يرتقب أن تسجل المشاريع المعطلة انتعاشا من خلال رصد مشروع قانون المالية التكميلي تمويلا إضافيا بمبلغ 500 مليار دينار في شكل رخص برامج دون تسجيل اعتمادات إضافية، كما تقرر في اجتماع مجلس الوزراء المنعقد، أول أمس، مما يسمح ببعث جملة مشاريع خاصة منها ذات الطابع الاجتماعي التي شملها التجميد بفعل التداعيات المالية الناجمة عن الصدمة المالية الخارجية. ويندرج هذا التوجه الذي رسمه رئيس الجمهورية ضمن خيار ترشيد النفقات وعقلنة استعمال الموارد، بدل السقوط في محاذير التقشف الذي يتعارض في الجوهر مع النمو ويقتل المبادرة في وقت بلغ فيه مسار الاستثمار مرحلة لا يمكن التوقف في منتصفها وإنما تتطلب مواجهة التحدي بالحرص على ضمان ديمومة الحركية بكافة جوانبها من استثمار وانجاز ومواكبة لتقلبات الأسواق دون أن تفقد المنظومة الاقتصادية روح المبادرة.
في هذا الإطار الذي يتطلب حشد الموارد وتجنيد الإمكانيات خاصة الصندوق الوطني للاستثمار، حول هدف النمو خاصة، وان المؤشرات الكلية مشجعة من ضعف للمديونية واحتياطي للعملة الصعبة لا يزال في مستوى مقبول إلى جانب مناخ مشجع للاستثمار بكافة الصيغ بما فيها الشراكة الأجنبية، تستفيد بموجب تدابير مشروع قانون المالية التكميلي عدة مشاريع متوقفة أو تقتضي إعادة التقييم، على غرار انجاز سكك جديدة وطرق اجتنابية تتعلق بميناء الوسط الجديد واستغلال مناجم الفوسفات مع عصرنة ميناء عنابة وكذا ازدواجية خط السكة الحديدة: الخميس- العفرون وواد سلي- يلّل، تثمين ميناء جن جن، انجاز وحدة جديدة لمطار السانية وترمواي ورقلة.
ومثل هذه المشاريع التي تحمل صبغة اقتصادية بامتياز بالنظر لدورها المحوري في تعزيز مسار النمو ومواكبة التحولات بشكل يسمح بتجاوز الآثار السلبية للأزمة المالية وإدراك مستويات متقدمة على طريق بناء اقتصاد إنتاجي ومتنوع يرتكز على تحرير المبادرة أمام المؤسسات الجزائرية واستقطاب الرأسمال الوطني والأجنبي حول مشاريع ذات جدوى وقابلة للنجاح أمام المنافسة القوية محليا وإقليميا وعالميا.
لم يكن ممكنا البقاء مجددا في موقع المتأثر بالصدمة المالية على ما حملته من انعكاسات مالية، وإنما كان ضروريا البحث عن المخارج التي تنتشل المنظومة الاقتصادية برمتها من دوامة الأزمة ووضعها على سكة النمو، وهو ما تهيئ له المشاريع القاعدية التي تستفيد من إجراءات قانون المالية التكميلي والظروف المواتية وأبرزها التمويلات المطلوبة، وفقا لرؤية دقيقة في المديين المتوسط والبعيد تكون فيه المؤسسة الجزائرية بمثابة القلب النابض لما تنتجه من قيمة مضافة في كافة القطاعات.
إن كافة تلك المشاريع التي تعزز البنية التحتية، والتي يسمح هذا المشروع بالانتهاء من أشغالها في الآجال المحددة وبالنوعية اللازمة، توفر للاستثمار الاقتصادي الأرضية الصلبة لمواصلة تجسيد المشاريع التي يعول عليها في تحقيق الانتقال الاقتصادي من التبعية للريع النفطي الذي تتراجع موارده إلى الإنتاج والتصدير نحو أسواق خارجية خاصة وأن تجارب، ولو أنها محدودة، تظهر وجود طاقات تؤكد القدرة على رفع تحدي الأسواق الخارجية خاصة من البوابة الإفريقية شريطة أن تنتقل المؤسسة الإنتاجية إلى سرعة متقدمة في الأداء من خلال تطوير المناهج وترقية الأساليب ذات الصلة بالعمليات الإنتاجية والتسويقية. هذا الامتياز الذي تمنحه الدولة لعالم الاستثمار من خلال تحمل عبء تمويلات توصف بالثقيلة يحمل دلالة واضحة لمدى الثقة التي توضع في المؤسسات الجزائرية خاصة الصغيرة والمتوسطة لتكون في نهاية المطاف المصدر الملائم لإنتاج الثروة بالحجم والقوة التي يتطلبها الظرف، قصد استرجاع جانب معتبر من الموارد الثمينة التي تصرف اليوم، وذلك عن طريق الوفرة المحلية والتصدير.
ويعكس هذا الخيار ما فيه من صعوبات ظرفية إرادة للمضي قدما على طريق النمو الاقتصادي بجانبه الاجتماعي وفقا للتوجهات الرئيسة للدولة وانسجاما مع التطلعات التي تحملها المجموعة الوطنية في بلوغ مستويات متقدمة من الرفاهية التي يصعب بلوغها دون أن تلتزم المؤسسة الإنتاجية والمتعامل المستثمر والمستهلك المدرك لمخاطر تقلبات السوق بقواعد المواطنة الاقتصادية التي ينبغي أن تتحول إلى ممارسة يومية في الورشات والمصانع والأسواق وفي كافة المواقع التي تحيط بالمؤسسة الجزائرية، مثل البنوك، إدارة العقار، الجمارك، الضرائب ومراقبة النوعية والفروع الاقتصادية التجارية للممثليات الدبلوماسية التي ينتظر أن تتحرك لتنسجم مع الديناميكية الجديدة.