الجماجم لا تستنسخ

جمال أوكيلي
09 جوان 2018

 

 

في هذا اليوم العالمي للأرشيف الذي يصادف ٩ جوان، لا يمرّ علينا نحن في الجزائر من أجل دعوة كل من يحتجز جماجم مقاومينا البواسل أن يعيدها لنا في أقرب وقت دون المزيد من التعطيل الذي أضر كثيرا بهذا الملف إلى درجة أن هؤلاء يريدون طيّه، وإدراجه في حقائب النسيان.
وعليه فهذا جزء لا يتجزأ من تاريخنا الوطني الناصع الذي صنع فيه الجزائريون ملاحم بطولية ضد الغزاة، ووقفوا لهم بالمرصاد في محاولة منهم الإعتداء على الأرض والعرض ليجدوا أعدادا من “جماجمهم” مخزونة في متحف الإنسان وراء البحر.
كم من مرة ينتابنا الأمل في أن هذه الجماجم ستعود هذا الأسبوع غير أننا نتفاجأ في لحظات بتراجع غير مفهوم من قبل تلك الجهات الرافضة نقلهم إلى أرضهم الطاهرة دون معرفة ما يدبر من أسباب.
فلماذا كل هذا السكوت من قبل الطرف الآخر ؟ أكبر إشكال فيما يجري اليوم، هو عندما أخلط هؤلاء بين المسعى الجزائري النبيل القائم على نظرة واضحة فيما يتعلق بملف يهمها بالدرجة الأولى، وإحالته على الترسانة القانونية الفرنسية المعقدة، التي أضيفي عليه كل هذا الطابع الإداري المتداخل وجردته من بعده الإنساني، أي أن كل واحد ينتظر موافقة الآخر من مصلحة لأخرى، إلى غاية صعود القرار إلى مستوى معين، وهنا أي عندما يقع في يد السياسيين تبدأ القراءات التي لا بداية ولا نهاية لها تجاه الجزائر.
لذلك، فإن ملف الجماجم هو أسير لأكثر من نظرة كلها لا تسمح في نهاية المطاف بتسليمه وفق ما يرغب فيه الجزائريون الذين يدركون هذا جيّدا غير أنهم لا يتنازلون عنه أبدا، لأنه محطة مضيئة في تاريخهم النضالي والاستمرار في وضعها في علب وبأرقام مرجعية لأبطال من هذا البلد لا يليق أبدا بمقامهم.
في هذا اليوم العالمي للأرشيف أخذنا عينة لجماجم المقاومين الجزائريين، للقول بأن المسألة ليست تقنية بحتة تتعلق بالتصنيفات وإنما تحمل تلك الدلالات الإنسانية التي تفوق ذلك الطرح الضيق فالطرف الجزائري يولي أهمية قصوى لهذه المسألة من باب الحرص على انسجام المسارين المقاومتي والثوري وتثمين أو بالأحرى تكريم كل من تصدى للغزاة بدءا من ١٨٣٠ إلى غاية ١٩٦٢. وترفض الجزائر رفضا قاطعا إحداث القطيعة ما بين فترات المقاومة الشعبية، والثورة التحريرية لأنها تكمل بعضها البعض، وتلتقي عند القاسم المشترك، ألا وهو الدفاع عن الأرض.
لذلك فإن هذا المطلب يبقى قائما والأكثر من هذا شرعيا فما على الطرف الآخر إلا التفاعل مع الإرادة الجزائرية. في هذا الشأن، لأننا نعي جدا بأن التسليم لن يكون غدا، أو بعد غد انطلاقا من التجارب السابقة، التي تتحايل في هذا الإطار عندما يتعلق بأرشيف الجزائر.
وكل ما يتعلق بالجزائر في المتاحف الفرنسية يطبق عليه قوانين صارمة، بالرغم من مرور سنوات تفوق الـ ٥٠ أو الـ ١٠٠ سنة لا يسمح لأحد بالاطلاع عليها، وكل ما يقدم لك من وثائق لا تفي بالغرض المطلوب زيادة على أنها نسخ غير أصلية مصوّرة لا تحمل ما يريده الباحثون وغيرهم.. ناهيك عن من يريد المطالبة بأشياء مادية أصلية كالجماجم وإن لم يستطيعوا استنساخ أشكال منها فإنهم لا يسلّمون تلك الأصلية، لأن الأمر لا يتعلق بتصوير وثائق هذا ما يحرج دوائر الأرشيف في فرنسا عندما وجدوا أنفسهم أمام هذا الملف الدقيق الذي يريدون من الجزائر أن تنساه.

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19525

العدد 19525

الثلاثاء 23 جويلية 2024
العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024