لا يختصر المسار الجامعي في الحصول على العلم والمعرفة فقط لأن الأهم هو اكتساب روح نقدية تمكّن صاحبها من فهم مغزى جلوسه في مقاعد الجامعة، وأن الهدف ليس الترف الفكري وهو أكبر من كونه ممر حتمي لكل تلميذ تحصّل على شهادة البكالوريا.
لقد فهم طلبة 19 ماي 1956 أنّ البقاء في الجامعة لا يفيد وطنهم في شيء، فتركوا مقاعدها للقاعدين والمتخاذلين، والتحقوا بالجبال والثغور لاستغلال مادتهم الرمادية في مقارعة الاستعمار الذي سلب الأرض، هذه كانت قناعة أولئك الشباب من طلبة الثانويات والجامعات على قلتهم، فهم أدركوا أن العلم الذي لا يحرّر صاحبه من قيود العبودية والبؤس هو مجرد مخدر.
السؤال الذي يجب أن يطرحه على أنفسهم طلبة اليوم هو الهدف من دخول الجامعة، هل من أجل التراكم المعرفي والحصول على شهادة فقط أم أن هناك رسالة أخرى تؤدى ومشعل يستلم؟
الأكيد أن حلاوة العلم وإشباع فضول الاطلاع والاكتشاف غاية طالب العالم، ولكن على الطالب الجزائري أن يعي أن له دور كبير في تغيير ذهنيات المجتمع، وتغيير الكثير من المعطيات والمسلّمات فأسلافه لم يكن مرورهم مرور كرام وقلب التحاقهم بالثورة الموازين، ولنا في قنابل الشهيد عبد الرحمان طالب التي لم تكن تساوي شيئا مقارنة بقنابل ونابلم الجيش الاستعماري التي كانت تحرق قرى ومداشر بأكملها، ولكنها استطاعت أن تحرم مرتكبي تلك الجرائم في حق الشعب الجزائري من ضباط وعساكر جيش الاحتلال، الذين كانوا يتّخذون من مقاهي وحانات الجزائر العاصمة أمكنة للترفيه والاسترجاع وقرع كؤوس نخب ضحايا الأرض المحروقة، كلّكم معنيّون بالحرب ولا راحة ولا اطمئنان والشّعب الجزائري يباد.
الظّروف تغيّرت وتغيّرت معها الأهداف، فطالب 2018 ليس لديه لا تطلّعات ولا اهتمامات طالب 1956، ولكن الرسالة لم تتغيّر وهي خدمة الوطن والدفاع عنه بما يتلاءم وأدوات وتحديات الراهن لأن الرّهان الأكبر اليوم هو التحكم في ناصية التكنولوجيا سيما وأنّ العالم يشهد حروب الجيل الخامس من أجل السيطرة على تكنولوجيات الاتصالات طرفاها واشنطن وبكين.