إذا كانت الغطرسة الإسرائيلية كلّها، والعربدة الأمريكية التي لا حدود لها لم تعد تفاجئنا، فإنّ ما أصبح يثير دهشتنا ومخاوفنا هو تغيّر الموقف العربي الرسمي وحتى الشعبي ـ وإن كان بدرجة أقل - من الكيان الصهيوني ومن القضية الفلسطينية التي ظلّت على مرّ السنين الماضية قضية العرب الأولى وهمّهم المشترك .
ما يثير حيرتنا، هو تعرّض الموقف العربي الرافض قطعيا لـ»إسرائيل» لكثير من التغيير في العقد الأخير وخاصة بعد ما يسمى بالربيع الدموي، وبلغت ليونته أعلى مستوياتها مؤخرا، ويمكن جسّ ذلك من خلال بعض التصريحات العربية التي أقرت بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وأيّدتها وأثنت على صنيعها عندما أمطرت الشقيقة سوريا نهاية الأسبوع الماضي بوابل من الصواريخ وجّهتها كما قالت لضرب القوات الإيرانية المنتشرة هناك.
كما نستشف بداية ذوبان الجليد بين بعض الدول العربية وإسرائيل، من خلال تفاؤل مسؤولين صهاينة بعلاقات واعدة مع أطراف عربية قطعت أشواطا كبيرة في اتجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب والارتماء في أحضانه والمتاجرة بالحقوق الفلسطينية ومقايضتها بالحصول فقط على مرضاة هذا الاحتلال الذي لا يتوقّف عن إراقة دماء الفلسطينيين وسرقة حقوقهم.
الموقف العربي المعادي لإسرائيل - كما كتب أحدهم - تشكّل تاريخيا منذ البدايات الأولى للقضية الفلسطينية، وأصبح بمرور الزمن حادا وقطعيا لم يجرؤ أي مسؤول عربي على تجاوزه إلى عام 1977، حين خرق الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات «المحرمات» وزار إسرائيل.
تلك الزيارة، وتوقيع معاهدة السلام، واستعادة سيناء لم تنهِ العداء العربي الإسرائيلي، ولم تنجح في تحقيق اختراق كامل في الموقف العام من إسرائيل، لا هي، ولا اتفاقيات أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إذ بقي هذا «التطبيع» سطحيا.
الضربة العنيفة التي وجهتها إسرائيل فجر الخميس الماضي للمواقع العسكرية الإيرانية في سوريا بالتزامن مع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، كان بمثابة المؤشر لمدى «الليونة» التي طرأت على مواقف بعض الأطراف العربية من إسرائيل.
ولعلّ هذه الليونة تعدّ أهم مكسب حصلت عليه تل أبيب من عملياتها العسكرية الأخيرة في سوريا.
لكن، دعنا نؤكد بأن تغيّر الموقف الرسمي للكثير من البلدان العربية تجاه الكيان الصهيوني، لا نستشفه فقط من الغبطة التي سكنت أفئدة قيادات هذه الدول من قيام هذا الكيان بضرب عدوها اللدود إيران، وإنّما من الاتصالات الظاهرة والمستترة التي أصبحت بعض الدول العربية تجريها مع الصهاينة، والصفقات التي تعقدها معهم لترسيم احتلالهم والبحث عن مخارج أخرى للقضية الفلسطينية خارج أرض فلسطين مثل «صفقة القرن» التي نسجت خيوطها اسرائيل بالتآمر مع بعض الزعامات العربية التي دفعها ضعفها لترتمي في أحضان العدو الصهيوني المفخّخة التي سينفجر يوما في وجهها، فبئس الخائن وبئس من يتاجر بقضاياه.