع فيه الزيتون المطحون للتقطير.
احجيز: مكان تخزين الزيتون المغلى.
اطنجير: إناء من الطين لعجن الزيتون.
الجابية: حفرة بها ماء تستعمل لإستخراج زيت الزيتون.
اسواق: العود الذي يحرك به الماء في الجابية ليصعد اللمش فوق الماء ويجمع.
الدردة: هو الماء المفصول من الزيتون وهو ضار بالأشجار والنباتات.
اللمش: بقايا قشور الزيتون.
امجلل: السيار الذي يجمع به اللمش.
اقمسان: جرة فخارية لتخزين الزيت.


 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024