تشكلت طيلة سنوات صورة نمطية سلبية حول العامل الجزائري في رمضان، غير أن الواقع اليوم يقدم صورة معاكسة تماما لها بعد أن تغيرت المفاهيم وتطورت المؤشرات لتبرز صورة ايجابية نسبيا يمكن تحسينها باستمرار، خاصة وأن ظروف العمل تحسنت والمناخ العام بلغ مستويات مقبولة تضع العامل في أريحية تساعده على القيام بواجباته المهنية في وقتها وبأحسن شكل. التحولات العميقة التي يعرفها عالم الشغل والتغيرات التي يعيشها عالم المؤسسات أثرت بلا شك على الذهنية وغيرت من السلوكات سواء للعامل أو المسير أو المستثمر، فما عدا بعض المشاهد السلبية التي لا تزال تلازم العامل في بعض الإدارات أو المرافق البيروقراطية فإن باقي القطاعات الاقتصادية خاصة الحيوية تحافظ على نفس وتيرة العمل السنوية، فلا تتأثر بأي شكل من الأشكال بمفعول الصيام، بل في هذا الشهر الفضيل الذي يمنح قوة معنوية يرفع عمال تلك القطاعات من حجم الإنتاج ويضاعفون الجهود بنفس الجدية والمثابرة. لتفادي أي تأخر في انجاز الأهداف التي تسطرها المؤسسة الاقتصادية في الصناعة أو الفلاحة أو في البناء يتمّ اللجوء إلى التكيف مع الوضعية بالصيغة التي تضمن في نفس الوقت حماية العامل من الإرهاق وانجاز المهام في آجالها، بينما يراقب البعض مؤشرات النتاج لتعويض الفراق الضائع مباشرة بعيد رمضان قصد تأمين مركز المؤسسة في السوق التي تعرف منافسة شديدة وسوف تشتد في المستقبل تحت وطأة العولمة وتداعياتها الاقتصادية. ولعلّ ما ينبغي رصده بعد انقضاء رمضان أن تكشف مصالح الصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية عن حجم العطل الرمضانية المسجلة وتقدير كلفتاه الاقتصادية قصد استخلاص النتائج واتخاذ التدابير اللازمة لحماية الصندوق من خطر استنزاف غير مبرر، في وقت تشحّ فيه الموارد وترتفع بالمقابل الحاجة لخدمات مؤسسة اجتماعية بامتياز تحتاج لتظافر الجهود لضمان ديمومتها، خاصة في ظلّ أزمة كالتي يمر بها الاقتصاد الوطني بسبب التداعيات الناجمة عن الصدمة المالية الخارجية. ومهاما كانت محدودية نطاق التحايل على الصندوق بتقديم عطل مرضية وهمية فإنه من الضروري الرفع من وتيرة مكافحة أفعال الغشّ خاصة في هذه الأيام عن طريق المراقبة والزيارات التفتيشية ميدانيا لكبح جماح استنزاف موارد تحتاج إليها الشرائح المختلفة من العمال الذين يقدمون صورة مشرفة للعامل الجزائري الملتزم بواجباته والحريص على أداء عمله بإتقان استجابة للضمير والقانون وخاصة الدين الذي يضع العمل في أعلى سلم القيم الأخلاقية باعتباره قيمة اقتصادية واجتماعية ومصدر القيمة المضافة التي يحتاج إليها عالم المؤسسات. لقد أدرك العمال ورؤساء المؤسسات التي تشعر بالتحديات الراهنة، أن حماية مناصب العمل وتأمين التواجد في السوق المفتوحة على منافسة شرسة مع الطموح للانتشار في أسواق خارجية، أن العمل المتقن والمنجز في وقته هو الضامن للديمومة، ولذلك يحرص الكثيرون على المداومة في العمل في كل الظروف فيما يجب أن يعوض من سجلوا تأخرا الفارق في قادم الأيام سواء بتأخير العطل أو ضبط مسار الإنتاج برؤية اقتصادية صرفة لا تقبل أي خلل سوف تكون له كلفة يصعب تعويضها بلا شك.