تطوير تقنية السقي إجراء استعجالي
تعتبر ولاية قسنطينة في مجال الفلاحة، من بين الولايات الرائدة في تدعيم الإنتاج الوطني، خاصة فيما يتعلق بالمحاصيل الكبرى، حيث حققت في السنوات القليلة الماضية نسب عالية في المنتوج الفلاحي وتصدرت المراتب الأولى عبر كافة ولايات الوطن.
«الشعب” قامت بجولة استطلاعية في هذا المجال، وتعرض الواقع الفلاحي ما له وما عليه بعاصمة الشرق الجزائري.
جاء ذلك نتيجة السياسات الرشيدة والمجهودات الجبارة، التي بذلتها الدولة الجزائرية في ميدان تحسين المردودية الزراعية بانتهاجها أساليب تكنولوجية حديثة والرفع من كفاءة البذور والتسميد والري الزراعي، إلا أن القطاع يعرف الكثير من المشاكل والصعاب والطموح لا زال قائما للرفع من المنتوج في شتى الأنواع الزراعية.
يعتبر توسيع المساحة المسقية وترشيد استغلال المياه من أهم العوامل المؤدية إلى تحسين قطاع السقي بهدف الاستغلال الأمثل للموارد المائية بالولاية، باعتبارها من أبرز المناطق الفلاحية المتخصصة في إنتاج المحاصيل الكبرى التي تعتمد أساسا على كميات الأمطار المتساقطة حيث لا تتجاوز المساحة المسقيـــة 2 بالمائة فقط من إجمالي المساحة الصالحة للفلاحة أي ما يعادل 3.256 هكتار كحصيلة سقي لموسم 2012 - 2013.
الموارد المائية المحدودة تقف عائقا أمام سقي المزروعات
تبلغ نسبة الأراضي المروية بالولاية 2٪ أي 2564 هكتار من إجمالي الأراضي الزراعية المستغلة والمقدرة بـ 131066 هكتار تحتل من خلالها زراعة الأشجار المثمرة على هذه الأراضي المروية المرتبة الأولى بمساحة تقدر بـ1400هكتار تليها زراعة الخضروات على غرار الخس، الفلفل، الطماطم، البصل بـ 1150 هكتار لتليها الأعلاف بمساحة 14 هكتار فقط.
فمن حيث التوزيع الجغرافي للمساحة المسقية ونوع المزروعات تحتل بلدية حامة بوزيان الريادة 633 هكتارا رغم كل المشاكل التي يعانيها المزارعون بهذه البلدية التي كانت تعرف بـ«سلة غذاء قسنطينة” لتأتي بعدها بلدية عين سمارة بمساحة مسقية 429 هكتار ثم بلدية الخروب بـ 289 هكتار ثم بلدية قسنطينة بمساحة تقدر بـ 174 هكتار، لتكون جل المزروعات المسقية تعاني من غياب السقي التكميلي للمحاصيل الكبرى “قمح، صلب، قمح لين، شعير” ذلك رغم سياسة وزارة الفلاحة المشجعة لهذا النوع من الري الذي أثبت نجاعته في مضاعفة المحصول في العديد من الدول عبر العالم.
إن دور الريادة الذي تحتله ولاية قسنطينة في شعبة إنتاج الحبوب الشتوية وذلك على المستوى الوطني وهو ما يشجع الإرادة القوية على السقي لمضاعفة المحصول نظرا لملاءمة الظروف المناخية والفيزيائية، حيث تطمح الولاية إلى الوصول إلى تحقيق مليوني قنطار بعد 3 أو 4 سنوات بانتهاج طريقة الري التكميلي خلال فصل الربيع.
وهذا لا يتأتى إلا بتضافر جهود جميع الفاعلين في القطاع سيما منها تعاونية الحبوب والبقول الجافة، الفلاحين، بنك البدر، المصالح التقنية وإزالة العراقيل الإدارية التي حالت دون انطلاق البرنامج المخطط من طرف وزارة الفلاحة الخاص بالسقي التكميلي للحبوب والمحاصيل الكبرى، فمضاعفة المنتوج الزراعي خاصة منها الحبوب الشتوية لن يتحقق إلا بزيادة المساحات المسقية وإتباع الطرق الحديثة في الري والتسميد والمتابعة ومرافقة الفلاحين اقتصاديا وتقنيا.
زيادة المساحات المسقية من خلال مسح فيزيائي للأراضي
بالرغم من أن ولاية قسنطينة رائدة في انتاج المحاصيل الكبرى وتحتل المراتب الأولى بين الولايات إلا أن العمل لا يزال جاريا لرفع الإنتاج والقضاء على العراقيل التي تحد من الوصول إلى الأهداف المسطرة من طرف وزارة الفلاحة، وكذا الفاعلين بالقطاع الذي يعتبر ثاني قطاع استراتيجي تعتمد عليه الدولة الجزائرية.
