يبدو أن سياسة العصا والجزرة التي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية لإرغام دول دون غيرها على التخلص من برامجها وأسلحتها النووية، أعطت ثمارها هذه المرة.
فبالأمس فقط التقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نظيره الكوري الشمالي كيم جونغ أون لبحث تجريد بيونغ يانغ من ترسانتها النووية، التي ترى واشنطن بأنها أصبحت تشكل خطرا على الأمن في شبه الجزيرة الكورية وفي العالم أجمع، وبالمقابل تخرج كوريا الشمالية من عزلتها وتحصل على دعم اقتصادي من خلال رفع العقوبات المفروضة عليها وعلى ضمانة بحماية نظامها.
لقاء سنغافورة التاريخي الذي شكّل الحدث العالمي أمس، جاء إذن نتيجة لسياسة التهديد من جهة والإغراء بالمساعدات من جهة ثانية، التي تبناها ترامب مع كيم جونغ، لإرغامه على الرضوخ للأمر الواقع والقبول بالتنازل عن سلاحه النووي طواعية.
ومعلوم أن السياسة التي انتهجها الرئيس الأمريكي ترامب مع نظيره الكوري الشمالي، سبقه إليها الرئيس جورج بوش مع ليبيا في ديسمبر 2003، التي لم تكن في واقع الأمر تملك أي نوع من أنواع سلاح الدمار الشامل، ولم تكن تشكّل تهديدا لأحد، ومقابل هذه الخطوة استفادت ليبيا من إعادة تطبيع علاقاتها مع أمريكا والغرب عموما بعد قطيعة استمرت عقدين كاملين، أي منذ حادثة لوكربي.
وإذا كنا نثمّن موافقة أيّ دولة على التخلص من ترسانتها المحظورة لأن ذلك يصبّ في مجرى إحلال السلم والأمن بالعالم، فإننا نتساءل بحسرة شديدة، لماذا تحرص أمريكا على تجريد دول بعينها من أسلحتها وتغض الطرف عن دول أخرى تملك كل أشكال سلاح الدّمار الشامل، من النووي إلى الترسانة التقليدية الفتاكة كالقنابل العنقودية والانشطارية والعملاقة؟
لماذا هذه الازدواجية، ولماذا تستهدف كوريا الشمالية وإيران في حين أن أحدا لم يشر يوما بأصبعه لإسرائيل التي تملك عشرات الرؤوس النووية؟
إن «تنظيف» العالم من السلاح النووي هو حتمية، لكن يجب أن يكون شاملا، بعيدا عن شعار «حلال علينا حرام عليكم» الذي ترفعه أمريكا وإسرائيل اليوم، فحل المسألة النووية يجب أن يكون بعيدا عن التمييز والانتقائية، وقراره لا يصدره ترامب أو غيره، وإنما المنظمات والهيئات المختصة التي يجب أن تسعى وتناضل بقوّة لأجل عالم خالي من أي سلاح وأيّ حروب.