إذا كانت المجموعة الدولية تتفق على حتمية أن يكون حلّ الأزمة الليبية سياسيا، وبتوافق من فرقاء الداخل بعيدا عن أي تدخّل خارجي، فالواقع على الأرض، يعكس بأن التسوية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة مند سنوات، مازالت حبيسة هذا التدخل الخارجي الذي يعرقل جهود الحلّ ويؤجّج الصراع بين الأشقاء، ويزجّ بليبيا في أتون الحرب التي إذا استعرت فإنها سوف لن تأتي على أرض شيخ الشهداء عمر المختار فقط، بل على المنطقة والإقليم كلّه.
إن التدخلات الخارجية المشبوهة، هي التي تفجّر الأزمات وتحوّلها إلى حروب مدمّرة، وليبيا ستمضي حتما إلى ما تعيشه الجريحة سوريا مند ثمانية أعوام، إذا واصل الفرقاء هناك تجاذباتهم السياسية وصراعهم على السلطة وتغافلوا عن حقيقة أن من يحرّكهم من الخارج ويتحكّم بمواقفهم، إنّما يريد خلط الأوراق وتعفين الأجواء واقتناص الفرصة ليضع له قدما في ليبيا، وليضمن حصّته من الكعكة المسيلة للعاب.
الأكيد أن الانفراج في ليبيا لن يكون إلاّ بسدّ الأبواب أمام متآمري الخارج، وقطع الأيدي الممتدّة من هنا وهناك والتي تعمل على تقويض العملية السياسية واستهداف الأمن والاستقرار، ليلتفّ الليبيون بمختلف توجهاتهم حول هدف واحد، وهو إنقاذ البلاد من الانزلاق إلى حرب أهلية تبدو ملامحها واضحة للعيان، والاتفاق على حلّ أساسه الحفاظ على وحدة وأمن ليبيا، مع ضرورة استعجال هذه المهمّة، لأن أي تأخير في التوصل إلى وفاق وطني من شأنه أن يفسح المجال أمام مزيد من التصعيد وانتشار العنف والإرهاب واتساع الصراعات.
على الأطراف الليبية بذل مزيد من التنازلات لإعلاء المصلحة الوطنية وتحقيق التوافق الضروري لإنهاء المرحلة الانتقالية، وتنفيذ خطّة العمل الأممية وتتويجها بانتخابات تنهي مهزلة تواجد ثلاثة رؤوس للسلطة، تكون متبوعة بعملية مصالحة وطنية، تداوي الجراح وتعيد ربط النسيج الوطني الذي أصابه شرخ كبير.
هدف الليبيين في هذه المرحلة الحسّاسة يجب أن يتحدّد في إقامة الدولة الواحدة الموحدة، التي تكون السلطة فيها واحدة تغطي كامل أراضي الدولة، وتحافظ على وحدتها من خلال قطع الطريق على سيناريو تقسيمها على خلفيات سياسية وجغرافية وقبلية.
والطريق إلى تحقيق هذا المبتغى، يمرّ أوّلا عبر وقف الأعمال القتالية والوصول إلى توافق سياسي بين الأطراف المتصارعة، وهذا يتطلّب توافر قناعة لدى الجميع بأن حسم الصراع عسكريا هو مجرّد سراب، وبأن استمراره يلحق الضرّر بالمصالح الوطنية العليا، وأيضا بالأمن الإقليمي.
كما أن تجاوز الأزمة التي تعصف بليبيا مند ثمانية أعوام، يمضي أيضا عبر وضع حدّ لاستنزاف موارد البلاد وإهدار طاقاتها ومقدراتها، مع فتح المجال لتحسن الوضع الاقتصادي وتخفيف الأعباء الحياتية على المواطنين، ووقف الأخطار والانعكاسات السلبية على دول الجوار والمنطقة، وفتح المجال لبدء مسار الإصلاح السياسي والديمقراطي، ومحاصرة الفكر المتطرّف والمجموعات الإرهابية، وحرمانها من استثمار حالة الفوضى في توفير حاضنة لها.
يبقى في الأخير، التأكيد بأن الوضع في ليبيا بالفعل خطير، وعلى الأشقاء هناك أن يدركوا هذا الأمر وأن ينخرطوا بسرعة في العملية السياسية، لأن مزيدا من التأخر ستكون نتائجه كارثية ليس فقط عليهم بل على الجوار والإقليم.