كانت ولا تزال أهداف الإدارات الأمريكية المتعاقبة في منطقة آسيا احتواء العملاق النائم، حيث انه ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة عملت واشنطن على نسج تحالفات إستراتيجية ثنائية مع دول آسيوية عدة من أهمها اليابان، تايلاند... وغيرهما بينما أفلتت دول أخرى من القبضة الأمريكية وانضمت إلى المعسكر السوفياتي على غرار بورما وكوريا الشمالية اللتان تحولتا لاحقا إلى أولوية إستراتيجية في سياسة واشنطن في المنطقة لاستكمال مسار احتواء بكين فالرئيس الأمريكي السابق باراك اوباما لم يتوان بعد انتخابه مباشرة لعهدة رئاسية ثانية في تخصيص أول تنقل له الى الخارج لزيارة بورما، زيارة أحدثت حينها جدلا كبيرا وعلامات استفهام لا تنتهي حيث فاجأت الجميع فمن كان يتوقع أن واشنطن كانت تعتبر ميانمار بؤرة للدكتاتورية وانتهاكات حقوق الإنسان وتخصص لها تقارير يومية وانتقادات لاذعة يزورها الرئيس الأمريكي نفسه؟ انها حسابات المصالح الأمريكية وترتيبات التموقع على رقعة الجغرافيا السياسية في آسيا التي حولت عدو الأمس إلى ولي حميم؟.
القمة التاريخية و الأولى من نوعها - منذ خمسينيات القرن الماضي - التي جمعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون لا يمكن فصلها عن هذا السياق، فالإدارة الأمريكية السابقة غازلت بدورها بيونغ يانغ الا انها فشلت في انجاز ما حققه ترامب، توجه ازدادت أهميته لدى واشنطن بعد شعورها بفقدان تايلاند، أهم حلفائها في آسيا منذ الإطاحة بحكومة شيناواترا سنة 2014 وبداية التقارب بين بانكوك وبكين مما احدث ثغرة غير متوقعة في الطوق الذي تريد أن تضربه واشنطن حول الصين وهذه الأخيرة تدرك جيدا أنها المستهدف الأول من كل المناورات الأمريكية وهذا ما يفسر ردة أفعالها المتعددة مثل وضع يدها على بحر الصين الشرقي وإعلانه منطقة دفاع جوي يحظر المرور عبره دون موافقتها، ولولا هذه الموافقة ما كانت قمة (ترامب - كيم) لتعقد حيث أنها هي من أقنع كيم جونغ أون و قدمت له الضمانات المقنعة للجلوس إلى الطاولة منها تنقله على متن طائرة رسمية صينية وتحت حراسة بكين وهذه كلها رسائل قوية لواشنطن مفادها أن بكين في حاجة ملحة إلى الاستقرار في شبه الجزيرة الكورية لسد ذرائع واشنطن لتعزيز تواجدها العسكري على حدودها.