في هذا الاطار تم اقتراح إجراء مسح فيزيائي للأراضي الزراعية بالولاية والتي تعتمد على مدى ملاءمة نوعية التربة، المناخ، والتوفر المائي للنوع الزراعي وإنجاز خريطة زراعية يتم على أساسها تقديم المعونة التقنية والمالية للفلاحين خاصة مع التباين الجغرافي لنوع التربة والمناخ وكمية الأمطار بالولاية، باعتبار أن مياه التساقط هي الحلقة الأولى من الدورة المائية والممون الرئيسي لمختلف أنماط السقي، وبالنظر إلى اختلاف معدل التساقط وخطر الجفاف فإن التركيز على أحسن الطرق لتجميع المياه وعقلنة استغلالها ومن أولى الأولويات.
فرغم مجهودات الدولة في بناء السدود والحواجز المائية إلا ان نسبة عالية لا تزال تضيع في البحر، وفيما يتعلق بمحيطات السقي بالولاية فأهم محيط بالولاية وهو محيط حامة بوزيان الذي يمون من المنبع يعاني من التدهور الشديد مما تسبب في مشاكل للفلاحين جراء الظروف المالية الصعبة للتعاونية الفلاحية لسقي وصرف صحي التي تسيره والعاجزة حتى على تسديد فاتورة الكهرباء، لتجف بموجبها معظم سواقي هذا المحيط الذي يدار بطريقة تقليدية مما تسبب في تكبد الفلاحين خسائر كبيرة جراء انعدام الأشجار مع تسجيل أن مساحة هذا المحيط الذي كان يمون قسنطينة بمختلف أنواع الغلال الزراعية في تراجع مستمر نظرا لزحف الإسمنت والتسيير غير المعقول لملف البناء الريفي.
...تراجع الحواجز المائية ومحيطات السقي
تحتوي الولاية على موارد للري لا بأس بها على غرر الينابيع التي يقدر عددها حاليا بـ 35 ينبوعا بمساحة مسقية تقدر بـ 897 هكتار مصدرها المياه الباطنية التي تعد من الثروات الهامة التي تحوزها الولاية والتي تستغل في سقي البساتين وفي انتاج العديد من أنواع الخضر إلا ان تراجع إنجاز الينابيع في السنوات القليلة الماضية رغم فعالية هذا النوع من الموارد المائية في الري الفلاحي.
إلى جانب توفر 17 حاجزا مائيا بمساحة مسقية تقدر بـ 600 هكتار هذه التي تعتبر طريقة لتجميع المياه السطحية والمياه السطحية ومياه المجاري الناتجة عن التساقط تستغل في مجالات السقي الفلاحي ومكافحة الحرائق والسياحة وتربية المائيات وحتى الشرب يبلغ عددها بالولاية 20 منهــــا ثلاثـــــــة غير مستغلة، 239 بئر و17 واديـــا و33 بئرا عميقة بمساحة مسقية قدرت بـ 275 هكتار، حيث تعتبر هذه الموارد المائية في الري الفلاحي ذات فعالية قصوى لزيادة الإنتاج الفلاحي.
كما يعاني القطاع الفلاحي فيما يخص الحواجز المائية من انخفاض الإمكانيات التخزينية لأغلبيتها وتقلص المساحة المسقية بسبب ارتفاع نسبة التوحل بها وخاصة القديمة منها على غرار حواجز بلدية ابن باديس والخروب وحاجز بلدية عين عبيد الذي توقف استغلاله نهائيا، هذا إلى جانب معضلة التوحل التي تسجل عدم استعمال مياه الكثير من الحواجز في الري من طرف المزارعين سواء لانعدام الإرشاد التقني والتوعية المتخصصة أو لنقص القدرة المالية على اقتناء عتاد السقي من طرف الفلاحين مما يطرح إشكالية المرافقة التقنية والمالية بقوة وهي الإشكالية التي دفعت الكثير منهم إلى تأجير الأراضي أو استعمالها في زراعة الحبوب الشتوية.
ومن خلال الزيارات التي قامت بها جريدة “الشعب” للعديد من هذه الحواجز اتضح أنها تعاني الكثير من الإهمال ونقص المتابعة فأضحى العديد منها مرتعا للمنحرفين وتحولت مكانا خاصا بغسل السيارات والشاحنات.
هذا إلى جانب مصدر الوديان التي تعاني معظمها من التلوث جراء مياه الصرف الصحي وكذا مياه الصرف الصناعي كوادي بومرزوق على مستوى المنطقة الصناعة بالحميميم ووادي الرمال على مستوى المستشفى الجامعي والمنطقة الصناعية عين سمارة وقسنطينة، ورغم خطورة الوضع إلا أن مواصلة السقي بهذه المياه تعتبر مصدرا يهدد صحة المواطن المستهلك واستهتار بالمراسيم التي تمنع بصرامة عملية السقي من الأودية الملوثة، هذا إلى حين انتهاء عملية تطهير الأودية وربط المجاري الصحية والصناعية فإن تجديد عمليات المراقبة والتطبيق الصارم لمرسوم المنع أكثر من ضروري.
وقتها تكون إمكانية انتهاء هذه العملية وإجراء التحاليل الخاصة بهذه المياه استغلال الأودية في الري ورفع نسبة المساحة المروية بقسنطينة ودفع عجلة التنمية بالولاية.