كانت الزوايا و لا تزال الحصن المنيع الذي حافظ على مرجعيتنا الدينية الوطنية على اعتبار هذه الأخيرة صمام انسجامنا المجتمعي و اسمنت وحدة الشعب الجزائري فالزاوية بقيت وفية لجزائريتها و لم تتحول إلى دكان أو منبر لنشر الأفكار المستوردة من هنا هناك بعد أن استغل بعضهم الظروف الاستثنائية التي مرت بها بلادنا و أرادت أن تقدم نفسها بديلا عن مرجعيتنا الوسطية و المعتدلة فاستشرى جراء ذلك الفكر المتطرف الغوغائي الذي شكل لاحقا المناخ المثالي لانتشار الفكر الإرهابي و فلسفة القتل و الدمار باسم الدين الإسلامي الحنيف ؟ و لم تسلم حتى الزوايا من هجمات هذا التيار الهدام و لكنها كانت له بالمرصاد و رغم قلة ذات اليد استطاعت أن تواجه تلك التيارات الزاحفة التي كان يغدق عليها الملايير من الدولارات و بفتاوى تكفير و قتل الشعب الجزائري ؟
هذه المهمة النبيلة التي قامت بها زوايانا لم تأت من فراغ و لكن من قناعات مستمدة من القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة فالزاوية كانت دائما خزان حفظة كتاب الله و هي من تخرج المئات منهم كل سنة تحقيقا للهدف الأساسي من وجودها و هو تحفيظ القرآن الكريم و تلقينه لطلبة الذين اختاروا الانزواء في احد جنباتها لحفظه و ترتيله بطرق تقليدية راسخة أثبتت جدواها في المساعدة على الحفظ و القيد و تعزيز قدرات الذاكرة مثل الترتيل الجماعي ، الكتابة على اللوح و طرق أخرى كثيرة توارثها الشعب الجزائري أبا عن جد لتحفيظ الأجيال المتعاقبة القرآن الكريم مما يثبت أهمية القرآن و حفظه لدى هذا الشعب و حرصه على ذلك.
ان تدشين رئيس الجمهورية للمقر الجديد للزاوية البلقايدية بالعاصمة هو أكبر من مجرد التفاتة بروتوكولية من قمة هرم الدولة الجزائرية و لكنها رسالة مفادها أن الجزائر لديها مرجعيتها الدينية الجامعة و الشاملة و هذا أمر حسم أمره منذ قرون كما أنها إشادة بدور الزوايا و شيوخ الجزائر و علمائها في هذا الصدد و هي كذلك رسالة إلى أطراف تسعى لتكون الجزائر مسرحا لمواجهاتها المذهبية أو الطائفية فحواها أن الجزائر ترفض ذلك من أي طرف كان و مهما كان نوع و عمق العلاقة التي تربطنا به.